الموت
ثمَّ قالت له المِطرة: نودُّ أن تُحدِّثنا الآن عن الموت.
فقال لها:
إنكم تريدون أن تعرفوا أسرار الموت،
ولكن كيف تجدونها إن لم تسعَوْا إليها في قلب الحياة؟
لأن البومة التي لا تفتح عينيها إلا في الظلمة، البومة العمياء عن نور النهار، لا
تستطيع أن تنزع الحجاب عن أسرار النور.
فإذا رغبتم بالحقيقة في أن تنظروا روح الموت، فافتحوا أبواب قلوبكم على مصاريعها
لنهار الحياة؛
لأنَّ الحياة والموت واحد، كما أنَّ النَّهر والبحر واحد أيضًا؛
ففي أعماق آمالكم ورغباتكم تتكئ معرفتكم الصامتة لما وراء الحياة.
وكما تحلم الحبوب الهاجعة تحت الثلوج بالربيع، هكذا تحلم قلوبكم بربيعها؛
لذلك فلتكن ثقتكم عظيمة بالأحلام؛ لأن بوابة الأبدية مختفية فيها.
أما خوفكم من الموت فهو أشبه بارتعاش الراعي الواقف أمام الملك الذي يريد أن يرفع
يمينه فوقه لكي يكرمه وينعم عليه بوسام الرضى والفخر.
أفلا يفرح الراعي مع ارتعاشه لأن مليكه يقلده وسام الشرف والرضى؟ ولكن ألا يشعر
مع ذلك بارتعاشه وخفقان قلبه؟
وهل موت الإنسان هو أكثر من وقوفه عاريًا في الريح وذوبانه في حرارة
الشمس؟
أم هل انقطاع التنفس غير تحرير النَّفْس من دورانه المتواصل، لكي يستطيع أن ينهض
من سجنه ويحلق في الفضاء ساعيًا إلى خالقه من غير قيد ولا عائق؟
•••
إنكم لا تستطيعون أن تترنموا بالأناشيد حتى تشربوا من نهر الصمت.
ولا تستطيعون أن تباشروا الصعود إلى الجبال حتى تبلغوا قننها.
ولن تقدروا أن ترقصوا حتى تتسلم الأرض جميع أعضائكم.