الفرَح والتَّرَح
ثمَّ قالت له امرأة: هات لنا شيئًا عن الفرَح والتَّرَح.
فأجاب قائلًا:
إن فرحكم هو تَرَحكم ساخرًا.
والبئر الواحدة التي تستقون منها ماء ضحككم قد طالما مُلئت بسخين دموعكم.
وهل في الإمكان أن يكون الحال على غير هذا المنوال؟
فكلما أعمل وحش الحزن أنيابه في أجسادكم، تضاعف الفرح في أعماق قلوبكم؛
لأنه أليست الكأس التي تحفظ خمرتكم هي نفس الكأس التي أُحرقت في أتون الخزَّاف
قبل أن بلغت إليكم؟
أم ليست القيثارة التي تزيد في طمأنينة أرواحكم هي نفس الخشب الذي قُطع بالمُدَى
والفئوس؟
فإذا فرحتم فتأملوا مليًّا في أعماق قلوبكم تجدوا أن ما أحزنكم قبلًا يفرحكم
الآن.
وإذا أحاطت بكم جيوش الكآبة، فارجعوا ببصائركم ثانيةً إلى أعماق قلوبكم وتأملوا
جيِّدًا، تروا هنالك بالحقيقة أنكم تبكون لما كنتم تعتقدون أنه غاية مسرَّاتكم على
الأرض.
•••
ويُخيَّل إليَّ أن فريقًا منكم يقول: «إنَّ الفرح أعظم من التَّرح.» فيعارضه فريق
آخر قائلًا: «كلا، بل التَّرح أعظم من الفرح.»
أمَّا أنا فالحقَّ أقول لكم، إنَّهما توءمان لا ينفصلان، يأتيان معًا ويذهبان
معًا، فإذا جلس أحدهما منفردًا إلى مائدتكم، فلا يغرب عن أذهانكم أنَّ رفيقه يكون
حينئذٍ مضطجعًا على أَسِرَّتكم.
•••
أجل، إنَّكم بالحقيقة معلقون ككفتي الميزان بين ترحكم وفرحكم،
وأنتم بينهما تتحركون أبدًا، ولا تقف حركتكم إلا إذا كنتم فارغين في
أعماقكم؛
فإذا جاء أمين خزائن الحياة يرفعكم لكي يزن ذهبه وفضته، فلا ترتفع كفة فرحكم ولا
ترجع كفة ترحكم، بل تثبتان على حالة واحدة.