تناظر الفارسيَّة واللغات المندثرة القديمة للعربيَّة
لما كانت جزيرة العرب متصلةً بالعراق منذ أقدم الأزمنة في التاريخ دخل كثير من كلام العرب في كلام أهل فارس، كما أن كلامًا كثيرًا من لغة الفرس دخل في لسان العرب، وقد يصعب على الباحث في بعض الأحيان نسبة الكلمة إلى اللغة التي ترجع إليها من عربية أو أعجمية.
وقد قيل في بني العَبَّاب (ككتَّان) من العرب إنهم سُمُّوا كذلك؛ لأنهم خالطوا فارس حتى عبَّت خيلهم في الفرات (راجع القاموس في عبب).
ولهذا وجب علينا أن نطيل الكلام على هذه المسألة بوضع مقدَّمة تقفنا على الأمور ودخائلها.
لا نشك أبدًا في أن ألفاظًا جمة، من إغريقية ولاتينية، تشابه كل المشابهة حروفًا سامية عديدة، ولا سيما تضارع حروفًا عربية؛ لأنه إذا كان ثَمَّ عشر كلمات من اللغتين الْمُؤْتَمَّتَيْن تناظر كلمات عبرية أو إرميَّة، فهناك مئات من الألفاظ الضادية تنظر إلى اللغتين المذكورتين.
فهذه المجانسة البينة لكل ذي عينين لم تأتِ عفوًا ولا من باب المصادفة والاتفاق، ولا هي وليدة توارد الخواطر؛ لأنه لو وقع شيء من هذا القبيل لكان في بضعة أحرفٍ، وليس في عشراتٍ أو مئاتٍ، إذن هناك أصل هو أبو الجميع، ومن هذا الأب نشأت سائر الفروع، وأقرب لغة تُجاور ذلك الأب الأكبر هي العربية.
وكان السلف قد اختلط بالأمم القديمة أصحاب اللغات التي كانت مبثوثة في سقي بحر الروم؛ أي بالأمم الهندية الأوروبية وبسواها.
والهنود الأوروبيون في مختلف لغاتهم غير متصلين بعضهم ببعض على طراز الساميين؛ إذ هؤلاء تستحكم بينهم عرا النسب، وتَشِجُ وشجًا وثيقًا، ولا يمكن أن ينكر ما عند القبيلين من المنازل التي تدل على أصلهم منذ القدم، ومن هذين القبيلين نشأ العمران الأكبر، عمران العالم الحديث، وأصل هذين القبيلين البشريين وتطورهما أو تكاملهما هما المسألتان الرئيستان اللتان تُهِمَّانِ التاريخ.
على أن بعض الغربيين وشعوبيتهم يحاولون أن ينكروا كل ممالأة جاءت من قبل الساميين، وينسبون كل تبحُّر في الحضارة إلى العنصر غير السامي؛ بيد أن مكشوفات العراق، وسورية، وفلسطين، وديار مصر، والهند، هبَّت من قبورها ودفائنها لتفنِّد هذا الزعم القائِل، وَتُكَذِّب أولئك المتقوِّلين المغرضين.
وكل ما نرغب فيه اليوم، ويفيد المؤرخين الباحثين، أن يتقصَّى الْحَفيُّ في الآثار، ليطلع على أقدم الطوارئ الآريَّة التي هبطت على آسية المتقدمة، ويحاكم أحْدَاث تلك الأجيال محاكمة مجرَّدة من كل غرض.
إننا نعلم أن الفريجيين والأرمن وبعض أقوام آسية الصغرى الواغلة في القدم كانوا ينتمون إلى العشيرة الهندية الأوروبية، والآن جاءت الأنباء تروي لنا أن هناك آريين أسبقين بَدَوْا لنا اليوم ليلحقوا بالعشيرة المذكورة، فانبثاق هذا الفجر الجديد يطلعنا على أمور كان علماء الغرب أنكروها قبل نحو بضعة قرون، وهي الآن تزداد جلاءً ووضوحًا؛ إذ يبدو لنا الآريُّون، بل قُلْ الآريون الأسبقون بمظهر العائشين في الشرق المتقدم عيشة تدل على أنهم كانوا يخالطون الساميين منذ الأزمان الضاربة بعرقٍ في القدم، فإلى ذلك العهد تُنسب الألفاظ اليونانية والرومانية التي تشبه في تركيبها وبنيتها وبساطتها الألفاظ السامية، أو قُلْ الأوضاع العربية.
في أصول اليونانية وغيرهما، يجد أنهم يقولون إننا نجهل أصل هذه الكلمة، فإذا قالوا مثل هذا وقابلته بما ورد في لغتنا المبينة، فهي وحدها مفتاح اللغة، على ما بيناهُ في طائفة من الجرائد والمجلات كالهلال والمقتطف ولغة العرب ومجلة مجمع اللغة العربية الملكي، وغيرها مما لا يخفى على أحدٍ.