الفصل الثامن والعشرون
انفرد يسري بأخيه خيري وقد كسا وجهه جد واهتمام: آبيه خيري! إني أريد أن أتزوج.
ودهش خيري من هذا الحديث، ثم ما لبثت موجة من الفرح أن طغت على محياه. إذن فقد أدى الأمانة التي حملها وكبر أخوه الأصغر وتقدم يطلب الزواج.
– ما أحب هذا إليَّ يا يسري، هل اخترت الزوجة أم هي فكرة عامة وتريد أن نبحث معًا عمن تليق بك؟
– بل اخترت.
– حقًّا؟! من هي!
– فايزة.
وانتفض خيري كالملسوع صائحًا في دهشة وخوف: من؟!
ولم يحفل يسري بانتفاضة أخيه ولا دهشته وخوفه، وإنما أعاد الاسم في هدوء ثابت واثق: فايزة.
وقال خيري كما لو كان قد أخطأ السمع: تقول فايزة يا يسري؟
– نعم يا آبيه خيري، وما البأس؟
وصمت خيري بعض الحين بعد أن وثق أنه لم يخطئ السمع، لقد كان يعرف أن يسري يحب الغنى، ولكنه لم يتصور أنه يحبه إلى هذا المدى. ولم يعد يفكر في يسري فهو يعلم أنه يستطيع أن يفعل ما يشاء، ولكنه أصبح يفكر في فايزة وفي وفية وفي عمه عزت، في هذا البيت الذي لم يصيبوا منه إلا الخير كل الخير. وقد ملأت الخشية قلبه أن يرد لهم أخوه خيرهم جحودًا ونكرانًا، فهو يعلم أخاه. صمت مفكرًا وأطال التفكير حتى قال أخوه: هيه، ما رأيك؟
وقال خيري يائسًا: أيفيدك رأيي كثيرًا؟
– إنك أخي الأكبر وأنت من ربيتني.
– أتأخذ برأيي إذا قلته؟
– هذا يتوقف على رأيك.
– إذن فلا قيمة له.
– عفوًا أنا لم أقل.
– بل قلت، أنا أعرف أنك لن تعمل إلا برأي نفسك، أمَّا إن شئت رأيي فأنا غير موافق.
– ولماذا؟
– أنت تعرف لماذا.
– لا، لا أعرف.
– لأن فضل عزت باشا كبير علينا، ولا يجوز لك أن ترد فضله بأن تطمع في ثروة ابنته، فإنك لا تريدها إلا لثروتها. وحين تصبح هذه الثروة بين يديك ستذيقها ألوان العذاب، وإني أراك ظالمًا.
– أهو ظلم أن أتقدم لفتاة لن يتزوجها أحد وأتزوجها؟
– إنك تتزوج مال أبيها وستظلمها وهي مسكينة عاجزة لا تستحق ما تدبره لها.
– ولماذا تظن أني أدبر لها شيئًا؟
– هل تحبها يا يسري؟
– يا سلام يا آبيه خيري؟ أتظن أن الزواج لا يقوم إلا على الحب؟
– لا، ولكني أعلم أنه لا يقوم على الطمع.
– ألست أولى من الغريب؟
– بل لا، أنت تعرف أن أحدًا لن يطلب فايزة، وإذا فكر أحد المحبين للغنى من أمثالك في التقدم لها، فإن ذكاء أبيها سيحول دون هذا الزواج لأنه يعلم أن من يتقدم لها إنما يطمع في مالها لا غير.
– أتراه يظن بي هذا الظن؟
– لا، فإنك ابن همام صديقه، ولا يمكن أن يفكر فيك على أنك طامع في مال ابنته.
– فما لك أنت تفكر هذا التفكير إذن؟
– لأني أعرفك يا يسري، لأني أعرفك، لقد توهمت لفترة أنك تكثر من الذهاب إلى بيتهم لتعبر عن شكرك، وإذا بي مخطئ، وإذا أنت أنت لم تتغير. المال بالنسبة إليك كقطب البوصلة لا تتجه إلا إليه.
– وماذا يضيرك في هذا؟
– أخاف أن نسيء إلى هذا البيت.
– لا تخف.
– أتنتظر أن يزول خوفي لمجرد قولك لا تخف؟ لا، لا أستطيع القبول.
– إذن فلن تخطبها لي.
– أنا، موتي أهون.
– إذن فلا تغضب أن أطلبها أنا.
– أنت حر.
– لا أظن مثاليتك ستجعلك تذهب إلى عزت باشا تخبره أني طامع في مال ابنته.
– لا أستطيع فأنت أخي، ثم إني غير واثق أنك ستسيء إليها، فليس لي أن أسبق المستقبل.
– هذا كل ما أطلبه منك.
– إنه ليس هيِّنًا ما تطلب، كان الأجدر بي أن أنبه الرجل، ولكن ماذا أقول له، ماذا أقول؟