الفصل الثلاثون
أكنت أطمع في الزواج به؟! إذن فما لي قد غضبت هذا الغضب؟ شاب متعلم موظف ابن ناس، أكنت فكرت حين أسلمت نفسي له أنه سيتزوجني، لعل هذا التفكير راودني عن أخيه، أمَّا عنه هو فلم أفكر في الزواج به على الإطلاق. لماذا لم أفكر؟ لست أدري، فما هذا الغضب الذي تولاني؟ ألعلي غاضبة لأنه لم ينبئني، أم لعلي غاضبة لأنه سيكون في أحضان غيري، بعلمي، أم لعلِّي مشفقةً على فايزة، أم تراني غير غاضبة وإنما كنت مأخوذة بالنبأ حين سمعته؟ ماذا أقول له حين ألقاه؟ وماذا تراه يقول هو؟ إنني لا أستطيع عنه غناء، إنه الرجل الوحيد الذي عرفته، فكيف أغنى عنه؟ سأقبل عذره، أي عذر يلقيه.
ولكن أترى ألقاه كما عوَّدته في بهجة أم أصطنع الغضب؟ لأترك هذا إلى ما تمليه عليَّ نفسي عند اللقاء. وإلامَ يدوم بي هذا الحال؟ ألا من نهاية؟ لقد ضمنت الآن على أية حال أنني سألازم فايزة حتى بعد زواجها، وأين أجد زوجًا مثل يسري؟ ولكن ماذا بعد؟ إنني أكبر مع الأيام وأخشاها، إنها رفيق غادر هذه الأيام، فماذا تخبئ لي؟ لو أن أخي بذل بعض الاهتمام بي، ولكن كيف؟ لقد قطعت رحلته ما كان بيننا من صلة هينة وازداد التباعد بيننا حين استقل ببيته وتركني في هذا البيت، أمَا كنت خليقة أن ألقى واحدًا من زملائه في بيته فيطلبني؟ ولكن أأستطيع اليوم الوصول إلى زواج كهذا، وكيف؟ ألا يجدر بي أن أبحث هذا الأمر مع يسري؟ نعم، لا بد من ذلك، مبلغ يسير من المال أعود فتاة كما كنت، فإني أعرف الحاجة توحة، وهي ما زالت تقوم بهذه العمليات، سيستطيع بعد زواجه أن يدبر لي ما أريد، لا شك أنه سيستطيع.
بلغت دولت بيت أخيها وفتح لها عم إدريس الباب، وما هي إلا هنيهة حتى كان عم إدريس في طريقه إلى مقهاه وفي جيبه خمسة وعشرون قرشًا.
ولم يتأخر يسري ووجد الباب مفتوحًا، فدخل ووجدها جالسة في البهو على الأريكة التي شهدت أول الصلة بينهما. وكانت لا تزال تدير في رأسها هذه الأفكار عن مستقبلها وماضيها، وقد غشَّت وجهها سحابة من الحزن، لاقاها هو بابتسامة عريضة: لا، لا، لا أطيق هذا الوجوم، إنه لا يتفق وهذا الجمال.
ولم تستقبل الدعابة إلا بنظرة غير مبالية وهي تقول: أكنت تنتظر الزغاريد؟
وكان مدركًا ما بها فقال: أنت غاضبة؟
– ذكي، عرفتها وحدك.
– ما لك؟
– ولد، ألا تعرف ما لي؟
– لا والله.
– يسري، أتراني ساذجة؟
– العفو، من قال ذا؟
– أنت، ألا تعرف ما لي؟
– أفهميني.
– يسري، حط مخك في رأسك، ألا تعرف إلى من تتكلم؟
– ألأنني خطبت فايزة؟
– ها أنت ذا تعرف.
فقال يسري وابتسامة تعلو شفتيه: وماذا يغضبك في هذا؟
– ألا تعرف؟ ألا تعرف ماذا يغضبني في هذا؟
– اسمعي يا عبيطة، إنني حين أتزوج فايزة سأكون معك دائمًا.
– وماذا كسبت أنا؟
– غدًا تعرفين ماذا كسبت، هل أنت مجنونة؟ ألا تدرين الفوائد التي نجنيها من هذا الزواج؟ لقد طلبتك اليوم لتقنعيها بالزواج إن كانت غير راغبة.
– وأنا يا يسري.
– أنت في عيني، ألا تعرفين مكانتك عندي؟
فقالت ساخرة: أعرفها تمامًا.
– لا والله، أنت لا تعرفين شيئًا، غدًا تعرفين، المهم الآن أن تقنعيها.
وصمتت دولت. لم تنبئه أن فايزة قد قبلت الزواج مرغمة. فقد أرادت أن تنتهز الفرصة لتظهر له أنها صاحبة الفضل في هذا الزواج عسى أن ينفعها هذا في أيامها القادمة. ولم يتركها يسري لصمتها، بل قال: هيه! ماذا قلت؟
– وماذا عساي أقول؟
– هل سأل الباشا فايزة عن رأيها في الزواج؟
– نعم.
– وماذا قالت؟
– لم تقل شيئًا.
– كيف؟
– تركته وخرجت إلى حجرتها، وقد ظلت تبكي طول يومها أمس.
– أهي التي أخبرتك بالخطبة، أم كنت معها حين أخبرها أبوها؟
– هي التي أخبرتني.
– ولماذا تبكي؟
– ألا تعرف؟!
– ألا تريد الزواج؟
– إنها تعتقد أنك تريدها لمالها.
– وماذا قلت لها؟
– وماذا كنت تريدني أن أقول؟!
– ماذا قلت؟
– أنا أعرف أنها ساذجة وضعيفة.
– إذن فقد وافقت على زواجها بي.
– أنت والله لا تستأهل هذا العطف مني.
– أبقاك الله لي.
– أبعد يدك.
– أنت أعظم إنسانة في العالم، غدًا ترين كيف أعوضك عن هذا.
– كلام!
– غدًا ترين.