فَتَاةٌ مِن أَسْمَرا
جَربتْهُ، ويُظَنُّ أنها كانت أول من حاول معه، زينب إدريسيت القادمة من القَرْقَف، صبية صغيرة معجبة بنفسها عاشت في أسمرا ما لا يَقِل عن سبع سنوات، عرفت فيها حياة الحُرِّية، والرفاهية، ونظافة الجسد، والمكان، والروح، هربت من الخدمة الوطنية الإلزامية في بلدها، أقامت بالقرقف أسبوعًا كاملًا إلى أن أرشدها بعض فاعلي الخير إلى الحِلَّةِ، ثم اقتِيدَت إلى بيتِ الأم، وعند الباب قابلت وَد أَمُّونة، ولم تخفِ إعجابها به حين أعلنت وهي في دهشتها الأولى: هنا برضو في رجال حلوين ونضاف بالشكل دا!
قلن لها: بالتأكيد.
ولم يفصحن أكثر، حيث احتفظن لأنفسهن بإجابات أخرى كثيرة، لكن بعضهن سألن بعضهن في صمت: لماذا بالفعل لم نفكر في وَد أَمُّونة كرجل؟ لقد ظل عالقًا في أذهانهن كصديق، كأخ، أو كخادم طَيِّع، وربما في بعض الأحيان: كعَرَّاب. شرحت لها أَدِّي وضعية وَد أَمُّونة في البيت، وأن بإمكانها الاستعانة به في كل شيء، وأن عليها أن تعامله برفق، ولا تثقل عليه.
– هنا نحن كلنا نعامله كدا.
تَمَّ تصنيفها كفتاة سرير جيدة؛ لذا حُدِّدَتْ لها شروط الوظيفة، وأخلاقياتها، وقيمها، كان لها طلبان؛ الأول: ألا تفعل شيئًا مع أيٍّ كان إلَّا بعازل جنسي، وعَرَّفَتْه بالاسم «كوندوم»، الثاني: هو أن لها الحق في أن تقبل الزبون، أو ترفضه، ولا يجب أن يجبرها أحد.
– حسب مزاجي أقبله، أو أقول لا.
ثم أضافت عبارة جعلت أَدِّي تضعها في مصاف المحترفات، عبارة كشفتْ كذبتها المركزية، بأنها ما قَدمِت إلَّا هروبًا من الخدمة الوطنية الإلزامية، حيث قالت وهي تلوي فمها يُمنة ويُسرة في مزاجية عجيبة: السُّمْعَة الطيبة المعروفة بها أَدِّي، خلتني ما أناقش مسألة القُروش؛ نصيبها كم، ونصيبي كم؟ ولأن أَدِّي في حاجة إلى دماء جديدة، وافقت على كل الشروط، وكُلِّفَ وَد أَمُّونة بالذهاب إلى سُوق الكِترة، وشراء كرتونة كبيرة من العازل الجنسي اﻟ «كوندوم» بالمواصفات التي قدمتها زينب إدريسيت، مرفقة باسم الشركة، وسنة الصُّنع، زودته بعَيِّنة للمقارنة حتى لا يخدعوه بعينة قديمة انتهت صلاحيتها، وبقيت محتفظة في حقيبتها بكمية كبيرة من أجود الأنواع، قالت لها أَدِّي: وَد أَمُّونة اعتبريه أخوك.
واعتبرت أَدِّي أنها قلَّدَتْ زينب تميمة تحمي بها وَد أَمُّونة من أي نوايا سريرية قد تفكر فيها، فقد نُقِلَ لأَدِّي تعليق زينب، بعد تكييفه محليًّا، بتفاسيره، وحواشيه الملحقة، لم تُعلِّق زينب بت أسمرا، هزَّت رأسها إيجابًا وابتسمت، فيما بعد قالت زينب لوَد أَمُّونة: أنت أجمل راجل في الحِلَّة دي كلها.
قال خجلًا حيث إنه أول مرة في حياته يَسمع تعليقًا واضحًا عن نفسه وصريحًا: معقول؟
قالت وقد صارت أكثر صراحة ووضوحًا: كلهم عفنين، ووسخانين، وريحتهم ترمي الصقر من السما، الرجال في أسمرا يشبهون الملايكة، أنت مفروض تعيش في أسمرا، تشتغل بارستا في أي بار، أو فندق هناك، تكسب دهب عديل.
ثم أخبرته عن المكانة الكبيرة التي كانت تشغلها في أسمرا، وكيف أنها كانت نجمة عالية في سماء المدينة، سمعتها تطبق الآفاق، لولا التجنيد الإجباري: آه، آه، أنا ما بحب الحرب، ولا الموت، ولا بحب أشوف الدم، أخبرها عن رجال مختلفين ومثقفين جاءوا من الخرطوم، مدني، القضارف، كسلا، وبورتسودان، الأبيض، يعملون في البنك وشركة الاتصالات، طُلمبة البترول، الأمن، الشرطة، سُوق المحاصيل وفي المحلية أيضًا، هنالك ضباط جيش وبعض الجلابة أصحاب المشاريع الكبيرة وأولادهم أيضًا، شرح لها أنَّ الحِلَّة بالنهار ليست الحِلَّة بالليل، وأنَّ معظم من ذكر يأتون للعشاء الفاخر في منزل أَدِّي ليلًا، وبعضهم يأتي لتناول وجبة الإفطار، حتى معلمو الثانوية العُليا، وأكد لها أنه وأَدِّي سوف يُخَصِّصَانِهَا للرجال من الطبقات العُليا وليس الجنقو، أشارت له بأنها تحس أنَّ بينه وأَدِّي شيئًا غريبًا، فحلف لها بربه أنَّ ذلك لم يكن، وأنَّ أَدِّي لا تمثل له سوى صاحبة المنزل، فالمهنه تقتضي ألَّا تخترق حدود الأم، ولما اطمأنت: راودته عن نفسه، حَسنًا سوف يقضي آخر طلبات أَدِّي ويعود إليها، ولكنها فقط عندما طلعت شمس اليوم التالي، تأكد لها بما لا يدع مجالًا للشك أنه لن يعود، نامت!