صورته
كان الرافعي رجلًا كبعض مَن ترى من الناس، فلم يكن الناظر حين ينظر إليه ليلمح له امتيازًا في الخَلق يدل على نفسه أو عقله أو عبقريته.
بل قد يشك الناظر إلى وجهه في أن يكون وراء هذه السحنة وهذه الملامح نبوغ أو عبقرية أو فكر سامٍ!
وجه ممسوح مستطيل، أقرب إلى بياض أهل الشام منه إلى سمرة أهل مصر، في وجنتيه احمرار دائم قد ترى مثله في شفتيه، وله عينان كأنما ينظر بهما إلى نفسه لا إلى الناس، فما ترى لهما بريقًا في عينيك، ولا تسمع لهما همسًا في نفسك، وجبهة عريضة تبدأ فوق الحاجبين غائرة نوعًا ما، ثم تبرز مقوسة قليلًا إذا اقتربتْ من فروة الرأس، وأذنان فيهما كبرٌ ما، ولكنهما لا تؤديان عملًا ولا تنقلان إليه معنًى، ومن ذلك كان قليل التلفت في مجلسه، وأنف طويل مستدق من أعلاه منتفخ من أسفله، وكأنما صنعتْ له شفتاه ابتسامته الدائمة، فلا ترى فمه مغلقًا إلا رأيته كأنما يحاول أن يحبس ابتسامة هاربة، وتحمل شفته شاربًا كثيفًا أشمط، تحيفته الأيام من أطرافه فتصاغر طرفاه بعد استعلاء وكبر …
وصوت عالٍ رفيع النبرات ليس له لون ولا معنى، تسمعه على أي أحواله كما تسمع صراخ الطفل، له عذوبته وتطربيه، ونغمةُ الحزن ونغمة الفرح عنده سواء!
وقامة رياضية متناسبة بريئة من الفضول، لا يشينها طول ولا قصر، ولا سمن ولا نحافة.
وكان أشمط خفيف شعر الرأس، حليق اللحية، دقيق الحاجبين، عريض المنكبين، غليظ العنق، قوي الكف والساعد؛ مما كان يُعالج من تمرينات الرياضة.
تلقاه في الطريق في يده عصًا لا يعتمد عليها، ولكنه يهزها في يمينه إلى أمام ووراء، ويتأبَّط بيسراه عديدًا من الصحف والمجلات والكتب، ماشيًا على حيد الطريق لا يميل، واسع الخطو لا يتمهل، ناظرًا إلى الأمام لا يتلفت إلا حين يهم باجتياز الطريق.
تلك صفاته الجسمية التي واراها التراب كما لا تزال في ذاكرتي، أما صورته العقلية، أما حياته، أما أيامه على هذه الأرض منذ كان إلى أن زال، فذلك ما سأجلوه في الفصول التالية إن شاء الله.