حرف الهاء
هنُّومة حسين قابيل
صُغرى بنات سميرة وحسين قابيل، وُلِدت ونشأت في بيت ابن خلدون، على طراز أُمِّها في الجمال؛ طويلة القامة، رشيقة القد، حادَّة الذكاء، شديدةً في التمسُّك بالأخلاق والمبادئ، وشديدة الشَّبَه في ذلك بأخيها الأصغر سليم، وتفوَّقت في الدراسة والتحقت بالآداب قسم اللغة الفرنسية. وقد تحمَّست لثورة يوليو باعتبارها ثورة إصلاح وأخلاق، ولكنها انقلبت عليها مُذ حُكِم علي سليم بالسجن، ولم تتردَّد في اتهام حكيم بالخطأ في مُوالاته لها. وقد تخرَّجت في الكلية، والتحقت بالإذاعة لتفوُّقِها من ناحيةٍ وبفضل توصيات حكيم من ناحيةٍ أخرى، وأراد عقل ابن خالتها صدرية أن يتزوَّج منها ولكنها رفضته لطولها وقِصَره، وقالت لأُمها: سيكون منظرنا مُضحكًا إذا سِرْنا معًا في الطريق.
ووافقت على الزواج من نادر، لمركزه، ووسامته، وحُسن ظنِّها بأخلاقه، وعاشت معه عمرًا في شقةٍ أنيقة بشارع حسن صبري بالزمالك وأنجبت له سميرة وراضية وصفاء، ولمَّا تكشَّف لها انحرافه ثارت ثورةً عنيفة لم يتوقَّعها الرجل من شريكة حياة. وقالت له بصراحتها الحادة: إني أرفض الاستمرار في مُعاشرة رجلٍ تبيَّن لي انحرافه.
وكانت سميرة تكره فكرة الطلاق وحاولت أن تُقنعها بأنها ليست مسئولةً عنه، وأنها يجب أن تَزِن عواقب تصميمها على بناتها، ولكن قالت لأُمِّها: لقد سقط في نظري، ولا حيلة لي في ذلك.
وانتهى الخلاف بالطلاق، واحتفظت ببناتها معها في شقةِ الزمالك، وراحت تربيهنَّ على مِثالها، ولم تأسف قطُّ على القرار الصارم الذي اتَّخذته. ومضت الأيام وآن للبنات أن تتزوَّج، وكان الزواج قد أصبح مشكلةً غير قابلة للحل؛ لارتفاع تكاليفه وصعوبة الفوز بشقة، ولكن نادر ذلَّل كافة الصعوبات، فابتاع شقةً لكلِّ بنتٍ وجهزهنَّ على المستوى اللائق به. وقالت هنومة تُعزي نفسها: إنه أبوهنَّ والمسئول عنهنَّ.
ولكنها لم تستطع أن تغفل عن الحقيقة المرة، وهي أنه لولا ماله الحرام ما تيسَّر لبنتٍ منهنَّ أن تستقرَّ في بيت الزوجية. وتساءلت في أسًى عميق: هل أصبحت الحياة الشريفة مُستحيلةً حقًّا؟!