حرف الخاء
خليل صبري المقلد
بِكريُّ زينة صُغرى بنات سرور أفندي، وُلِد ونشأ في مسكن الأسرة في بين الجناين، في مستوًى متوسط حسَن، بفضل ارتفاع مُرتب أبيه النسبي، يُعتبر أفضل من مستوى جدِّه الذي تُوفي قبل زواج أمِّه من أبيه، وكان أشبهَ الأحفاد بخاله لبيب، فائق الجمال الموروث عن جدَّته ست زينب وأُمِّه أيضًا زينة التي خُصَّت بجمالٍ لا بأس به وإن يكن دون شقيقتَيها جميلة وبهيجة. وكانت زينة تُفارق بين وجهه ووجه شقيقته الصغرى أميرة بحسرة، فقد اقتبست البنت من أُمها أنفًا أفسد صفحة وجهها الحسَن ولبَّد سماء مُستقبلها الأنثوي بالمخاوف، غير أنها سرعان ما خطفها الموت عقب نزلةٍ معوية حادة. وأبدى خليل نجابةً في حياته المدرسية، وتشرَّب بحماسٍ جيل الثورة الناصرية، غير أنه تلقى تجربةً عاطفية استثنائية في ختام مرحلته الثانوية، إذ نشأت علاقة بينه وبين جارةٍ أرملة جاوزت الثلاثين من عمرها تُدعى خيرية المهدي كانت تكبُره خمسة عشر عامًا.
وذات مساء قالت زينة لزوجها صبري المقلد: خيرية المهدي أغوت ابنك المُحترم!
وبُهت صبري أول الأمر، لم يكن مُتزمتًا، وكان أبًا ودودًا متفاهمًا لأقصى درجة، وقد كان في شبابه عربيدًا حتى انضبط بالزواج بمعجزة. وبقدْر ما أزعجَه الخبر بقدْر ما أثار تِيهه، وراقب الولد حتى تأكَّد له تردُّده على بيت الأرملة، وقالت له زينة: إنك لا تتحرَّك.
فسألها: هل تؤمنين بجدوى النصيحة؟
فقالت بقلق: إنها في سنِّ أُمِّه.
– سرعان ما يشبع ويذهب.
فقالت معترفة: من ناحيتي لن أسكت، فهل تتصوَّر أنهما يُفكران في الزواج؟
وضحك الرجل غير مُتمالك نفسه وهتف: العبيط!
وراح يتحرَّى حتى عرف أشياء. وقال لزينة: المرأة غنية.
ولمست منه ترحيبًا فاستنجدت بأخيها لبيب، وكانت حياته العامَّة والخاصة لا تسمح له بتقبُّل المزيد من المشكلات، وفي الوقت نفسه لم يستطع أن يتجاهل حيرة شقيقته الصغرى، فزار بين الجناين مُتفضلًا، وجمع بين الابن ووالدَيه، وعرض الموضوع صراحة، ولم تسفر المناقشة عن نتيجةٍ ترضي زينة، وقال خليل: لن يحول شيء بيني وبين الاستمرار في الدراسة.
فقال لبيب حاسمًا الموضوع ومُخاطبًا زينة: احمدي ربنا، العروس عمرها كبير ولكن مالها وفير.
وأرادت زينة أن تؤجل الزواج حتى ينتهي خليل من دراسة الحقوق، ولكن العروس كانت أحرص على حظها من ذلك، ولم يتأخَّر الزواج إلا ريثما تُجدِّد المرأة بيتها وتؤثثه، وتزوَّجت من خليل، ولمَّا حصل على الليسانس في عام ١٩٦٥ كان قد أنجب بِكرِيَّهُ عثمان وتعيَّن في قضايا الحكومة، وقدَّر كثيرون أن الزواج مقضيٌّ عليه بالفشل في سنٍّ مُعينة، ولكن خيرية فارقت الحياة في الخمسين وهي تُجري جراحةً في الكلوة، ولم تنجب سوى عثمان، ولم يُفكر خليل في الزواج مرة أخرى.