الرسالة الأولى
مضى زمان والمرأة منا — نحن الشرقيات — مغلق أمامها باب السعادة، لا تعرف نفسها إلا آله بيد الرجل يُسيِّرها أنَّى سار، ويديرها كيف شاء، ويشدد عليها النكير بأغلاظ الحجاب، وسد أبواب التعليم، وعدم الخروج من المنزل، وبحرمانها من حضور المحافل النسائية العامة، إلى حد أنه كان يخيل لها أن تلك الأفعال من الموبقات، لو اتبعتها لخلت بنظام شرفها وناموس صيانتها، وحجة الأزواج في ذلك أنها لو علمت المرأة كنه الهيئة الاجتماعية وأحوال طبقات الناس، فإنها تصير على زعمهم غير راضية بعيشها كارهة لحكم زوجها الجائر؛ فيوجهها العلم والتعلم إلى أن تشق عصا الطاعة، وتخرج من ربقة العبودية إلى ميدان الحرية، هذا إذا كانت المرأة فقيرة والرجل غنيًّا.
وأما إذا كان الرجل فقيرًا والمرأة غنية، فإن زوجها يتمكن من أن يُمضيَ عليها أوامره المار ذكرها بدعوى أنه يحبها الحب المفرط، وأنه لا يقدر على مقاومة الغَيرة الناشئة عن هذا الحب الذي يحكم عليه بإمضاء ذلك الحكم، فتُضطَر المرأة إلى الإذعان لسماع أوامره؛ فتعيش تحت طيِّ الخمول مطروحة زوايا الغفلة؛ ولهذا السبب ترى القليل من أولادنا من يتصف بالنجابة والنباهة، وأما الآن فقد انقشعت تلك الحجب الكثيفة والحمد لله، وسطعت أشعة شمس الشرق من ورائها، وعاد عصرنا للتقدم والإصلاح، وانبثت في عرصاته أنوار المعارف والنجاح، وقد شُيِّدت المدارس والندوات، وأُذن لنا بتعلُّم العلوم واكتساب الآداب والفنون، فعلينا الآن أن نشمر عن ساعد الجد، ونجتهد في تحصيل سعادتنا، وحيث لا تتم سعادة المرأة إلا إذا اتصفت بصفات تمدح بها وتشعر بكمالها، كالأخلاق الحميدة المهذبة ولين العريكة والعفة والذكاء والرصانة والآداب، والخبرة بفن تدبير المنزل وحسن السلوك والاقتصاد في معيشتها وحسن تربية أولادها، إلى غير ذلك من الصفات التي لا يتم شأن المرأة بدونها، فإذا اتصفت المرأة بهذه الصفات حسن ذكرها عند العموم وكثُر مادحوها، وزاد اعتبارها بين بني جلدتها وذويها؛ فتشعر حينئذٍ بلذة الحياة وحلاوة العيش، وهذه هي السعادة الحقيقة لا كنز المال والحرص على الدرهم والدينار كما كان يزعم البعض.
قال بعضهم: إن السعادة هي الكمال العقلي الذي نيط به الثواب والعقاب والتكليف، ومن هنا نعلم أن هذا هو السعادة المقررة؛ ولذلك نرى كل أمة من الأمم إنما تُمدح بأتمِّها عقلًا، حتى إنها تتغالى فيه بحسب درجته؛ فمنهم من جعله إلهًا كاليونان في بادئ أمرهم، ومنهم من جعله نبيًّا، ومنهم من جعله وليًّا، ومنهم من جعله عالمًا فيلسوفًا ونبيهًا وذكيًّا وفاضلًا، فمنشأ هذه المراتب المتفق عليها وجرثومة هذه الدرجات هو العقل، الذي بكماله يتم للإنسان ما أراد به ويسود على من هو دونه؛ فالسعادة الحقيقة هي انقياد البهيمية للنفس الناطقة، وانقياد الهوى للعقل، فعلى هذا يكون طريق السعادة إنما هو التخلق بالفضائل واجتناب الرذائل، والترشح للكمالات القدسية والتطهر من رجس الأعمال الدنيوية الحاصل للطبع، فلنجهد النفس لاستحصال هذه الخصال لندرك بها السعادة، ونتحصل على استحقاقنا بأن نغدوَ أهلًا لأن نشيد دعائم أساس النوع الإنساني كما هو مطلوب منا — معشر النساء — أمام الهيئة الاجتماعية على أني أقدم معذرتي لحضرات القراء الكرام؛ حيث إني تطفلت على نادٍ لست من أخدانه، وجاريت في ميدان لست من فرسانه.