الرسالة السادسة عشرة
وقالت حضرتها في رسالة أرسلتها إلى مجلة الفتى اقترحت فيها على علماء العربية، ودرجت في العدد الثاني الصادر بتاريخ ١٠ صفر سنة ١٣١٠، ودرجت أيضًا في النيل في العدد ٢٥٧ منه، وبِناءً عليه صنف سعادة فيلسوف العصر حسن بك حسني رسالته المسماة بخط الإشارات.
جاءتنا هذه الرسالة من حضرة الأديبة البارعة والكاتبة الفاضلة السيدة زينب فواز، فنشرناها مع الشكر والثناء:
«قد علم العموم أن لغتنا العربية أشرف وأوسع اللغات وأرقها، وللمتفنن فيها مجال واسع وطرق متعددة، فأية طريق سلكها الكُتَّاب يجدوا منها مسالك واسعة وفيافيَ شاسعة، ولكني أرى الغربيين — مع ضيق مسالكهم وقلة بضاعتهم — قد سبقونا إلى أشياء نحن أحق بها منهم؛ لأن المفازة الواسعة تحتاج إلى أدلة، وإن كانت هذه الأدلة قليلة جدًّا، ولكنها عظيمة الفائدة؛ تجعل للكلام رونقًا لطيفًا، ولا تكلف القارئ إطالة الفكر وإمعان النظر بما يراد باللفظ من المعنى المقصود، فالفرنساويون إذا كتبوا جملة تظهر للقارئ بتشخيصها وإشاراتها الدقيقة، وذلك بوضع علامات تدل معانٍ خفية لا تظهر من تركيب الحروف فقط، كوضعهم الصفرين «:» إشارة للإيضاح وزيادة البيان، والألف والصفر «!» علامة للتعجب أو للانفعال من أمر للاندهاش منه، أو للاشمئزاز أو للنداء، ووضعهم أيضًا هذه العلامة «؟» للاستفهام، والقوسان لجملة إذا حُذفت من الكلام لا تضر بالمعنى.
وأصفار التعليق التي توضع في وسط جملة تكون إما لكون الذي حلت محله مفهومًا بالبداهة، أو لا يليق ذكره فيتبادر الذهن إلى فهمه بدون تكليف، وتوضع أيضًا في آخرها لهذا السبب نفسه مضافًا إليها شيء من التعجب يدعو القارئ إلى الاعتبار والتذكُّر، وغير ذلك من مثل هذه الإشارات العظيمة النفع التي نحن أشد احتياجًا إليها من غيرنا؛ لأن اللغة تحتاج إلى إشارات كهذه لكونها كثيرة المعاني؛ ففي لفظ واحد تجد معانيَ متعددة، وقد تكون للفظ إشارات خفية لا يفهمها القارئ، بل ما ظهر من الحروف المركب منها اللفظ، وأما «المعنى الزائد على ذلك في قلب الشاعر»، وهذا يحتاج إلى بيان، فإذا أراد الكاتب أن يكتب شيئًا يوجب الاشمئزاز مثلًا، ولم يقدح القارئ فيه الفكرة لا يفهم المقصود منه بمجرد المرور على الأسطر، فُلو وضعت له علامة لاكتفى المطالع بها مشقة البحث، وظهر له معنى الجملة من عنوانها، وما هو المقصود منها من الحركات الدقيقة والإشارات الرقيقة. نعم، وإن كانت الجرائد استعملت البعض من هذه العلامات الأجنبية، إلا أنها ليست كافية ولا ذات أهمية؛ إذ قلما يفهم القارئ المقصود منها وما هي الفائدة، فإذا كان ولا بد توضع علامات مخصوصة خلاف النقط والأصفار تتخلل الأسطر، وتدل على الأشياء المشار إليها بعد أن يشرح كلٌّ منهم كيفية استعمالها.
وقد أوجبني هذا الفكر أن أقترح على علمائنا الأفاضل آملة أن يلبوا دعوتي، ويعتنوا بهذا الأمر القليل التعب العظيم الفائدة، ولهم خالص الشكر الدائم منِّي ومن كل ناطق بالضاد.
«الفتى» يشارك حضرة الأديبة بهذا الاقتراح المفيد، ويؤَمِّل أيضًا من علمائنا أن لا يبخسوا هذا الطلب العادل؛ لأننا إذا طالعنا جملة نكون كمن هو في بحر عديم القرار إلا بعد مشقات وأتعاب، يمكن لعلمائنا أن يوفروها عنا بدون عناء، وفي الوقت نفسه نكرر الثناء على حضرة الفاضلة المشار إليها لما أنها لا تألوا جهدًا من البحث عن كل ما يعود على الوطن بالمنافع الأدبية الجمة، وهذه نهضة نذكرها للجنس اللطيف لما أننا نرى فيهن من الحماسة الوطنية والنخوة العربية، والسعي لنيل حقوق، فلله دَرُّ وقت نهضت النساء فيه من خمولها مشجعة بالأنوار الحميدية العباسية.»