الرسالة العشرون
وقالت حضرتها تعيب بعض عادات المصريات، وتبكيتًا لبعض الشبان الخارجين عن دائرة الآداب، وقد أدرجت في العدد ٢٥ من النيل بتاريخ ١٨ ربيع الآخر سنة ١٣١٠: وها هو من المعلوم لكل ذي لب أن كل أمة من الأمم المتمدنة لا يتم تمدنها إلا بنشر القوانين والنظامات الإدارية، وبث روح الأمن بين أفرادها والمحافظة على الأعراض والأنفس والأموال.
وهذه — والحمد لله — حكومتنا السنية ورجالها العظام ساهرون على استتباب راحة الأمة وبث روح الأمن، مجتهدون في قطع جراثيم فساد الأخلاق والمعاملات، متيقظون لكل قضية تعرض عليهم فيجرونها بكل عدالة ويفحصونها بكل دقة وانتباه.
لكن يوجد في مصرنا عادة، وهي لعمر الحق مخلة بالآداب وأي خلل، ومزرية بالشرف والفضيلة أي إزراء، خارجة عن دائرة الإنسانية وأي خروج، وإني لأرى أن الجرائد قد سهت عنها فلم تذكر منها شيئًا مع أنها لم تترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها.
ألا وهي أن العادة المألوفة عند بعض المصريين، ولا أقول الكل، حاشا! بل عند أولئك الذين لم يمر عليهم اسم الأدب، ولا يعرفون ما هي الفضيلة وواجبات الإنسانية، ولا يفهمون إلا ما جُبلت عليه أنفسهم من الدنايا والسعي وراء شهواتهم البهيمية؛ فهم بذلك يطوفون في الأَزِقَّة والشوارع، وحين يرون أي سيدة كانت من السيدات المخدرات تمر يرمونها بكلام تشمئز منه النفوس ويأباه كل ذي ذوق سليم، مثل قولهم: «يا سلام يا سيدي»، «ما فيش كدا أبدًا.» وما أشبه، فإذا كانت السيدة مارة أمام قهوة أو مجتمع وسمعت ذلك، يستولي عليها الخجل حتى تكاد تضطرب من شدة الحجاب والغيظ من تعديات ذلك المتكلم.
وإذا كانت في طريق منفرد عن المجتمعات، يستولي عليها الخوف أنها لا تكاد تجد إلى الأمن سبيلًا.
ولا عجب من هؤلاء المهذبين الذين ختم الله على قلوبهم حتى إنهم لا يعلمون الفرق والتمييز بين السيدات المخدرات الشريفات وبين غيرهن، ولا يقتنعون إذا رأَوْا منهن دقة التحفظ على شرفهن، بل يزيدهم ذلك فجورًا وغرورًا.
ومن الغريب أنهم يتبعونهن إلى حيث يقصدن، ولا يأخذهم في ذلك كسل، ولا يصدهم توانٍ ولا ملل، سواء قَرُب الطريق أو بَعُد، ولا يؤثر فيهم كلام ولا شتم ولا شيء من ذلك، بل مثلهم كمثل الحيوان الضاري لا يريد إلا أن تُرجعه القوة القهارة، وهنَّ لا يقدرن على استعمالها لما رُبِّين عليه من الحشمة والأدب وصيانة الحجاب.
بل هي من خصائص رجال البوليس المنوطين برعاية الأمن العام والآداب المرعية العمومية وحفظ النواميس المحترمة، ولكني أرى من بعض الأفراد عدم الاكتراث بشيء من ذلك في أغلب الأحيان، فلو شدَّد عليهم ضباطهم بالمواظبة على تلك الواجبات، وأصدروا التنبيهات اللازمة على أفراد البوليس المنبثين في أنحاء المدينة، لكان أوقى لنواميس العائلات الشريفة من ذلك التصدي والازدراء؛ إذ إن ذلك كثيرًا ما يتم للكبير والصغير، ويشمل الغني والفقير؛ إذ ما من فرد من أفراد الأمة إلا وله حرم مصون ساهر على حفظه متيقظ للذب عنه بدمه وماله، وهذه عادة لعمر الحق جديرة بأن يُنظر فيها، وتتلفَّت إليها أنظار حضرات الذين من شأنهم المحافظة على الأمن وراحة العموم.