الرسالة الخامسة والثلاثون
وكتبت حضرتها رسالة تستلفت فيها أنظار رجال الأوقاف على إصلاح الوقف الخيري وتوزيعه على فقراء المسلمين، وقد درجت في العدد ٣٠٩ من جريدة النيل الصادرة بتاريخ ٢٩ صفر سنة ١٣١٠، وها هي: قد اطَّلعت في جريدتكم الزاهرة عدد ٢٠٦ على ما ذكرتموه من خصوص الليلة التي يهتم بعملها حضرات أعيان العاصمة العامرة في ظل سمو خديونا الأفخم، وتوزيع ريعها على الفقراء، وما أبديتموه من الرأي في هذا الخصوص، ووضع المصاريف في كل الشوارع والأزقة لجمع الصدقات وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين عن يد لجنة مخصوصة لهذا العمل الخيري، ولَعَمري لَنِعم الرأي ما رأيتموه، ولو تم ذلك لعمَّت فائدته على الفقراء بدون أن تستقل كلفته الأغنياء، وإذا حصل منه في مبدأ الأمر تعب إلا أنها ستحمد عاقبته، ولكنه غير مضمون الدوام أيضًا.
وهاكم رأيًا آخر يستوجب استلفات أولي الأمر؛ وهو أنه يوجد في الأوقاف أوقاف خيرية مختصة بالفقراء والمحتاجين، وهي متروكة لا تُكترث بها، وقد دثر البعض والبعض الآخر منهدم، والبعض الآخر في يد أناس ليسوا من أهله ولكن استولَوْا عليه، وقد أهمل بالكلية، ولولا الإهمال لَمَا وُجد الفقر في قُطرنا السعيد، فلو اهتم رجال الأمر بجمع شتات هذه الأوقاف، ورُتب لها مستخدمون، وجُمعت بقلم مختص بها، وأُقيم المنهدم منها بما يُجمع من محصولات المحلات العامرة، وذلك بأن تُشكَّل لها لجنة لجمع المحصول منها، ويوزَّع منه شيء، ويقام بالباقي ما كان منها يلزم له القيام؛ لكانت في قليل من السنين تقوى محصولاتها، وتستحق أن يُطلق عليها اسم أوقاف خيرية تحت رعاية سمو الحضرة الفخيمة العباسية، ولو أن هذا المشروع يرى أنه صعب الملك إلا أنه بسمو عناية الحضرة الفخيمة الخديوية يتسهل الاستحصال عليه بدون كبير عناء ولا عظيم مشقة. فلو اتُّخذت على الوجه اللائق بها لكان أدوم وأثبت من جمع الصدقات وغيرها، وحبذا لو تم كلٌّ من هذين الأمرين لكان أعظم فائدة، وكان خفف عن كاهل الحكومة أثقال ما تتكبده من المصاريف بخصوص المحتاجين من أمر مستشفيات وغيرها من هذا القبيل، ولدامت هذه الخيرات ما دامت الحياة، وما زالت على مر السنين والدهور مع المثابرة والمداومة على العمل، وعمت فوائدها على كافة فقراء الأمة، وتصير مأثرة مستمرة على الدوام إلى الأبد.