الرسالة الثامنة والثلاثون
زفاف سعيد
في ليلة ١٦ شعبان الجاري احتفل بزفاف حضرة الآنسة المصونة ذات العصمة، وربيبة المجد والشرف وجيدة هانم كريمة محمد مختار بك طبوزادة إلى الشاب النبيه عبد العزيز بك، فتلألأت الدار بالأنوار الساطعة، وازدانت بالثريات اللامعة، واجتمع فيها خلق كثير من نخبة الوجوه والموظفين وذوات الأوروبيين على ما يقر الناظر ويشرح الخاطر.
وقد أظهرت والدة العروس داخل الحرم من البشاشة والمؤانسة ما أطلق ألسنة المدعوَّات بالشكر والثناء، وخصوصًا على المائدة التي كانت زاهية بكمال النظام والإتقان، وكانت المغنيات يطربن جميع الحاضرات، وتخت الآلات يشنف الأسماع من الخارج، وبعد الفراغ من الطعام أتت إحدى الراقصات، وأخذت تتفنن بأساليب الرقص والرشاقة؛ تارة ترفع الكرسي بأسنانها، وطورًا تضيء الشمعدان وتضعه فوق رأسها، وهي كالغزال في تنقيل أقدامها حتى أدهشت العقول من الحاضرات، واستلفتت إليها جميع من حضر من ذوات الخدور وربات الستور.
ولَمَّا كانت الساعة الخامسة تقريبًا زُفت العروس، فأُنيرت الشموع، واصطفت السيدات من الجانبين كأنهن الأقمار يكاد يخطف نورهن الأبصار، وقد تحلين بالماس وأثمن الجواهر، ينعكس عليهن ضوء الشموع، فيزددن نورًا على نور مما يخاله الناظر كأنه نور كهربائي أو شفق من الدراري والبدور، وأوقفن العروس بينهن كأنها الشمس وهن الأقمار، أو كعبة يطوف حولها الزوار، ومشين بها والمغنيات يضربن بالدفوف أمامها إلى أن أتين بها إلى الغرفة المعدة لجلوسها؛ حيث نثرت السيدات أمامها النقود من الذهب والفضة جريًا على العادة، وتمت تلك الليلة الزاهرة على أحسن نظام.
وفي اليوم التالي انتظمت الزينة، واصطفت العربات تتقدمها الموسيقى، وجلست العروس في عربة من عربات العائلة الخديوية، وسارت الزفة بها سيرًا حثيثًا حتى بلغت دار العريس فاستقبلتها الموسيقى العسكرية بالسلام العباسي، ودخلت العروس وإلى جانبها العريس ووالده فأجلساها على الكوشة — المنصة — في الغرفة المعدة لها، وقد كانت مفروشة بالمخمل — القطيفة — الأرجواني المزركش بالفضة من ستائر وكنبات وكراسٍ، وجميعها مصنوعة في الأستانة العليا، والكوشة قائمة على يمين الداخل محلاة أيضًا بالقطيفة المزركشة الأرجوانية، وإلى جانبها طاولتان فوق كلٍّ منهما مرآة كبيرة وما يتبعها من الزينة، وفي قلب الغرفة طاولة كبيرة مزدانة بأبهى زينة، وقد غص فناء الدار والغرف بالمدعوَّات، ثم مُدت موائد الطعام فأكلنا مريئًا، وشربنا هنيئًا، ثم زُفت العروس أيضًا كالليلة الأولى — المعروفة بليلة الحناء — وكان بين المدعوات جملة من سيدات الإفرنج من مستوطنات وسائحات، منهن ابنة أحد اللوردات الإنجليز، وقد علمنا يقينًا أنها سُرَّت كل السرور مما رأت من حسن النظام والترتيب، ولوقوفها على عوائد الشرقيين في الزواج، وأظهرت كل امتنانها مما رأت وسمعت، ولكنها تعجبت لاحتجاب النساء عن الرجال، وقالت بلطف وابتسام: كيف تنتظم الهيئة الاجتماعية في محافلكم ولا اختلاط بين الجنسين — القوي واللطيف — وأنها ما أتت بملابس الرقص إلا لعلمها أن الأفراح لا تخلو من قاعة مخصوصة للرقص، فأفهمناها عن بعض عوائدنا بواسطة الترجمة، وبعد أن اعتذرت عن عدم معرفتها عادة الحجاب؛ إذ لم يكن لها في مصر سوى ستة أيام فقط، طافت بالغرف كلها لتطَّلع على جميع الجهاز، وسار معها ثلاث من أوانس وجهاء مصر يتكلمن بالإنجليزية ليجبنها عما تريد الاستفهام عنه، وأصبحت هي وجميع النساء الأوروبيات على غايةٍ من الامتنان، وشكرن لأهل العروسين حسن ذاك الانتظام، وانتظرن الزفة، وبمرورها تفرجن من النوافذ، وقد ألقى بعض الخطباء خطبة في ساحة الدار الخارجية وختم ذلك بالدعاء للحضرة الخديوية، ثم دخل العروسان بعدئذٍ إلى داخل الحرم، فنُثر عليهما الذهب والفضة أيضًا، وتم الاحتفال على ما يرام، وانصرف المدعوُّون والمدعوات شاكرين داعين للعروسين بالرفاء والبنين. وقد بلغني أن الذي وزعته والدة العروس وجدَّتها على الخدم والأتباع ما يزيد عن الأربعين بدلة، وستين شالًا من الكشمير، وثلاثين قطعة من الحلي، وغير ذلك مما أوجب الشكر والثناء.
الفتاة تشارك حضرة الفاضلة الأديبة زينب فواز هانم المصونة بتهنئة العروسين وأسرتهما الكريمة.