الرسالة السابعة والأربعون
تحرير الرق واسترقاق الأحرار
الأول أنه مضر بالوفاء، فإنهم حيث إنهم يخرجون من عند المالك الذي كان بمنزلة الوالد المتكفل باحتياجات المملوك إناثًا كانوا أو رجالًا، حيث يستوفي أيام خدمته ثم يُعتَق، فإن كان رجلًا اعتنى بأمره مولاه وأولاه ما يناسب حاله إذا كان ذا ميسرة، ومعلوم له أنه لا يُقتنى الرق إلا للثري.
وإن كانت أنثى، واستُرقت في أيام سِنيها الأولى، فإنها لا تمكث في منزل مواليها إلا بقدر ما تمكث البنت في بيت أبويها، ثم ينتخب لها الزوج بقدر ما قدر له عليه يجرى عليها مرتب شهري وما أشبه ذلك.
هذا إذا مضت أيامها مع مواليها في استقامة، وإن كان الأمر على العكس، وأنها تخرج على غير هذه الصفة كالولد العاقِّ لوالديه، فإنهما حُرَّان حتى يحرماه من ميراثهما، وإذا حصل شقاق بينها وبين زوجها رجعت لمواليها، ولو كانت ذات أولاد رباهم لها مواليها كأولادهم بدون أن تحمل لهم أدنى هَمٍّ بخلاف الآن؛ فإن الواحدة منهن إذا تكدرت من أقل كلمة من سيدتها أو من غيرها، فإنها لا تلبث حتى تكون خارج المنزل، حيث تجد لها بابًا مفتوحًا تظنه الجنة، فإذا نُبذت وعضها الفقر بأنيابه عضت بنان الندم، وإذا تزوجت التزمت أن تدخل في بيوت الخدم، وتساعد زوجها، وتربي أولادها، ويسومها الزوج أنواع العذاب حرصًا على أجرتها، وهو آمن من زجر سيدها الذي أَبَقَتْ منه، وكثير ما سمعت من الندم واللوم على سهل ذلك الخروج، فاسترقهن في ميدان الحرية هذا من جهة الأرقاء.
وأما من جهة الأحرار فإن مصيبتهم أعظم؛ إذ إن البيوت جميعها من صغير وكبير كلها في ارتباك من جهة الخدم؛ إذ لكل حِرفة رابطة ونظام يمشون على مقتضاه، وطريق يسلكونه كسائر الحِرف. على بعض المحترفين نمر وعلايم حتى يُعرفوا بها، إذا وقع من أحدهم جناية ينال جزاءه بقوة الضامة التي هو مقيد بها، إلا الخدم الذين عليهم القسم الأعظم من عمار البيوت — إذا لم نقل البلاد — حيث إن الخادم والخادمة بأيديهم كافة أحوال المخدومين وحياتهم، بخلاف الحَمَّار والعربجي؛ فإنه لا يكون تحت يده سوى الشيء الذي لا يقدر على التصرف به، فأما الخادم فيقدر أن يختلس أموال سيده بدون رقيب أو ممانع، وليس له من ضامن يسأل عن فعلته، ولا قانون خصوصًا يعاقَب بموجبه، وكثيرًا من حصلت الجنايات من الجواري والخادمات.
فقد بلغني أن إحدى السيدات استأجرت سودانية، ولم تتم الشهر حتى استأذنت لتحضر الزار فأذنت لها، وذهبت ولم تعد حتى إذا كان عصر ذلك اليوم دخلت غرفة نومها، فوجدت دولاب الملابس مفتوحًا ووجدت مصوغاتها مسروقة، فخافت أن يعلم بذلك زوجها وكتمت الأمر، وبحثت عنها فلم تجد هذه الجارية، فاستحضرت المخدمة فلم تدل عليها، وهذه الحرفة أشد من نساء الزار على الناس؛ لأن الضرر في الأول عام، وفي الثاني خاص.
فإذا طُلب من إحداهن خادمة أحضرتها، ولا تخرج إلا إذا أخذت معلومها، ولا تقنع باليسير أعجبت الخادمة أم لم تعجب، وقبل أن تتم ثلاثة أيام تخرج الخادمة بأي سبب من الأسباب إذ يكون الرباط مع المخدمات، فتأخذها وتذهب بها لمحل آخر، وتأخذ عليها المعلوم وتأتي بغيرها، وتتنصل عنها وتشتمها أمام ربة المنزل، وتغريها بأن تنقدها معلومًا آخر، فتلتزم بأن تنقدها خوفًا أن لا تسعفها إذا احتاجت إليها فيما بعد.
وقد رأيت إحدى السيدات جعلت للمخدمة مرتبًا شهريًّا، ورجتها ألا تأخد الجارية التي تأتيها بها إلا بعد ستة شهور، فأبت وقالت إنها تكسب بها في هذه المدة أكثر من هذا المرتب.
هذا بعض ما سمعت من هذه الأزمات التي تشد وطأتها على الأحرار في كل يوم، فإذا أنعمت الحكومة السنية، وجعلت رابطة لهذه الحِرفة ترتبط بها ليرتاح بها الخادم والمخدوم، فيرفع عن عاتق الأول نبذ المخدومين، ويأمن الثاني من غش الخادمين، فإنها تكون قد أحسنت إلى العموم، واستوجبت الشكر العميم.