الرسالة الثامنة والأربعون
وكتبت حضرتها رسالة بخصوص «الخدامين»، وقد درجت في العدد ٣٩٣ من جريدة النيل الصادرة بتاريخ ٢٣ رجب سنة ١٣١١، وها هي كما قالت: سبق أني استلفتُّ أنظار حكمة رجال حكومتنا السنية إلى مسألة خدمة المنازل، وشكوت من عدم ترتيب أحوال معاملاتهم كسائر الحِرف المنتظمة، والآن أعيد رجائي بلسان أغلب سيدات العاصمة؛ إذ الكثير منهن كلفني بهذه الخدمة المهمة، وهن يشتكين من عدم انتظام أحوال البيوت، ولا يخفى أن تدبير المنازل منوط بهن، وقد اختل النظام المنزلي بسبب عدم ترتيب أحوال الخدمة على أسلوب منتظم، وتسبب عن ذلك كثرة السلب والسرقات من الخادمات، وخصوصًا السودانيات اللواتي كثيرًا ما يقص عليَّ ما أخبارهن الشنيعة التي لو عددتها لضاقت بها جداول النيل، لكنني آتي بالبعض على سبيل التذكار.
أخبرتني إحدى السيدات، قالت إنها كانت لها جارية سودانية بقيت لديها من جَوارٍ كثيرة أُعتقن، وأعتقتها أيضًا وأعطتها ورقة العتق، وخيرتها بين الإقامة في المنزل والخروج منه، ففضلت الإقامة واستأجرت السيدة عدة خادمات أخريات لخدمة دائرتها غير القليلة، فكان من جملة من استأجرتهن خادمة سودانية أقامت في المنزل نحو شهرين، أغرت فيها السودانية الأولى على سرقة بعض حلي مولاتها، وإخراج مالها هي أيضًا من الحلي والملابس بصورة خفية تدريجية بواسطة هذه الدخيلة؛ لأنها كانت اشترطت لنفسها حق الخروج مرتين في الأسبوع، وكانت الجارية الأولى كاملة الحلي على حسب عادة بيوت الأكابر مع الجواري، فلما أتمت النقل، وأحكمت السرقة خرجتا معًا إلى حيث شاءتا، وليس هذا بأعجب من جواري إحدى السيدات ممن لي معهن صحبة تامة، فإن ثلاث جَوارٍ أغرتهن إحدى الداخلات بعد أن رُبين في نعمة مولاتهن وأعتقتهن عن طيب خاطر، فسرقن مائة جنيه من خزنة مولاتهن، وساعة مرصعة بالأحجار الكريمة ذات سلسلة ذهبية، ودبوس ماس، وخمس لبات — عقود — ذهبًا، وحلقين — قرطين — ذهبًا، وبعد أن أخذن ذلك، وأخرجن مالهن من الحلي والملابس سرقن خمسة وعشرين جنيهًا أخرى وفررن، ثم حوكمن في المحكمة الابتدائية فحكمت عليهن بثلاث سنوات، ولكنهن استأنفن الحكم فحكمت محكمة الاستئناف ببراءتهن، وحكمت بالمصاريف على سيدتهن؛ فكان ذلك نصيبها من الدعوى.
هذه وأمثالها بالطبع ليست إلا نتيجة عدم تقرير نظام مخصوص لسير الخدم في المنازل.
وأي أمنية لربات البيوت مع تكرار مثل هذه الأحوال؟! فلذلك نجد أصوات الشكاوى في كل بيت من بيوت العاصمة فضلًا عن باقي البلاد، فبلسان السيدات عمومًا أستنهض معاليَ همم باقي البلاد، فبلسان السيدات عمومًا أستنهض معاليَ همم حضرات أولي الأمر العظام الذين يهمهم — ولا شك — راحة الأمة أن يعيروا هذه المسألة جانب الاهتمام؛ لأنها في حد ذاتها من الأمور المهمة، ولها شطر من أقسام الصالح العام.