الرسالة الخمسون
وكتبت في عدد ٣٩٧ و٣٩٩ من جريدة النيل رسالة تحت عنوان «مخبات الزار»: وقد سبق لي أني نشرت على صفحات النيل الأغر مما اطَّلعت عليه من مخبات الزار والبعض من أحواله، وعلمت الآن أن ما سبق لم يكن شيئًا مذكورًا بالنسبة لِمَا اطَّلعت عليه الآن؛ إذ إن الزار على أربع طرائق، وكل طريقة لها أعمال تختلف عن أعمال الآخر إلا فيما يندر.
وهم مصري، وصعيدي، ومغربي، وسوداني. وكل واحد من هؤلاء الأربعة له مزية، ولما كان في بعض الأيام دعتني إحدى صويحباتي إلى الحضور في الزار، وكنت قد رجوتها جملة مرات، فلبيت طلبها مسرورة، وتوجَّهت معها إلى محل العزومة، ولما صرت داخل المحل وجدت السيدات على أحسن ما يكون من النظام، وهنَّ بالملابس الفاخرة والحلي المنظم من فضة وذهب وحرير وقصب، ووجدت سيدة المنزل جالسة على إحدى المراتب، وعليها ثوب أبيض مصبوغ بالدم، ووجهها مطلي بالدم أيضًا ورأسها ملطخ، وجميع ما عليها كأنها سابلة حلة أرجوانية، فجلست ولم أسلِّم على سيدة المنزل إذ إن العادة أن صاحبة الزار لم يسلِّم عليها أحد ويسمونها العروسة.
وكان هذا الزار صعيديًّا، ومن عادته أن الكودية متى تأكدت المريدة رغبتها في عمل الزار، عيَّنت لها يومين بلياليهما يعملن فيها ما سأذكره للقراء إن شاء الله تعالى.
وهو أنه في اليوم الأول تأتي الكودية وأتباعها، وهن سبعة أنفس، ويُحضرن جميع ما يلزم مثل سكر وبن وصابون وأرز وغير ذلك، ثم تقف الكودية الكبيرة، وتتلو على تلك الأشياء العزيمة المعروفة عندهم، وتطلق البخور، وتستحضر كبشين عظيمين سالمين من كل عيب، وتقدمهما إلى أمام الجميع، وتزين أحدهما بالحلي، وتُكسي قرنيه بالبهرجان الأصفر، وتُلقي عليه قطعة من البرنجك الأحمر، وتمتطيه العروس، وتقف الكودية وأتباعها يعزفن بالمزاهر، ويمشين أمام الكبش والعروس فوقه، حتى إذا دُرْنَ بها جميع غرف المنزل، وهن يزغرطن من خلفها إلى أن يأتين بها إلى المحل الذي أُعد لنحر الكبش، ويسمونها زفة الخروف.
ثم يأتي الرجل الجزار فينحره، وينزل الدم، فتستلقاه في إناء، وتدهن به العروس، وتسقيها منه، ويدخل بها إلى القاعة المُعدة للرقص، وتجلس السيدات، وتنتصب الحضرة ثم تعزف العازفات بالدفوف، وتقوم السيدات الواحدة بعد الأخرى يتمايلن، وعليهن الحلي والحلل الفاخرة، وكلما وقفت واحدة منهن يلقين عليها مُلاءة من الحريرة من اللون الذي تختاره الكودية، ومن حضر عليها العفريت تتقدم إليها إحدى العازفات — وأظنها وكيلة الكودية — وتقول: «يا سيدي اعفو عنها وهي تعمل لك كل ما تطلبه.» ولما سمعت ذلك سألت — وكانت قريبة مني — عن اسم الشيخ الذي عليها، فقالت إنه ليس بشيخ لأن اسم الشيخ بطل يا بنتي، واسمه الآن «رومانود» والست اسمها مرومة، ولما سمعت تأسفت جدًّا على إبطال المشيخة حتى من طائفة العفاريت، ولا قوة إلا بالله، ثم قامت الواحدة بعد الأخرى وأتممن رقصهن … ولمَّا رأيت أن البعض ممن يعلمن عقيدتي في هذا الفن امتنعن عن الرقص احتشامًا وحياءً مني طلبت العربة وودعتهن، وتوجهت إلى منزلي بعدما وعدتهن بالحضور في صباح تلك الليلة، وكانت الساعة الخامسة بعد الغروب.
وفي اليوم الثاني توجَّهت على حسب الوعد فقابلتني بكل تجلة واحترام، وكن قد أحضرن الكبش الثانيَ وألبسنه كاليوم الأول، وجعلت عليه الحلي والبهرجان، وأطلقت البخور، وأركبن العروس، وزففنها على حسب العادة حتى دخلت بها الفرقة التي فيها الحضرة، ودُرْنَ بها حول الصينية المزدانة، وكان الكبش اندهش من كثرة الأصوات، فوقف متحيرًا في أمره لائج العينين ينظر يمينًا وشمالًا يصرخ صراخ المستغيث، ولما رأينه على تلك الحالة هللن وكبرن، والبعض منهن يقول: «شيء لله يا أسيادي، هذه كرامة الأسياد.» والبعض يتبرك به، والبعض يعدها كرامة للسيد الأكبر، وهكذا حتى تمت زفة الخروف، وصار ذبحه، وشربت العروس من الدم كاليوم الأول، وأدخلنها إلى محل الحضرة بالزفة أيضًا، وصار الرقص، وكانت إحدى السيدات واقفة تدعو كل واحدة بنوبتها، وهن يتمايلن كأغصان، وكأنهن في مرسح التشخيص يقلِّدن طائفة من الرومان، وعليهن من الملابس الحريرية المزركشة بالفضة والذهب ما يدهش العقول، وهو من ملايات حرير هندي، وعليهن الشرائط القصب الفضي المحلَّى بالذهب، وعبيان من الحرير الملون، وطرابيش مكسوة بالقصب أيضًا، وترح أي قطع من البرنجك الحريري الرفيع جدًّا منظومة الأطراف بالخيريات الذهب، والفقيرة تضع عليها قروش صاغ محلاة بالذهب أيضًا، والبعض يضع القروش بِيضًا، وفي صدورهن قلائد الذهب والفضة التي هي على رسم الأصابع والكف، وفي أطرافهن الأجراس الرنانة ذات الصوت، وهو على شكل هندسي منتظم؛ لأن في وسط القلادة قطعة كبيرة كرسم الكف بالأصابع، ثم بطرفي السلسلة من الجانبين في تصغير القطع شيئًا فشيئًا إلى أن تصل إلى جهة العنق، وطولها يقارب نصف متر، وأما القلائد الكبيرة فإنها سلسلة من فضة أيضًا، وفيها قطع مسلسلة الشكل، وكل قطعة تزيد عن الأخرى أيضًا كالقلادة الأولى، ولكنها أطول منها؛ لأنهن يلبسنها ثم يُخرجن يدهن اليمنى فتصير القلادة في الجانب الأيمن.
وأما الكمر — الحزام — فإنه من فضة، وكله أجراس حتى إذا رقصن يكون له صوت، والمعاضد وهي مختلفة الأشكال في الصنعة، فمنها المبروم، ومنها العريض، ومنها المقطع كل قطعة مشبوكة بحلقة من فضة وشكلها مربع الأركان، والخلاخل وهي مختلفة الأشكال أيضًا، وأما الحلقان — جمع قرط — فإنها من الذهب على اختلاف الأجناس، ويعلقن على رءوسهن شيئًا يُسمِّينه الحجاب، وهو من الذهب الخالص، وهو قدر الكف مربع الشكل، ومنهم من يصنعه كنصف دائرة، وفي طرفيه طرفا سلسلة من ذهب، وفي وسط السلسلة مشبك معوج يشبكنها به على رءوسهن.
وأما الخواتم وباقي الحلي فقد كان سبق لي أن تكلمت عنها في بعض أعداد جريدة النيل، والحاصل فإنهن وقفن للرقص، وصارت كلٌّ منهن تلبس ما أعدت للأسياد كلٍّ على قدر مقامه، للرجل لباس الرجال، وللنساء لباس النساء أيضًا؛ لأن الزار الصعيدي عفاريته في غاية الأدب، حيث إنه وقت الرقص ينزل السيد، وبعد خروجه تدخل الست في جسم المريدة، وإن كان لهم أولاد يدخلون بعد أمهم، وأما العبيد والجواري فإنهم يحضرون على حدتهم في آخر الرقص، وسنأتي على ذكرهم إن شاء الله تعالى.
وهكذا دامت الحضرة إلى وقت الظهر، وإذ ذاك وقفت العازفات عن الضرب، ووقفت السيدات عن الرقص.
وحينئذٍ قامت الكودية الكبيرة، وصارت تكبس كلًّا من الرقصات، وتتلو عليها عزيمة على قدر رتبتها في الزار … ثم تهيأن لإخراج الاسم على الكيفية الآتية:
وهو أن الكودية طلبت أن يؤتَى لها بلحاف جديد لم يكن استُعمل، فأحضرت لها فأمرت أن يفرشنه في وسط الغرفة، وأجلست على أطرافه أربعًا من السيدات اللواتي عملن الزار الخصوصي، وذبحن له، وأخرجن الاسم أيضًا، ويقال لهن «مضيفات»؛ أي عملن وليمة للزار، وقامت الكودية وأجلست العروس، ووضعت ما بقي من الشمع العسلي الكبير والصغير في حجرها، ووضعت الصحن النحاس الذي فيه المصاغ فوق ذلك الشمع الذي هو من فضلات الاحتراق، والأعقاب التي جمعت حتى صار يوازي صدرها، وإلى جانبيها جملة من رءوس السكر، وجملة أوراق فيها بن، وجملة دست شمع من الشمع العادي، وما ينوف عن العشرة أرطال صابون، وجعلت الكل في غاية الترتيب وأحسن نظام، ثم قامت الكودية وأسبغت الوضوء، وكل ما عليها من الملابس ملطَّخ بالدم، وبعد إتمام الفريضة تقدَّمت إلى فوق اللحاف المبسوط أمام العروس، وجلست لتصليَ ركعتين، ولكن لم أرَها صلَّت فظننت أن الأسياد حجبوها عنا وقت الصلاة.
ثم طرحت عليها مُلاءة من الحرير الهندي، وسجدت في الأرض، وفردن فوقها مُلاءة من قطن، ومسكت كلٌّ من الأربع سيدات طرف المُلاءة، وصارت تزحف على صدرها، وتنفخ بصوت تقشعر منه الجلود، وتارة تغط كغطيط النائم، وتارة تتكلم بكلام لا يفهمه، ولكن قبل أن تبتدئ بالعمل قامت إحدى تلميذاتها وصرخت بصوت عالٍ جهوري قائلة: «يا ستات، لا أحد يدخل بشبشب أو حذاء، ولا مصاغ له صوت، ولا تتكلم بشيء فإن الأسياد يغضبون، والتي تفعل ذلك فلا تلُمْ إلا نفسها.» فسكت الجميع أو كأنهن أعجاز نخل خاوية، ثم ما زالت الكودية تلف على ذلك اللحاف حتى أتمت سبع مرات، وبعد ذلك قامت جالسة ورفعها رأسها، وكشفت الملاية عنه، وكانت متلثمة بطرحة من الشاش الأبيض، ووجهها لا يظهر منه سوى أنفها، وعينيها التي لا يكاد الناظر إليهما أن يعلم محلهما إلا بالجهد، وصارت تلتفت يمينًا وشمالًا، والدم يدفق من فمها، وهي تُخرجه بغاية التصنُّع ثم تنظر إلى الجهة التي نحن فيها، وتهدر كالجمل الهائم.
وكانت سمعت أنني لا أعتقد بأحوال الزار، فأرادت أولًا أن تُريَني الدم الذي وضعتْه في فمها بواسطة السفنجة؛ لأجل أني إذا رأيت هذه الكرامة آمنت بسماحة رومانود، وثانيًا لأجل أن ترغِّبني فلا أتجاسر على تكذيبها في شيءٍّ مما أرى، وتقدَّمت إحدى السيدات من أتباعها، وجعلت تقبِّل يديها وتقول: «العفو يا سيدي ليس هنا أحد غريب، وكل من في الحضرة منا وإلينا، فيصرخ حضرة الأستاذ رومانود، وينظر إلى السيدة التي كانت السبب في حضوري كأنه يتهددها، وهو لا ينطق بكلمة، وتلك تُبدي له الأعذار بأن لا يخاف من الفضيحة، وتكلمت بصوت منخفض أنها ستطلب إليَّ أن لا أبيح بالسر، كل ذلك والتلميذة تتوقع على أقدامها بقولها عفوك يا سيدي لطفك يا سيدي، أهل السماح عاشوا ملاح، العفو من شيم الكرام. وهكذا مثل الأقوال المدهونة؛ كل ذلك وأنا أنظر إليهن بعين الانتقاد، ثم إني تقدَّمت إلى نحوها، وقلت كن مطمئن يا حضرة الأستاذ فلا تخَفْ، فإن حضوري لأجل البركة فقط. فقلت ذلك خوفًا من أن يتكتم عني شيء من أسراره، ولَمَّا سمع مني ذلك انشرح، ونطق وسكن الهيجان، فأخذته التلميذة على صدرها، وقالت: «العاشق للنبي يصلي عليه، زغرطوا يا ستات، زغرطوا يا ستات.» فأطلقن الزغاريط، وبعد برهة وهي تمسح الدم الخارج من فمها، وهو ظاهر أنه دم قديم متجمد كقطع الكبدة.
سألتها التلميذة قائلة: «يا سيدي الاسم إيه.» قالت الكودية بلسان متلعثم كلغة الأجانب الذين لا يحسنون اللغة العربية: «الاسم ممه.» قالت: وما اسم الست يا سيدي؟ قال: «مستغيثة.» قالت: والعبد والجارية؟ قال: «ندى، وطياب.» أي: الجارية ندى، والعبد طياب.
فأطلقت الزغاريط، وكانت إحدى السيدات جالسة، فقالت للعروس: إني كنت أعجب من محبتي لك، وما كنت أعلم أن اللذين عليَّ عليك. فنظرت إليها وقلت كيف ذلك؟ وهل يصح أن يكون الواحد من الأسياد اثنتين من النساء؟ قالت: نعم، إن ممه ومستغيثة عليَّ أنا، وأما العبد والجارية فإنهما غير ندى وطياب. قلت: بالطبع لا بد أن يكون الخدم أكثر لأن كل منزل يلزم له خدم غير الذي في المنزل الآخر. قالت: يا حبيبتي ربنا يوعدك في مكة المكرمة لما كنا نطوف حول الكعبة «شيء لله يا كعبة ربنا.» يوقفوا الأغوات ينادوا اصبروا يا زوار بيت الله حتى تزور الأرياح، فكنا نراهم وحياتك يا ستي مثل الخيال، كأنهم في ناموسية من الشاش الرفيع (فقلت في سري: لا أعز الله لك قسمًا يا ملعونة) يطوفون حول الكعبة عقبالك يا حبيبتي.
ثم إنها سألتها وقالت: وما الملبوس يا سيدي؟ قال: أصفر وأزرق. قالت: والخروج في أي يوم من أيام الأسبوع؟ قال: لا تخرج يوم الخميس، ولا تلبس السواد، وإن خرجت أذبحتها. أي: أذبحها. قالت: ذلك بكلام معجم، وصوت مصنوع مثل قولها «اسمعتوا.» أي: سمعتِ و«اشودو.» أي: أسود، وغير ذلك من الكلام الملفق. ولما أنها ضجرت مما في فمها، وأرادت التخلص من تلك السفنجة الْتَفتت إلى جهة السيدات قالت: «اقدمتوا.» أي: تقدمن. فتقدمت الواحدة بعد الأخرى، وصارت تكبس رءوسهن لأجل البركة، وتقدمتُ أنا من جملتهن، فكبست رأسي بلطف، وقالت الله يهديكِ يا بنتي ثم قامت، وقسمت الأشياء الموجودة من شمع وغيره على عائلتها، ثم نامت وشدت يديها ورجليها وتثاءبت، ووضعت الملاءة على وجهها وغطت فمها، وجعلت تتظاهر بالقيء حتى أخرجت ما في فمها، ولفَّته في الملاءة، وأخرجه أتباعها، ونزعت الطرحة الملطخة بالدم، ومسحت فمها وجلست، بعد ذلك جيء بالقهوة فشربت ووضع الطعام، وجلست العروس، وقامت الكودية وصارت تأخذ من كل طبق لقمة من الطعام وتضعه في فمها حتى مرت على جميع الطعام، وذلك على حسب عادتهن، ولم أعلم المزية من ذلك، ثم إن تلك السفرة وضعته أمام الكوديات، وعادتهن أن يضعن الصينية على الأرض بدون كرسي على سبيل التواضع؛ إذ إن ذلك احترامًا للكوديات والمدعوات كذلك، وبعدما أكلن وشربن، ودخلن إلى الحضرة، ودخل جميع السيدات، وتهيأنَ للرقص ثم لبسن جميعهن أحمر، وكشفن رءوسهن، ووقفن للرقص جملة واحدة، فسألت إحدى السيدات عن سبب تغيرهن وتغير أزيائهن.
فقالت: إنها حضرة العبيد والجواري السودانيات وهم يرقصون جميعهن معًا، وعزفت العازفات، وصارت كلٌّ منهن تتنطط كنط الصغار، ويرعشن أكتافهن، ويضربن بأرجلهن الأرض، وينشد لهن الكوديات الأناشيد المختصة بالعبيد. وفي أثناء ذلك جاءت البوظة، وتناولتْ منها الراقصات فشربن وغسلن رءوسهن، فدُهشت من هذا المنظر، وبعد برهة خرجت إلى خارج الغرفة فوجدت إحدى السيدات جالسة على مقعد في الفسحة، فقلت لها: لم تنزلي حضرة العبيد مع من نزلن؟ قالت: يا سيدتي العبد الذي عليَّ نفسه كبيرة لا يقبل أن يكون مع هؤلاء العبيد. قلت: وما اسمه؟ قالت: اسمه «فيروز»، وهو أسمر اللون «شيء لله يا سيدي.» وعنده الآن رتبة وزير. فقلت لها: هو وزير أية مملكة من الممالك؟ قالت: وزير مملكة الأسياد. قلت: وكل الممالك أسياد؟ قالت: مملكة الدستوريين «شيء لله يا سيدي، دستور الله الله.» وكنت قصدت بسؤالي أن تعترف وتقول: مملكة العفاريت، فلم تقل واقتصرت على الأسياد والدستوريين.
وبينما نحن كذلك، وإذا بالكودية قد أتت، وكانت الحضرة قد انتهت، والعبيد قد انصرفوا سكارى مما شربوا من البوظة، والسيدات شعورهن تقطرها، فأسفت على تلك القدور هاتيك الشعور من هذا المنظر الشنيع، ثم بعد مُضي ساعة من الزمن بقدر ما أخذن راحتهن وغيرن ملابسهن، قامت الكودية الكبيرة وأخذت بيد العروس وأجلستها على وسادة في وسط الغرفة، واجتمعت جميع العازفات والبعض من السيدات المضيفات، وأخذن الدفوف والمزاهر في أيديهن، وضربن وأنشدن الأناشيد، وما فهمته من أناشيدهن «النمنم يكفيه بالعافية واديه، وإن جاني رومانود بالشربات أسقيه، وإن جاني ممه بالقهوة أسقيه.» وهكذا حتى عددن جميع الأسياد «دستور.» وكل ذلك، وهن يطُفن حول العروس، وكلما وصلت إليها الكودية تجلس فوق ظهرها على أكتافها، وتنقر بالدف، وتترنم بصوته المطرب، وهكذا إلى أن أتمَّت الطواف فوقفن وقامت، وقد أمرتها الكودية أن لا تغتسل من الدم إلا بعد أسبوع.
ثم ودعنا وانصرفنا شاكرين فضل العروس، وقد سألت عن مصروفات هذا الاحتفال فقيل لي أربعون جنيهًا. فلينظر العاقل إلى هذه المصائب التي تطرق على سخيفات العقول، بل وعلى العائلات أيضًا بسببهن؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله، وقالت: