الرسالة الثانية والخمسون
جمعية الرفق بالحيوان
بقلم حضرة الكاتبة الأديبة النابغة بين طبقاتها من النساء السيدة زينب فواز.
قد اطَّلعت في بعض الجرائد العربية على عبارات تختص بهذه الجمعية، وبإمعان النظر فيها ألفيتها — وأيم الحق — جمعية شريفة جامعة لعدة منافع خيرية، منزهة عن الغايات الشخصية، مقامة على دعائم الرفق والحنانة القلبية، شاهرة على كتائب التوحش مرهفات الشهامة الإنسانية، تصول وتطعن بأسنة عزائمها صدور فرسان القساوة البربرية، رُفع ستار مخبآتها فظهر لنا من تحت ما يروق لدنيا سمعه بل سماعه، فيا ليت شعري ما يمنع أبناء الجامعة الشرقية، وذوي العائلات الوطنية — الإسلامية منها والمسيحية والموسوية — من عقد الخناصر على تشكيل جمعية تحت عنوان «الرفق بالإنسان»، الذي فضَّله الله على الحيوان تكون مجارية لهذه الجمعية في أعمالها، وحُسن نظامها، وشرف مبدئها، وتنزُّهها عن الغايات! لعمري إنهم لو شمَّروا عن ساعد الجد في تشكيل جمعية لتعاون الإنسان لعمَّت المنفعة، وسلمت الغايات، وساد التمدُّن، وانقشعت عن القطر غيوم الفاقة والضنك. نعم، إننا سمعنا بذكر جمعيات كثيرة مختلفة الأسماء، لكننا نراها تسعى وراء المنافع القاصرة والفوائد الشخصية التي تعود على أهل جنسها وملتها فقط، مثل الجمعية الخيرية الإسلامية، والجمعية التوفيقية القطبية، والجمعية المارونية الخيرية، وغيرها من باقي الجمعيات التي ما من واحدة منها إلا وتقصد معاونة أبناء جنسها أو ديانتها، ويا ليتها على ذلك كافية لسد حاجاتهم، أفلا يكون من المستحسَن واللائق أن تنهض الجامعة على قدم الاجتهاد وساق الهمة، وتشمِّر عن ساعد الجد، وتعقد النية على تشكيل جمعية عمومية يكون منها لعميم الفائدة على المعوزين والمحتاجين؛ فإنها بذلك تكون قد بلغت الدرجة القصوى من الشهامة لنفع بني الإنسان، الذي فضَّله الله على سائر الحيوان كما قال في كتابه العزيز: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا؛ فلذلك هو أحق بالمعونة من الحيوان الذي جعل الله فرشه الأرض وغطائه السماء، وجعل قوته التبن وما إلى ذلك، وقدَّره على الْتِقاطها من الفيافي الشاسعة؛ فالطيور البرية مثلًا تجد ما تسد به رمقها بدون مشقة، والحيوانات الآنسة لها أصحاب يهتمون بشأنها غاية الاهتمام لأنها من أموالهم، وبنموها تنمو أرزاقهم وتكثر ثروتهم، فهم حينذاك مضطرون إلى الاعتناء بأمرها والمحافظة عليها حرصًا على منافعها العميمة، ومعلوم أن الحيوان إنما يوفَّى حقه وغيره من قِبل صاحبه، سواء أدَّى عمله أو لم يؤدِّه، بخلاف الإنسان، وعلى الخصوص الفلاح الذي هو أفقر وأضعف من غيره، فإنه على العكس من ذلك لا صاحب له يغنيه إن أعدم، وهو جدير حينئذٍ بالشفقة عليه ومساعدة جانبه؛ لأنه لا يخفى على كل لبيب أن هذا المسكين يعاني مشقات الأعمال في الزرع والقلع والحصد، وإقامة الجسور وما يشبهها مما هو مضطر إلى عمله طول عامه، وفي آخره لم يجد عنده متوفرًا ما يقوم بحاجته وحاجات أولاده الذين يطالبونه على الدوام بالأكل والملبس الذي يقيهم شر زمهرير البرد في الشتاء، ولهيب الحر في الصيف، والمأوى الذي يأوونه.
وقد مرَّ على المصريين حين من الدهر تعطلت فيه التجارة، وكسدت كسادًا عظيمًا، ولحقهم من الضنك والفاقة ما لم يرَوْه في السنين الغابرة؛ كل ذلك ولم نسمع بمن شكَّل جمعية تنظر في هذه الحالة، وتساعد من حل بهم الضنك، وتصلح ما فسد منهم، وتبني ما تَهدَّم.
وحيث إن إقامة دعائم الغنى في مصر تتوقف على شيئين؛ هما التجارة والزراعة، فالأَوْلى أن تكون الشفقة والرحمة على نظام حالتهما؛ إذ هما أساس العمران، ولا يمكن أن يقام بناء بغير أساس، والسلام.