الرسالة الثالثة والخمسون
وقالت ترثي شقيقها المرحوم محمد علي أفندي فواز، المُتوفَّى في ٢٩ ذي القعدة سنة
١٣١١، وقد
طُبعت على حِدَتِها في مطبعة الآداب، قال مصحح المطبعة:
نسج بردها يراع حضرة الفاضلة المصونة الغنية عن التعريف السيدة «زينب فواز» رثاءً لشقيقها المحفوف برضوان ربه محمد علي أفندي فواز، وها هي ومبناها الرائق:
مصاب عظيم الوقْع في النفس هائل
وخطْب جسيم الصدْع للقلب غائل
وحزن به فاضت دموع وهُيِّجت
شجون توالتها الرزايا النوازل
بها القدَر الأعلى تَنزَّل حكمه
فصبرًا وإن عزَّ المعين المجامل
ولكنها الدنيا حدوث وزهوة
بها الناسُ ركبٌ والمطايا قوافل
نعم يُحمد الصبر الجميل وإنما
يُذم إذا بالبَيْنِ جدَّت رواحل
إذا نحن لم نجزعْ لبَيْنٍ وفُرقة
ففي أي وقتٍ يستبينُ المخالل
حرامٌ على الأجفانِ صَوْنُ دموعها
إذا الشمل غالتْه الخطوبُ الغوائل
فيا عينُ جودي ثم يا نفسُ فاجزعي
وإلا فدعواكِ الأخوةَ باطل
ويا لمتي عُودي على غير عودة
لعلَّ الليالي أغفلتْ ما تحاول
وهيهاتَ ما عادَ الزمان يُراجع
إليَّ وقد ضنت بحمقي المحافل
سرى البَيْنُ في أطنابِ بيتي فهدَّه
وقد أظلمتْ منِّي العيونُ الهوامل
ألا يا غرابَ البَيْنِ جُوزيتَ بالذي
فعلتَ ولم يشغلك عَنِّيَ شاغل
فحبك ما ألقيت بين جوانحي
فتلك شجونٌ في الفؤاد شواغل
ولو بث ما لُقِّيت من ألم النوى
لجال على الغبراء منه الزلازل
فيا شهرنا ذا القعدة الوافر الرَّدى
لقد هطلتْ فيك الدموع الهواطل
فلا كنت من شهر تحامل ظلمه
ولا أشرقتْ فيك الشموس الكوامل
ولا هبَّت رياح فيك ولا زهت
بكور ولا طابت لديك الأصائل
ولا لاح نجمٌ في سمائِك زاهرًا
على الكون إلا قابلتْه الأوافل
حرمت السنا من شهر أنك خائبي
تركت ليَ الأحزان والعقل داهل
وفي التسع والعشرين منك تبادلت
كئوس المنايا والخطوب الصوائل
فنال أخي ريب المنون ونالني
به حسرات شأنها أن تشاغل
تطاول فيه سقمه فتطاولت
لياليه حتى ليس يرجوه آمِل
وجاء طبيب العصر بشَّر بالشِّفا
وقال اصطبر يا صاح فالبُرء حاصل
فقال له المحزون ويك ألم يكن
إلى فحص جسمي من سبيل تحاول
فعجِّل ببرئي حيث إنك عارف
فدون عنائي ثابت الجأش واجل
ولما رأى يأسي الطبيب تناثرت
على الخد مدرارًا من الدمع سائل
ونادى إلى الأخت الحزينة قائلًا
إلى الله ما أرجوه والعمر زائل
أظن طبيبي ملَّ عودي وفاتني
بطرف حسير والتعلل باطل
ويا حسرة الأم الحزينة ما رأت
عليل على فرش المنون يزاول
ويا أخت قد عز اللقا بتجلدي
فقد بطلت دون الحياة الرسائل
فوالله ما أشكو مماتيَ يافعًا
ولا أنني قد ضمَّنتْني الجنادل
ولكنني أبكي عليكِ وحيدة
وقد حال ما بين الأخوة حائل
وقد ضنت الأيام في الشمل بالبقا
ومن عادة الدنيا جموع زوائل
فقلت له والنار تلتهم الحشى
وفي الجفن أنهار الدموع سوائل
سأبكيك ما الأطيار تألف وَكْرَها
وما صدعت بين الصدور البلابل
وما ناحت الخنسا على فقْد صخرها
وإن عز في حزني عليك المماثل
سأبكي وما يغني البكاء مودها
به ذهبت تلك المنايا مراحل
سأبكي عليك الدهر مني بحسرة
أواخرها في كل حين أوائل
وقالت ترثيه أيضًا بهذه القصيدة وأرسلتها إلى محفل الثبات، فتلاها خطيب المحفل على مسمع من الإخوان، فكان لها وقع عظيم في نفوس الإخوان وحزن شديد، وقد طُبعت على حِدَتِها في مطبعة الآداب أيضًا.