الرسالة الرابعة والخمسون
بدء الحياة وجود حيث نغشاه
نظل نرجو وما نرجوه نخشاه
والمرء في جوهر الدنيا حكى عرضًا
يزول عنها وتبقى عنه دنياه
والعيش في كرة الغبراء مشغلة
بين الحوادث والعقبى قصاراه
والجمع مهما صفَتْ أيام نضرته
فإن تبديد ذاك الشمل عقباه
والسعي في الدهر آمال يمر به
عمر تحيل أمانيه مناياه
لا شيء من زينة الدنيا لساكنها
سوى محاسنِ ما تبقيه ذكراه
يطوي التراب بنيه فهو مضجعهم
وجوهر النفس تعليه مزاياه
آلَ الثبات أطال الله عمركمو
فواز سار إلى فردوس مولاه
فواز فاز بفردوس النعيم فلا
زالت له رحمة الرحمن مأواه
قضى الحياة على ما تقتضي همم
علت وتاهت بها في الدهر علياه
ما زال يسعى إلى الخيرات مستبقًا
إليه نهجًا قديمًا وهْو أوفاه
حتى سما نحو عليين في ملأه
بر تولاه مولاه فأولاه
مضى وأبقى من الذكرى حديث ثنًا
تفنى الليالي وتبقيه بقاياه
وحسبه إخوة أحيت بموتته
رسم الإخاء وصانت عنه عقباه
باسم الثبات تراهم أثبتوا شيمًا
غراء للمجد أصفتهم وأصفاه
غر ميامين حيَّا الله إخوتهم
أحيوا الإخاء الذي قد كان أحياه
إني سأذكر إخواني بفرقته
ذكرى لعهد ثبات صانه الله
فأشتكي الدهر فيما نابني وأرى
أن الثبات تعزيني سجاياه
هذا وذاك عزائي أن سيرته
برَّت وعقباه في خير توخاه
ولو أعاد بُكى الباكين مَن فقدوا
لم يسكن الترب ثاوٍ طال مثواه
ولو أعان على حمل المصاب عزا
لم يشكُ مِن حسرةٍ مَن طال مبكاه
لكن يُهوِّن أعباء المصائب ما
في الدهر من قدر بالقهر أجراه
يُهوِّن الصعب فيها أن غاية ما
فيها زوال لما نخشى ونهواه
فلا النعيم بها يبقى لنائله
ولا الشقاء بباقٍ حيث نلقاه
وكل حي إلى موت وكل لقا
إلى فراق وأن الدائم الله
سبحان من جمَّع الدنيا وفرَّقها
ويبعث الكل في ميقات لقياه
طال البقاء لكم آلَ الثبات كما
طاب النعيم له عفو مولاه