الرسالة الخامسة والخمسون
وقالت هذه المرثية أيضًا، وقد أرسلتها إلى محفل الإصلاح فتُليت بين عدد عديد من الإخوان، وكان لها درجة عُظمى وتأثير شديد تفطرت له القلوب أسفًا وحزنًا؛ إذ كان الفقيد من كبار ذلك المحفل ومآثره فيه ظاهرة، وقد طُبعت في مطبعة جريدة المؤيد على حِدَتِها:
لكم البقاء معاشرَ الإخوان
فواز فاز بترْك هذا الفاني
أبكى بفرقته الحياة وطيبها
وسرَتْ به البشرى إلى رضوان
أسفي عليه مودعًا بسكوته
نطقتْ له بدموعها أجفاني
سلك السبيل إلى خلودٍ دائم
فيه تناهى عالم الأكوان
فكأنه مل الهَيُولى منزلًا
فما لمجلي العالم الروحاني
أبكيه ما الخنساء تبكي صخرها
أوما بكته محافل الإخوان
أبكيه ما بكت السموات العُلى
وجه التراب بِوابل هتَّان
أبكيه ما ذكر الشقيق شقيقه
وأنوح ما ناح الحزين الماني
وأعاتب الأيام فيهِ أنها
جارت بحر جريرة الحدثان
ولوَ ان دنيانا تفي لمعاشر
ما فارقت أجيال كل زمان
لكنها جُبلت على كدر فلا
تصفو من الأكدار والأحزان
فالنفس بين غرورها وهمومها
تلقى نقائض فرقة وتدان
وأخو الحياة مروَّع بصروفها
ما بين خيفة حادث وأمان
تسعى به آماله في مجهل
للغيب يفنى دون كل أمان
ويد المنون حريضة إن أغفلت
يومًا تراها استدركت في الثاني
وبقية الدنيا حديث خالد
يبقي بني الإنسان للإنسان
أين الحدوث له حديث سائر
يستقبل الآثار عن أعيان
طوبى لمن تَخِذَ الحياة مطية
لمزية تروى لناءٍ فاني
سبحان من أضحك وأبكى ما يشا
وقضى بحكم قاهر ديان
والموت حق والحياة سبيله
والعيش ظل زائل الإدمان
لكننا أسرى جبلة خلقة
فُطرت على الحسرات والأحزان
فلذاك نشقى بالحياة ففاقد
باكٍ ومبكيٌّ عليه وفاني
ولوَ اننا ندري الحقيقة لم يهل
خطبٌ ولم تفد الغرور معاني
فابن التراب إلى تراب مآبه
والبعثة الأخرى الوجود الثاني
ولئن مضى فواز وهو أخوكمو
فلقد وجدت بكم عزا الإخوان
عززتموه بنزهة أخوية
تعزيز أنصار العلا أعوان
وسعيتمو سعي الكرام بشيمة
هيهات يبلغ حقها شكراني
شاطرتموني في المصاب وجئتمو
لبني الثبات بصحة البرهان
وبشيمة الإصلاح قد وفَّيتمو
حقًّا يقصر دونه عرفاني
فله من الرحمن منزل رحمة
ولكم بقا مجد عظيم الشان