الرسالة التاسعة والخمسون
مجمل حياة النساء
إليك أيها الجنس القوي ساق الحديث، ولا ندري أنناضلك وأنت مستودع الأمل أم نقاسمك أشطر الحياة وأنت الشريك الرفيق، أم ننحني عليك وأنت القوي الظالم على الجنس اللطيف، وقد استأثرتم دوننا بجميع القوى وتساعدتم علينا بكل الممكنات، فلك دوننا كل قدرة سيفية وقلمية وتشريعية، قيدتم هيكلنا الباهر بقيود كل استطاعة وسطوة، وحرَّمتم علينا كل إمكان بالجبروت والقوة.
ولكن هيهات هيهات! إن هذا الجنس المستضعَف قد سخَّر الأرواح بلطفه، وقيد الأشباح برقته وقسوة لين شمائله، فهبنا وهبنا لك سلطتك الظاهرة، فمن ذا الذي يعصمك من قهر سلطانه اللطيف، أو يذود عنك صولة الكائنات وأحكام النواميس الطبيعية؟! رفقًا بنفسك لا تُحمِّلها ما لا تقوى عليه، ولا تسمح لك به قوانين الفطرة التي لا ترقُّ لحالك، ولا ترهب من أفعالك، واعلم أنك مشترك بالذات وإن اختلفت فيك الصفات، فاقنع بما قسم إليك ولا تضرب الأمثال؛ فمقام الخليقة مقام امتثال، واعلم أن للروح جوهرًا مجردًا لا ذكر ولا أنثى، ولكنه يتأثر بحلة التقويم البدني، فتختلف قابلية الرجال والنساء، وكلٌّ منهما نصف العالم، وأهمية موقعه على هذه النسبة العادلة، وشأن الحياة العمل مطلقًا، وهو إما أن يكون على ما تقتضيه الحكمة فيضمن السعادة في الأغلب، وإما على مجرى العبث فيؤدي إلى الشقاء.
والإنسان مكلَّف بعملين لبقاء الشخص والنوع، وكلا القسمين عاجز عنهما بانفراده؛ فكلٌّ منهما ناقص من جهة زائد من جهة أخرى، ولكنهما متى انضمَّا كان منهما ماهية إنسان كامل، ويجوز قيام كلٍّ منهما بعمل بقائه الشخصي، ولكنه يئول إلى الفناء، ولا يضمن السعادة البشرية، والأعمال الحيوية هي كسب وتصرف وادِّخار، فيلزم تقسيمها على حسب الاستطاعة والصحة حتى لا يتعطل القيام بما هو أهم منها، والذي يهم طبيعة العالم، ولا يقوم به غير النساء هو بقاء النوع، فإن عمل الرجال فيه لا يستلزم أدنى تكلُّف، وهو أشق الأعمال وأكثرها تعبًا على النساء، يقتضي راحة القائمات به من كل الوجوه، وسنضرب مثلًا على ذلك فنقول: تحسب للمرأة إلى الخامسة عشرة من سنها في طيش الطفولة، وبعد الأربعين في متاعب الكبر، فليس لها على ذلك من زخرف الحياة إلا خمس وعشرون سنة، فلو فرضنا أنها ذات زوج لم تلد إلا اثنتي عشرة مرة، ولم يَعِشْ لها إلا ستة أولاد، فيكون عمرها على النسق كما يأتي:
٩ سنين حملًا، وسنة و٤ أشهر نفاسًا، و٦ سنوات إرضاعًا، و٤ سنين و٢٠ يومًا أمراضًا ممكنة؛ فتكون المتاعب مستمرة على البدن والنفس عشرين سنة و٦ أشهر و٢٠ يومًا، والباقي لها من كل أيام القوة والحياة النضرة ٤ سنين و٥ أشهر و١٠ أيام؛ هذه إذا كانت الصحة والراحة البدنية والفكرية متوفرة لها على الدوام، وهو محال؛ فأي فضل للرجال على النساء، وأيهما أشد أتعابًا في هذه الحياة؟! فإذا تعاطت المرأة شيئًا من الأمور الخارجية، تكون فاقت على الرجل بمراحل؛ فبِناءً عليه يجب على الرجل أن لا يفتخر بأعماله الخارجية، وعليه ضمانة حقوق النساء متفرغات لتلك المهام.
وقد ابتُلي النساء والرجال بقضيتي الطلاق وعدمه، فأما الطلاق المجعول في يد الرجال بلا قيد، فإنه يسلب أمن المرأة؛ لأنها لا تدري بأي سلطة تضمن البقاء مع زوجها، ولو عمرت معه عمر نوح، فتُضطر إلى كثير من الخيانة لعدم وثوقها بالبقاء معه، وسلب أسباب الأمانة من قِبلها لأن الرجال لا يُجرون الطلاق على مجراه الأصلي، بل لأسباب صغيرة، أو لأقل هفوة لأجل عيوب ليست شرعية من الطرفين.
وأما عدم الطلاق البتة فيؤدي عند عدم الامتزاج إلى المضار والعداوة في حياة الزوجين؛ لأنها هي علة الارتباط المشتكى منه، ولو اتَّخذ الناس بين هذين السبيلين منهجًا وسطًا تنفيذًا للشرائع الإلهية العادلة لأراحوا واستراحوا.
وأما تعدد الزوجات فإنه وبالٌ على الطرفين؛ لأنه يقضي على المرأة بالغَيرة، وهي الطامة الكبرى ينتج منها أتعاب تفوق الأتعاب الآنف ذكرها، وعلى الرجل بنكد الدهر، ويورث الأولاد العداوة لبعضهم البعض أشد من عداوة الأمهات، وبيان ذلك يطول شرحه، ولنا فيه كلام في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.