الرسالة الخامسة والستون
حالة أبناء الوطن
لماذا تصبرون ولأي شيء تنتظرون؟! إني ليُحزنني ما أراه في حالة أبناء الوطن من الذل والامتهان، ويُحزن واللهِ القلوب، ويُفتت الأكباد، ويُذيب المُهج تأسفًا وحسرة على أمة تقطعت بها الأسباب، وحُرمت ظلمًا وعدوانًا من منافع بلادها، وقد تمتعت الأجانب بتلك المنافع دون أبناء الوطن، حتى إن الوطني يُطرد من محل خدمته، ويخوض في بحار الفقر، وقد يلهونه برتبة أو نيشان ليفتخر بها على أقرانه، وقد بذلوا المناصب العالية الحقة بالمناصب الكاذبة الملفقة … فيا للأسف!
فأي عين لا تدمع، وأي قلب لا يتقطع على حالة الشبان ذوي العيال الذين يتجرعون مرارة الفقر، ولن يقدروا على تعاطي مهنة يرتزقون منها حيث إنهم لم يدرسوا من العلوم إلا ما يؤهلهم لخدمة وطنهم العزيز وإدارة شئونه.
هذا وحكومتنا ساهية غافلة لاهية، وقد شلت منها الأفهام، وغلبت عليها الأوهام، وهي خاضعة لعوامل الاحتلال متناسية مصالح الأمة متمسكة بمنافع رجالها نابذة أحوال الأمة ظِهريًّا (والفضل في ذلك لمن كسب.)
هل تخشَوْن أيها الرجال أن تُسلب منكم المناصب لو أنصفتم هذه الأمة التعيسة التي توليتم شئونها، ويتولاها غيركم من الأجانب؛ فالأسف كل الأسف على أمة ضاعت سُدًى لأجل منافع بعض أشخاص منها.
ألم تنظروا إلى الأمة البويرية، وما فعلت في سبيل استقلالها، وكيف أنها اختارت الموت أو تعيش حرة لا تقبل السلطة البريطانية، ولقد خلدت لها ذكرًا بين تواريخ الأمم يفتخر به هذا الجيل على الأجيال كلها.
ألم ترَوْا أن الحكومة البويرية ألَّفت من الضعف قوة وقاومت هذا الطود العظيم، وبذلت في سبيل رده عن بلادها الأنفس والنفائس حبًّا في استقلالها، وراحة ورعاية، وهل إلى ذلك من سبيل؟!
لم أسمع بأن حكومتنا عارضت رجال الاحتلال في شيءٍ ما، ولو عارضت في أي أمر يعود نفعه على أبناء الوطن لنجحت، كما نجح المعارضون على رقابة المحكمة الشرعية، ولكن وجدكم رجال الاحتلال لقمة لينة هينة المأكل فابتلعوكم، وأنتم لا تشعرون.
وإني ليسرني أن أرى في أبناء وطني روح الحياة فيؤلفون الأحزاب، ويدافعون عن حقوقهم المهضومة فتلقوا منكم العزائم أيها الرجال، فأقدموا على العظائم، وقد علمتم كيف يقترن العلم بالعمل، وإني لأرى من خلال الحجاب فيكم الكفاءة لأنْ تقفوا أمام العالم الدولي، وتناضلوا مدافعين عما لكم من الحقوق، فإن لم تقدروا على إخراج هذه الدولة العاتية الآن، فإنكم تُلزمونهم أن يحفظوا لكم حقوقكم المسلوبة، وتجبرونهم على إبقائكم في وظائفكم التي تتساقطون منها كتساقُط أوراق الشجر في فصل الخريف، فهبوا من رقادكم أيها المسلمون، وانظروا كيف أن الأجانب طمعت بأن تمس دينكم الشريف بعد ثباتكم كل هذه الأجيال الطويلة، واعلموا أن الحكومة لا تسعى ولن تسعى في ترقيتكم ما دمتم ودام النيران، بل الأجدر لكم أن تسعَوْا بأنفسكم، والله المستعان.