الرسالة السابعة والستون
القسم المصري في معرض باريس
قد اطلعت في عدد ٢٠٦ من جريدة اللواء الصادر في ٥ ربيع الآخر على رسالة شائقة لعظيمٍ من عظماء المصريين، تكلم فيها عن معروضات مصر في معرض باريس، وقد أظهر كل شهامة وغَيرة على ما فات مصر والمصريين من السباق في هذا المضمار الذي استعدت له كافة الأمم من سنين ممده، ونحن غافلون لا نبدي حراكًا ولا نلوي على شيء، دأبنا الافتخار بما فعله أسلافنا الأقدمون، نباهي بالرمم البالية كلما نظرنا إلى أهرام مصر وتربا الصعيد، ونرتاح لما يُحدِّثنا به التاريخ عن عمل الخلفاء الراشدين، وارتقاء بني أمية، ومدنية بني العباس؛ فيُخيل لنا أننا في ذاك العصر، فنرتكن على وسادة الارتياح شامخين بأنوفنا إلى السماء نفتخر على كل الأمم، ونباهي أوروبا ونعايرها بتوحشها الغابر ونتألم منها إذا احتقرتنا بسبب توحشنا الحالي. أبهذا نفتخر ولهذا نغضب أيها العظيم؟! ألم يكن في مصر عشرة أشخاص من ذوي الحمية والغَيرة على الوطن والدين، حتى إنهم يحركون الهمم بأقلامهم على الأقل إن لم يقدروا على العمل؟ أو تشكلت لجنة لهذا الشأن واجتمع فريق من المصريين لتشغيل البضائع المصرية من مثل حرير أخميم الذي تعتز به الإفرنج، ومنسوجات المحلة الحريرية ومصنوعات الأخشاب الدقيقة (المشربية) الذي يستعمله الأوروباويون وأكبر مصر في مفروشاتهم ومقتنياتهم من كنبات وكراسي وترابيزات وبراويز للستائر وغير ذلك، وعاج أسيوط الذي تتهاداه السياح إلى بلادهم يعدونه من أعظم المصنوعات الشرقية، وغير ذلك من المصنوعات المصرية التي نرى السياح يتهافتون عليها كتهافت الذباب على الشراب.
ألم تعلموا أيها الفضلاء أن المعرض مَثَلُهُ كَمَثَلِ المحشر كل شخص فيه مسئول عن عمله، تبيضُّ فيه وجوه وتسودُّ وجوه، ولا يسود المرء إلا بعمله؟ ألم تفتكروا أنكم ستبرزون إلى العالم الإنساني أجمع في ذلك المحشر الذي لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها، والفضل في ذلك لمن حاز الفضل بعمله؟ نعم، هذا المعرض الذي اهتزت له أركان المعمورة وتحرَّكت لذكره النساء في خدورها وأنتم غافلون. أتلومون رجال سورية أيها الفضلاء وأنتم أحق باللوم منهم حيث فرطتم والتفريط سبب كل خراب؟ تلومون بعض المسيحيين الذين يقلدون علماءكم في أوروبا وقد أُهينَ دينكم بين ظهرانيكم وانتشرت الرسل المسيحية في عرضات البلاد يجذبون جهلاء الأمة إلى دينهم تارة بالقوة وطورًا بالرشوة وأنتم تنظرون، وشُكلت المدارس لاقتناص أبناء المسلمين وإدخالهم المسيحية جهرًا وأنتم غافلون!
لم أسمع عن أهل الوطن والجامعة الإسلامية من تحرَّك ودافع عن دينه سوى بعض الجرائد والبعض من أرباب الأقلام.
قد أكثر الناس أجمع من اللوم على الذين استأجروا الراقصات إلى المعرض، وما قصدهم إلى هضم شرف الإسلام والمصريين من جهة، ومن وجهٍ آخر يقصدون به الكسب، وأن الذي تهون عليه نفسه أن يفتح له محلًّا بين هذه الجموع المختلفة الأجناس ويجمع فيه الحرف الدنيئة، لا يلام أيها العظيم، بل اللوم كل اللوم على حكومتنا السنية التي صرَّحت له بهذه الرخصة، بل العجب كل العجب من رجالنا وأكابر الحكومة والوزراء كيف لا يخجلون إذا نظروا إلى القسم المصري من المعرض، ووجدوه مقامًا على إردبَّين فولًا وكيلتين شعيرًا وقمح وذرة وما أشبه، وفي بلادهم من المصنوعات ما يُخوِّل لهم الافتخار لولا داء الكسل العضال … فالأسف … كل الأسف على أمة ضاعت سُدًى.