الرسالة الثامنة والستون
هل يحيى الإسلام
قد اطلعت على رسالة في صدر عدد ٢٦٥ من جريدة اللواء الأغر لصاحبه الفاضل تحت عنوان «كيف يحيى الإسلام»، وكنت في تلك الساعة أفكر في حالة الإسلام وما يئول إليه الأمر في إصلاح شأنه مع اختلاف بنيه، وتفرُّق كلمتهم وعدم الارتباط حتى في أمورهم الخصوصية، وكنت أقلب الطرف حائرة آسفة على حال تحير العقول، وتذيب القلوب، وحزنًا لما آل إليه أمر هذه الأمة التي طالما فاخرت الجوزاء، وناظرت الأرض بوجودها السماء.
كنا إذا اطلعنا على تواريخ الأمم نجد لنا بينهم أعظم ذكرى تنعش القلوب وتحيي الهمم، أما الآن — ويا للأسف — فقد صرنا إذا نظرنا حولنا نُطأطئ الرأس خجلًا، ونُصعد الزفرات حزنًا على ما نحن فيه من التفرق والشتات والحيرة، وعدم الثبات في الأمور التي تثبِّت قدم الأمة.
كيف نحيي الأمة أيها الشهم وأبناؤها لاهون ساهون لا يلوون على أمر يختص بصالح الإسلام، ولا بصوالحهم الخصوصية أيضًا؟!
كيف يتجهون جهة الخلافة العظمى وهم يتوهون في غياهب الجهل والحيرة كالفراش المنتشر يرى النار ويتهافت عليها بدون روية.
هذا وقد غرهم ما لأعداء الدين من الزخارف الكاذبة، وما لديهم من الآمال الموهومة التي جعلوها خدمة للإسلام والمسلمين توصلًا بها إلى ما يبتغون من تنفيذ سهام سياساتهم في جسم العالم الإسلامي.
يسعَوْن في تفرق الكلمة ويريدون إصلاحها؛ إن هذا لشيء عجاب! ألم تعلم تلك الفئة أن «يد الله مع الجماعة» ولو كانوا ضعافًا، أم لم نفهم معنى قول القائل: «وضعيفان يغلبان قويًّا.»
علامَ هذا التفرق وماذا ينتظرون من ورائه، ونحن نعلم أن الأمة البويرية ما ألَّفت من الضعف قوةً وقاومت هذا الطود العظيم، وبذلت في سبيل رده عن بلادها الأنفس والنفائس حبًّا في استقلالها وراحة رعاياها إلا باجتماع الكلمة، وانضمام الأصوات المثابرة على الجَلَد والثبات في الأمور! وهل إلى ذلك سبيل؟!
قد أصيب دينكم أيها الإخوان ولم تتحرك الهمم لهذه الإصابة، ولم تهزكم النخوة الدينية والشهامة الإسلامية حتى صرتم إذا فُتحت مدرسة دينية لتهذيب أطفالكم على الأساس الديني تتضرَّرُون ظنًّا منكم أنكم تتعدَّوْن قانون التمدن الأوروبي، وترجعون إلى الوراء في خطتكم المدنية بسبب التعليم.
فأي عين بعد ذلك لا تدمع وأي قلب من الأسف والحزن لا يتقطع، وأي فؤاد لا يتضعضع حينما يرى أعداء الإسلام باسطين أكف الترحيب لتلقى بيننا وتعليمهم على غير دينهم وكلنا غافلون عن وخامة العاقبة، وعلماؤنا لاهون عن إرشادنا مكتفون بما جمعته الدفاتر من فضل أسلافنا القدماء.