الفأر والعصفور والسُّجق
ذات مرة تشارك فأر وعصفور وسجق فيما بينهم، وبنوا منزلًا، وسار كل شيء على ما يرام مدة طويلة، فعاشوا معًا في راحة تامة، وتمكنوا من مضاعفة مخزونهم من الطعام. كانت مهمة العصفور هي الخروج يوميًّا إلى الغابة وإحضار الحطب، أما الفأر فكانت مهمته جلب المياه، بينما كان السجق مسئولًا عن طهي الطعام.
عندما يشعر المرء بالثراء الزائد عن الحد دائمًا يبدأ في الاشتياق إلى شيء جديد. ما حدث أنه أثناء خروج العصفور في يوم ما قابل عصفورًا آخر، وتباهى بوصف الحياة الهانئة التي ينعم بها، لكن العصفور الآخر سخر منه، ونعته بالساذج المسكين، لأنه يقوم بالعمل الشاق كله، في حين يمكث الفأر والسجق بالمنزل يمضيان وقتًا سعيدًا ويستغلانه. فعندما ينتهي الفأر من إشعال الوقود وجلب المياه، يمكنه الاستراحة في غرفته الصغيرة إلى حين إعداد الطعام، أما السجق فكل ما عليه هو مراقبة القدر كي يتأكد أن الطعام قد نضج، وعندما يقترب موعد العشاء، يُلقي بنفسه داخل الحِسَاء أو يتحرك بين الخضراوات ثلاث أو أربع مرات، وهكذا يضيف إليها الدهن والملح. وعندما يعود العصفور إلى المنزل ويحضر ما يحمله من عبء ثقيل، يجلسان حول الطاولة، وعندما ينتهيان من تناول الطعام، ينامان في راحة وطمأنينة حتى اليوم التالي، وهكذا يهنآن بحياتهما دون مشقة كبيرة.
تأثر العصفور بما قاله صديقه، لذا رفض صباح اليوم التالي الخروج لإحضار الحطب، وقال لهما إنه كان أحمق طوال الفترة الماضية وقد حان وقت التغيير وتجريب أسلوب آخر في تنظيم العمل. توسل إليه الفأر والسجق بكافة السبل، لكن بلا فائدة، فقد ظل العصفور متمسكًا برأيه، وكان لا بد من إجراء تغيير. لذا أجروا قُرْعة، ووقع الاختيار على السجق لإحضار الحطب، وعلى الفأر لطهي الطعام، أما العصفور فعليه جلب المياه.
ماذا حدث بعد ذلك؟ بدأ السجق بحثه عن الحطب، وأشعل العصفور النار، ووضع الفأر القدر فوقها، وانتظرا كلاهما عودة السجق بالحطب إلى اليوم التالي. لكن السجق تأخر في الخارج طويلًا حتى شعر العصفور والفأر بالقلق. خرج العصفور للبحث عن السجق، ولم يحلق مسافة بعيدة حتى مر بكلب قد رأى السجق واعتبره غنيمة له فالتهمه. وبخ العصفور الكلب لما اعتبره سرقة وقحة، لكن لم يؤثر أي مما قاله العصفور في الكلب، إذ أخبره الكلب أنه وجده ينتحل شخصية أخرى، ولهذا السبب أنهى حياته.
التقط العصفور الحطب، وحلق حزينًا نحو المنزل، وأخبر الفأر بكل ما رآه وسمعه. حزن كلاهما، ولكن اتفقا على تقبل الموقف وفعل ما بوسعهما ليظلا معًا رغم ذلك.
هكذا تولى العصفور إعداد الطاولة، وتولى الفأر البحث عن الطعام وطهيه مثل السجق بالتحرك بين الخضراوات لتمليحها وإضافة المادة الدهنية إليها، لذا قفز الفأر داخل القِدر، لكنه توقف فجأة بعد أن انسلخ جلده وفروته، وسقط في قاع القِدر، وفارق الحياة.
سرعان ما حضر العصفور، وأراد تناول العشاء، لكنه لم يعثر على الفأر في أي مكان، ووسط مشاعر القلق والحيرة ألقى بالحطب دون احتراس فوق الأرض، وأخذ يبحث وينادي على الفأر، لكنه لم يعثر عليه. نشبت النار في بعض الحطب الملقى على الأرض، وبدأ في الاشتعال. ذهب العصفور لإحضار المياه في عجالة، لكن الدلو سقط في البئر، وسقط العصفور معه، ولعدم قدرته على استعادة توازنه مرة أخرى، مات غرقًا.