شجرة العَرْعَر
كان فيما كان منذ نحو ألفي عام، يعيش رجل ثري مع زوجته الطيبة الجميلة. أحب كل منهما الآخر حبًّا كبيرًا، لكن أحزنهما كثيرًا أنهما لم يُرزقا بالأطفال. أرادا كثيرًا إنجاب طفل واحد، حتى إن الزوجة دعت الله ليلًا ونهارًا، ومع ذلك لم ترزق بأطفال.
كان أمام المنزل فناء مزروع فيه شجرة عرعر. في أحد أيام الشتاء، وقفت الزوجة أسفل الشجرة لتقشير التفاح، وأثناء تقشيرها، جرحت إصبعها، وسال الدم فوق الثلج. قالت وهي تتنهد ببطء: «آه، كم أتمنى أن يرزقني الله بطفل أحمر كالدم وأبيض كالثلج.» وأثناء قولها هذا، شعرت بسعادة تملأ قلبها وكأن أمنيتها ستتحقق، ثم عادت إلى المنزل وهي تشعر بالسرور والراحة. مر شهر، وذاب الجليد كله، ثم مر شهر آخر، واكتست الأرض بالخضرة. مرت الشهور تباعًا، وبدأت الأشجار تتبرعم في الغابات، وسرعان ما تشابكت الأغصان الخضراء معًا على نحو كثيف، ثم بدأت الأزهار تتساقط. وقفت الزوجة مرة أخرى أسفل شجرة العرعر، وكان تفوح منها رائحة طيبة جعلت قلبها يرقص فرحًا، وغمرتها السعادة، حتى إنها سجدت شكرًا لله. في ذلك الوقت كانت الثمار لا تزال غير ناضجة، وكانت الزوجة تشعر بالسعادة والطمأنينة، وبعد أن نضجت الثمار تمامًا، قطفت الحبات البارزة وأخذت تلتهمها بنهم، وبعدها شعرت بالحزن والسقم. بعد ذلك بفترة قصيرة نادت على زوجها وهي تنتحب، وقالت له: «إذا مت، فادفني أسفل شجرة العرعر.» ثم شعرت بالراحة والسعادة مجددًا، وقبل أن يمر شهر آخر، كانت قد رزقت بطفل صغير، وعندما رأت أنه أبيض كالثلج وأحمر كالدم، غمرتها السعادة حتى ماتت من شدة فرحتها.
دفنها زوجها أسفل شجرة العرعر، وبكى على فراقها بمرارة. لكن شيئًا فشيئًا، بدأ حزنه يتلاشى، ومع أنه كان يشعر بالأسى بين الحين والآخر، كان بمقدوره الخروج كعادته، وبعد حين، تزوج بأخرى.
رُزق الأب من زوجته الثانية بابنة. وكان لديه طفل صغير من زوجته الأولى، أحمر كالدم وأبيض كالثلج. أحبت الأم ابنتها كثيرًا، وعندما كانت تنظر إلى الطفل، كان قلبها ينفطر لأنه سيقف دائمًا عقبة في طريق ابنتها، ودائمًا ما كانت تفكر في طريقة تؤمِّن من خلالها ثروة زوجها كلها لابنتها. استحوذت هذه الفكرة الشيطانية عليها أكثر وأكثر، مما جعلها تعامل الولد بقسوة. فكانت تسوقه من مكان إلى آخر مُكبَّل اليدين وتضربه، بحيث يتجول الصبي المسكين في خوف، فكان لا ينعم براحة من وقت مغادرته المدرسة حتى عودته إليها.
ذات يوم جاءت الابنة الصغيرة تهرول نحو والدتها في غرفة تخزين الطعام، وقالت: «أمي، أعطيني تفاحة.» قالت الأم: «حسنًا يا ابنتي.» ثم أعطتها تفاحة جميلة من الصندوق؛ كان الصندوق مغلقًا بغطاء ثقيل للغاية وقفل حديدي ضخم.
قالت الطفلة الصغيرة: «أمي، هل من الممكن أن نعطي أخي أيضًا تفاحة؟» غضبت الأم، لكنها أجابتها: «حسنًا، عندما يعود من المدرسة.»
في تلك اللحظة أطلَّت الزوجة من النافذة ورأت الصبي قادمًا، ويبدو أن روحًا شريرةً استحوذت عليها، فانتزعت التفاحة من يد ابنتها، وقالت: «لن تحصلي على واحدة قبل أن يحصل أخوك على واحدة.» ثم ألقت التفاحة داخل الصندوق ثم أغلقته. حضر الصبي الصغير إلى المنزل، وقالت الزوجة بأمر من الروح الشريرة التي تسكنها: «ابني العزيز، هل تود تناول تفاحة؟» لكنها نظرت إليه نظرة غاضبة، قال الصبي: «يا إلهي، لماذا تنظرين إلي هكذا! نعم، أريد تناول تفاحة.» فكرت الأم بعد ذلك في قتله، وقالت: «تعال معي.» ثم رفعت غطاء الصندوق، وقالت له: «مد يدك، وخذ واحدة.» فانحنى الولد لفعل ذلك، فدفعتها الروح الشريرة إلى غلق الغطاء، وهكذا انفصل رأس الولد عن جسده. استبد بها الخوف بعد أن أدركت فعلتها، وفكرت: «ليتني أستطيع إخفاء ما فعلت.» فصعدت إلى غرفتها في الطابق العلوي، وأخرجت منديلًا أبيض من الدرج العلوي؛ ثم وضعت رأس الولد فوق كتفيه مرة أخرى، وربطت الرأس بالمنديل حتى لا يلحظ أحد أي شيء، ثم أجلست الولد فوق الكرسي بجانب الباب، ووضعت تفاحة في يده.
بعد ذلك، حضرت مارلين الصغيرة إلى أمها التي كانت تقَلِّب قِدرًا بها ماء يغلي فوق الموقد، وقالت: «يا أمي، إن أخي يجلس بجانب الباب وفي يده تفاحة، ويبدو شاحب الوجه للغاية؛ وعندما طلبت منه أن يعطيني التفاحة، لم يجبني، وهذا الأمر أخافني.»
قالت الأم: «اذهبي إليه مجددًا، وإذا لم يجبك، فالكِمِيه في أذنه.» ذهبت مارلين الصغيرة وقالت: «يا أخي، أعطني التفاحة.» لكنه لم ينطق بكلمة واحدة؛ وعندما لكمته في أذنه، تدحرج رأسه بعيدًا. شعرت مارلين بالذعر، وركضت إلى أمها تبكي وتصرخ، قالت: «يا إلهي! لقد كسرتُ عنق أخي.» وأخذت تنتحب في مرارة دون توقف.
قالت الأم: «ماذا فعلت؟ لا بد ألا يعرف أحد بهذا الأمر، لا بد أن تلزمي الصمت؛ فما حدث قد حدث. سنصنع منه بودينج.» ثم أمسكت بالولد الصغير وقطعته إربًا إربًا، ووضعته في القِدر، وأعدت منه البودينج. وقفت مارلين تتابع المشهد، وأخذت تبكي وتبكي حتى تساقطت دموعها داخل القدر، ولم تعد الأم بحاجة إلى إضافة المِلْح.
عاد الأب إلى المنزل، وجلس لتناول العشاء، ثم سأل: «أين ابني؟» لم تنطق الأم بكلمة واحدة، لكنها قدمت له صحنًا كبيرًا من البودينج الأسود، وكانت مارلين لا تزال تبكي دون توقف.
سأل الأب مجددًا: «أين ابني؟»
أجابت الزوجة: «لقد سافر إلى الريف لزيارة العم الأكبر لأمه، وسيمكث هناك بعض الوقت.»
– «لماذا ذهب إلى هناك؟ إنه لم يودعني!»
– «حسنًا، إنه يحب الذهاب إلى هناك، وأخبرني أنه سيمكث هناك ستة أسابيع، فهم يعتنون به جيدًا هناك.»
قال الزوج: «أشعر بعدم الارتياح تجاه هذا الأمر، فقد يقع له مكروه، وكان ينبغي له أن يودعني!»
بعد ذلك استأنف الأب تناول العشاء، وقال: «لماذا تبكين يا مارلين؟ سيعود أخوك عما قريب.» ثم طلب من زوجته المزيد من البودينج، وأثناء تناوله الطعام، ألقى بالعظام أسفل الطاولة.
توجهت مارلين الصغيرة إلى الطابق العلوي، وأمسكت بأفضل مناديلها الحريرية من درجها السفلي، ووضعت به كل العظام الملقاة أسفل الطاولة، ثم حملتها إلى الخارج، ولم تتوقف عن البكاء لحظة واحدة. وضعت مارلين العظام بين الأعشاب الخضراء أسفل شجرة العرعر، وما إن فعلت ذلك، حتى بدا أن أحزانها انقشعت كلها، ولم يعاودها البكاء بعد ذلك. بدأت شجرة العرعر تتحرك، واهتزت الأغصان للأمام والخلف، يبتعد بعضها عن بعض، ثم يرتطم بعضها ببعض، وكأنها تصفق فرحًا. بعد ذلك غلفت الشجرة طبقة رقيقة من الضباب كان في منتصفها شيء مشتعل، وخرج من وسط هذا الشيء المشتعل طائر جميل حلق عاليًا في السماء، وغرد بصوت جميل، وبعد أن اختفى في الأفق، وقفت شجرة العرعر كما كانت في السابق، واختفى المنديل الحريري والعظام.
انشرح صدر مارلين الصغيرة، وشعرت بسعادة وكأن أخاها لا يزال على قيد الحياة، ثم عادت إلى المنزل، وجلست في فرح عند الطاولة، وتناولت طعامها.
كان الصائغ في ورشته يصنع سلسلة ذهبية. وعندما سمع أغنية الطائر فوق سطح المنزل، أعجبته كثيرًا حتى إنه نهض واتجه إلى الخارج، وأثناء عبوره عتبة الورشة أضاع أحد خفيه، لكنه استمر في الركض حتى منتصف الشارع، وهو يرتدي فردة واحدة من الخف في قدم وجوربًا في القدم الأخرى، وكان لا يزال مرتديًا مئزره وممسكًا بالسلسة الذهبية والكمَّاشة في يديه، ثم وقف يحدق بالطائر، وكانت أشعة الشمس ساطعة في الشارع. قال: «أيها الطائر، كم أن صوتك عذب! غنِّ لي هذه الأغنية مرة أخرى.»
قال الطائر: «كلا، لن أرددها لك دون مقابل، أعطني هذه السلسة الذهبية، وسأغني لك مرة أخرى.»
قال الصائغ: «خذ السلسلة، وردد تلك الأغنية مرة أخرى.»
سمعه صانع الأحذية، فقفز واتجه نحو الخارج مرتديًا زِيَّ العمل، ووقف ينظر إلى الطائر أعلى السطح واضعًا يده فوق عينيه كي يستطع الرؤية جيدًا.
قال: «أيها الطائر، كم أن صوتك عذب!» ثم نادى على زوجته: «يا زوجتي، تعالي إلى الخارج، هناك طائر جميل، تعالي وانظري إليه واستمعي إلى صوته العذب.» ثم نادى على ابنته وأطفاله، ثم على مساعديه، أولادًا وبناتًا، وركضوا جميعًا عبر الشارع ليتفقدوا الطائر، ورأوا كم يبدو رائعًا بريشه الأحمر والأخضر، ورقبته التي تبدو كالذهب المصقول، وعينيه اللتين كانتا كنجمتين ساطعتين.
قال صانع الأحذية: «هيَّا أيها الطائر، ردد تلك الأغنية مرة أخرى.»
أجابه: «كلا، لن أغنيها دون مقابل، لا بد أن تقدم لي شيئًا.»
قال صانع الأحذية: «يا زوجتي، اذهبي إلى المخزن، وستجدين فوق الرف العلوي حذاءً أحمر، أحضريه.» ذهبت الزوجة، وجلبت الحذاء.
قال صانع الأحذية: «خذ أيها الطائر هذا الحذاء، والآن غنِّ تلك الأغنية مرة أخرى.»
بعد أن انتهى من الغناء، حلق بعيدًا. كان يمسك السلسلة الذهبية في مخلبه الأيمن والحذاء في مخلبه الأيسر، واتجه مباشرة نحو طاحونة. كانت الطاحونة تدور محدثة الصوت: «تك، تك، تك.» وكان بها عشرون رجلًا يكسرون حجرًا بالفئوس: «طاخ، طاخ، طاخ.»
«الأم قتلت ابنها الصغير …»
«حزن أبوه لاختفائه …»
«كانت أخته أكثرهم حبًّا له …»
«أسفل شجرة العرعر …»
«صو صو صو صو، كم أنا طائر جميل!»
نظر الرجل إلى أعلى، وتوقف آخر الرجال عن العمل.
قال: «أيها الطائر! كم هي رائعة تلك الأغنية! أود أن أسمعها ثانية، رددها مرة أخرى.»
أجاب الطائر: «كلا، لن أغني ثانية دون مقابل، أعطني حجر الرحى هذا، وسأغنى لك ثانية.»
قال الرجل: «لو كان الأمر بيدي لأعطيتك إياه.»
قال بقية الرجال: «أجل، أجل، إذا كان سيغني ثانية، أعطه إياه.»
وبعد أن أنهى أغنيته، فرد جناحيه، وحلق نحو منزل أبيه والسلسة في مخلبه الأيمن والحذاء في مخلبه الأيسر، وحجر الرحى ملتف حول عنقه.
كان الأب والأم ومارلين الصغيرة يتناولون العشاء.
قال الأب: «كم أشعر بالارتياح. أشعر بالسعادة والفرح.»
قالت الأم: «وأنا أشعر بالانزعاج، وكأن عاصفة رعدية ستَهُب.»
أما مارلين الصغيرة فأخذت تبكي دون انقطاع.
حلق الطائر نحو المنزل، ثم وقف فوق سطحه.
قال الأب: «أشعر بسعادة غامرة. الشمس مشرقة على نحو جميل. أشعر وكأنني سأقابل شخصًا عزيزًا مرة أخرى.»
قالت الزوجة: «وأنا أشعر بالضيق والانزعاج حتى إن أسناني تصطك، وأشعر وكأن الدم يغلي في عروقي.» ثم مزقت فستانها؛ وفي تلك اللحظة جلست مارلين الصغيرة في زاوية بالمنزل، وأخذت تنتحب، حتى ابتلَّ الصحن الموجود فوق ركبتيها بدموعها.
«الأم قتلت ابنها الصغير …»
«حزن أبوه لاختفائه …»
«كانت أخته أكثرهم حبًّا له …»
فوضعت مارلين رأسها فوق ركبتيها، وبكت.
قال الأب: «يجب أن أذهب إلى الخارج وألقي نظرة على الطائر عن قرب.»
صاحت الزوجة: «لا تخرج، أشعر أن المنزل كله يحترق!»
بعد أن أنهى الطائر هذا المقطع الأخير أسقط السلسلة الذهبية، فوقعت فوق رأس الأب لتلتف حول عنقه، وكانت تناسبه تمامًا.
دخل الرجل المنزل مرة أخرى، وقال: «كم هو طائر رائع، لقد أعطاني هذه السلسة الذهبية. يبدو جميل المنظر للغاية.»
شعرت الزوجة بخوف وانزعاج شديدين حتى إنها سقطت فوق الأرض، وسقطت قبعتها من فوق رأسها.
«الأم قتلت ابنها الصغير …»
«حزن أبوه لاختفائه …»
«كانت أخته أكثرهم حبًّا له …»
قالت مارلين: «حسنًا، سأخرج أنا أيضًا لأرى هل سيعطيني الطائر شيئًا.»
شعرت مارلين بسعادة كبيرة وبارتياح، وانتعلت الحذاء ورقصت وقفزت، ثم قالت: «كنت تعيسة، لكن عندما خرجت، زالت كل أحزاني؛ إنه طائر رائع بالفعل، وأعطاني حذاءً أحمر اللون.»
قفزت الزوجة، وشعرها أشعث كأنه ألسنة لهب، وقالت: «سأخرج أنا أيضًا، لأرى هل سيزيل هذا أحزاني، فأنا أشعر أنه يوم القيامة.»
لكن أثناء عبورها عتبة المنزل، أسقط الطائر حجر الرحى فوق رأسها، فسحقها حتى الموت.
سمع الأب ومارلين الصغيرة صوت الارتطام فهرعا إلى الخارج، لكن لم يريا سوى ضباب ولهب ونيران تنبثق من المكان، وبعد أن اختفت هذه الأشياء، ظهر الصبي الصغير الذي أمسك بالأب ومارلين الصغيرة من يديهما، وابتهج ثلاثتهم، ثم دخلوا المنزل، وجلسوا لتناول العشاء.