حكاية الشاب الذي سافر ليعرف معنى الخوف
يُحكى أن رجلًا كان لديه ولدان؛ الأكبر ذكي وراشد يستطيع فعل أي شيء، أما الأصغر فكان غبيًّا لا يستطيع تعلم أو فهم أي شيء، وعندما يراه الناس يقولون: «ها هو ذا الولد الذي سيوقع أباه في المشكلات!» كان الأخ الأكبر يقوم بكل المهام التي ينبغي القيام بها، لكن إذا أمره أبوه أن يحضر شيئًا في وقت متأخر أو من مكان يضطره إلى المرور بفناء الكنيسة، أو أي مكان موحش، كان يجيبه: «يا إلهي! كلا يا أبي، لن أذهب إلى هناك، فأنا أرتعد من هذا المكان!» ذلك لأنه كان يشعر بالخوف. وعندما تُروَى القصص التي تقشعر منها الأبدان بجانب المدفأة ليلًا، كان المستمعون يقولون أحيانًا: «يا إلهي! هذا يجعلنا نرتعد خوفًا!» لكن الأخ الأصغر كان يجلس في زاوية من المنزل ويستمع مع سائر المستمعين دون أن يعي ماذا يقصدون بكلامهم هذا. دائمًا ما كان يسمعهم يقولون: «هذا يجعلنا نرتعد خوفًا!» فكر الولد في نفسه: «هذا لا يجعلني أرتعد، لا بد أن هذا أيضًا علم لا أفهمه!»
ذات يوم قال له أبوه: «استمع إليّ، أنت يا من تجلس بالزاوية، لقد كبرت واشتد عودك، ولا بد أن تتعلم شيئًا تكسب به قوت يومك، انظر إلى أخيك كيف يعمل، أما أنت فلا تكسب حتى ما يكفيك شراء الملح.» قال الولد: «أجل يا أبي، لديّ رغبة قوية في أن أتعلم شيئًا ما. إذا كان الأمر هكذا، فسأتعلم كيف أرتعد، فأنا لا أعي هذا الأمر حتى الآن.» ابتسم الأخ الأكبر حينما سمع كلام أخيه، وقال لنفسه: «ربَّاه! كم هو أبله! لن يفلح في أي شيء ما دام حيًّا! من أراد أن يتعلم شيئًا، عليه تحمل الصعاب إذن!»
تنهد الأب، وقال: «ستعرف عما قريب معنى الارتعاد، لكنك لن تكسب قوت يومك بذلك.»
بعد ذلك بفترة وجيزة حضر خادم الكنيسة إلى المنزل في زيارة، وحكى له الأب عن مشكلته، وأخبره أن ابنه الصغير أحمق للغاية، ولا يعرف شيئًا، ولا يتعلم شيئًا. قال الأب: «تخيل أنني عندما سألته كيف سيكسب قوت يومه، أجابني أنه يريد أن يتعلم كيف يرتعد.» رد عليه خادم الكنيسة، وقال: «إذا كان هذا كل ما في الأمر، يمكنه أن يتعلم ذلك معي. أرسله معي، وسرعان ما سأطور قدراته.» سعِد الأب بذلك الأمر، وفكَّر في نفسه: «لعله يدربه على شيء.» لهذا أخذه خادم الكنيسة إلى منزله، وكان يتعين عليه رن جرس الكنيسة. بعد يوم أو يومين، أيقظه خادم الكنيسة في منتصف الليل، وأمره بالنهوض والصعود إلى برج الكنيسة ورن الجرس. قال خادم الكنيسة في نفسه: «سرعان ما ستعرف معنى الارتعاد.» وتسلل إلى هناك قبله. عندما وصل الولد إلى قمة البرج، واستدار، وكان على وشك الإمساك بحبل الجرس، رأي خيَالًا أبيض على السلم. صاح الولد: «من هناك؟» لكن لم يجبه أحد، ولم يتحرك الخيال من مكانه. صاح الولد: «أجبني، أو ارحل من هنا. ليس هناك ما تفعله هنا ليلًا.»
لكن ظل خادم الكنيسة واقفًا بلا حراك كي يظن الولد أنه شبح. صاح الولد للمرة الثانية: «ماذا تريد هنا؟ تحدث إذا كنت رجلًا طيبًا، وإلا سأقذف بك من فوق السلم!» فكر خادم الكنيسة في نفسه: «من المؤكد أنه لا يقصد ما يقول.» ووقف صامتًا كأنه حجر. بعد ذلك نادى عليه الولد للمرة الثالثة، لكنه لم يجبه أيضًا، فاندفع الولد تجاه الشبح ودفعه من فوق السلم، فتدحرج خادم الكنيسة فوق درجات السلم العشر، وظل راقدًا هناك في إحدى الزوايا. بعدئذ ذهب الولد، ورن الجرس، وعاد إلى حجرته، ودون أن ينطق بكلمة واحدة أوى إلى فراشه ونام. انتظرت زوجة خادم الكنيسة عودة زوجها طويلًا، لكنه لم يعد. وفي النهاية ساورها القلق، وأيقظت الولد، وسألته: «هل تعلم أين زوجي؟ فقد صعد إلى البرج قبل أن تذهب أنت.» أجابها الولد: «كلا، لا أدري، لكن كان هناك رجل يقف على السلم، ولكنه رفض التحدث ورفض الانصراف، فحسبته رجلًا شريرًا، ودفعته من فوق السلم. اذهبي إلى هناك وتحققي هل هو زوجك أم لا. سأشعر بالأسى إذا كان هو خادم الكنيسة.» ركضت الزوجة نحو البرج، وعثرت على زوجها الذي كان ممددًا في الزاوية يئن، وساقه مكسورة. فحملته إلى أسفل، ثم هرعت إلى والد الصبي وهي تصرخ بصوت عال: «لقد تسبب ابنك في كارثة! لقد دفع زوجي من فوق السلم فانكسرت ساقه، خذ ذلك الولد الذي لا خير فيه من منزلنا.» شعر الأب بالذعر، وركض إلى هناك، ووبَّخ ابنه. قال: «ما هذه الخدع الشريرة التي لا بد أن شيطانًا علَّمك إياها.» أجابه: «يا أبي! اسمعني، أنا بريء. لقد كان يقف هناك ليلًا، وبدا لي أنه ينوي ارتكاب عمل شرير. لم أكن أعلم أنه خادم الكنيسة، وطلبت منه ثلاث مرات أن يتحدث أو يرحل.» قال الأب: «آه! أنت لا تجلب لي سوى التعاسة. اغرب عن وجهي، لا أريد أن أراك ثانية.» قال الولد: «أجل يا أبي، بكل سرور، انتظر حتى طلوع النهار. حينئذٍ سأذهب لأتعلم كيف أرتعد، وحينها سأفهم على أي حال شيئًا يساعدني على كسب قوت يومي.» قال الأب: «تعلم ما شئت، فأمرك لا يعنيني. خذ هذا المال، وارتحل في العالم الفسيح، ولا تخبر أحدًا من أين أتيت، ومَن أبوك، فأنا أشعر بالخزي منك، ولي كل الحق.»
قال الولد: «حسنًا يا أبي، سأفعل ما تريد، إذا كنت لا تريد شيئًا آخر، فسأتذكر ما قلت بسهولة.» عندما طلع الفجر، وضع الولد المال في جيبه، وخرج إلى الطريق السريع، وأخذ يردد بينه وبين نفسه: «ليتني أعرف كيف أرتعد! ليتني أعرف كيف أرتعد!» فاقترب منه رجل سمعه يردد ذلك الكلام، وبعد أن سارا معًا مسافة قصيرة، رأيا مشنقة معلقًا بها سبعة رجال، قال الرجل له: «انظر، تلك الشجرة تزوج عندها سبعة رجال من ابنة صانع الحبال، والآن يتعلمون الطيران. اجلس أسفل الشجرة، وانتظر حتى حلول الليل، وسرعان ما ستتعلم كيف ترتعد.» أجابه الشاب: «إذا كان هذا هو كل ما يلزم، فالأمر يسير إذن، لكنني إذا تعلمت كيف أرتعد بهذه السرعة، فسأعطيك ما معي من مال. عد إليّ باكرًا فقط.» ثم اتجه الولد نحو المشنقة، وجلس أسفلها، وانتظر حتى حلول المساء. لما شعر بالبرد، أشعل النيران، لكن مع حلول منتصف الليل، هبت الرياح بقوة، ولم يستطع الولد تدفئة نفسه بالرغم من النيران التي أشعلها. أخذت الرياح تحرك الرجال المشنوقين وتضرب بعضهم ببعض، وأخذوا يتحركون للخلف وللأمام، ففكر الولد في نفسه: «إذا كنت أرتجف بردًا وأنا بجانب النيران، فلا بد أن الرجال المعلقين في الأعلى يتجمدون من شدة البرد!» فأشفَق عليهم، ووضع سلَّمًا، وتسلَّقه، وحل وثاقهم واحدًا تلو الآخر، فسقطوا جميعًا على الأرض. ثم ذكَّى النيران بالحطب، ونفخ فيها، وأجلسهم جميعًا حول النيران ليستدفئوا. لكنهم جلسوا دون حراك، وأمسكت النيران بملابسهم. فقال: «احترسوا، وإلا سأعلقكم ثانية.» لكن الرجال الموتى لم يسمعوه، وجلسوا في صمت تام، وأخذت ملابسهم تشتعل. فاستشاط الشاب غضبًا، وقال: «إذا لم تحترسوا، فلن أستطيع مساعدتكم، لن أحترق معكم.» وعلَّقهم مرة أخرى واحدًا تلو الآخر. ثم جلس بجانب النيران حتى غلبه النعاس. وفي صباح اليوم التالي حضر الرجل وأراد أن يأخذ المال منه، وقال: «هل عرفت كيف ترتعد؟» قال الولد: «كلا، كيف ذلك؟ لم ينطق هؤلاء الرجال المعلقون بكلمة واحدة، وكانوا أغبياء للغاية، وتركوا ملابسهم تحترق.» أدرك الرجل أنه لن يحصل على المال، فانصرف وهو يقول: «لم أر شابًّا مثله من قبل.»
شق الولد طريقه هو الآخر، ومرة أخرى بدأ يتمتم بينه وبين نفسه: «ليتني أتعلم كيف أرتعد! ليتني أتعلم كيف أرتعد!» سأله سائق عربة يسير خلفه: «من أنت؟» أجابه الشاب: «لا أدري.» فسأله سائق العربة: «من أين أتيت؟» قال: «لا أدري.» فسأله: «من أبوك؟» قال له: «لا أستطيع إخبارك بهذا.» فقال له: «بماذا تتمتم باستمرار؟» أجابه الشاب: «آه، أتمنى أن أتعلم كيف أرتعد. لم أجد من يستطيع تعليمي ذلك.» قال الرجل: «كفاك هذا الكلام الأحمق! تعال معي، وسأعثر على مأوى لك.» ذهب الشاب مع سائق العربة، وفي المساء وصلا إلى نُزُل حيث طلبا أن يمضيا الليلة هناك. وعند مدخل الردهة قال الشاب بصوت عال مرة أخرى: «ليتني أتعلم كيف أرتعد! ليتني أتعلم كيف أرتعد!» سمعه مدير النزل، فضحك، وقال: «إذا كان ذلك ما ترغب فيه، فلك فرصة جيدة هنا لتتعلم ذلك.» قالت مضيفة النزل: «اصمت، فكم من الفضوليين فقدوا حياتهم بالفعل، ومن المؤسف ألا ترى هاتان العينان الجميلتان النور مرة أخرى.»
لكن الشاب قال: «مهما كان الأمر صعبًا، فسأتعلمه؛ فقد سافرت من أجل هذه الغاية.» وأخذ يلح على مدير النزل حتى أخبره أنه بمكان ليس بعيدًا عن النزل، توجد قلعة مسكونة من يذهب إليها يتعلم بسهولة معنى الارتعاد إذا استطاع أن يمكث هناك ثلاث ليال. أخبره أيضًا أن الملك وعد من يستطيع فعل ذلك بالزواج من ابنته، وهي أجمل فتاة على وجه الأرض. توجد بالقلعة المسكونة كنوز ثمينة تحرسها أرواح شريرة، وستتحرر تلك الكنوز، وسيصبح من يحرِّر القلعة ثريًّا. ذهب إلى هناك العديد من الرجال، لكن لم يخرج منهم أحد. ذهب الشاب في صباح اليوم التالي إلى الملك، وقال: «إذا سمحت لي، أريد أن أحرس القلعة المسكونة ثلاث ليال.»
نظر الملك إليه، وأسرَّه ما قال الولد، فقال: «لك أن تطلب ثلاثة أشياء تأخذها معك إلى القلعة، لكن يجب أن تكون هذه الأشياء جمادًا.» فأجابه الشاب: «إذن أريد نارًا، ومخرطة، ولوح تقطيع معه سكين.»
أمر الملك بنقل هذه الأشياء الثلاثة إلى القلعة أثناء النهار. وعندما اقترب الليل، صعد الشاب وأشعل نيرانًا في إحدى الغرف، ثم وضع لوح التقطيع والسكين بجانبها، وجلس بجانب المخرطة. قال: «ليتني أعرف كيف أرتعد! لكنني لن أتعلم ذلك هنا.» ومع اقتراب منتصف الليل كان عليه أن يذكي النار بتحريك الحطب، وأثناء نفخه في النيران، صاح شيء ما فجأة من إحدى الزوايا: «مياو! مياو! كم نشعر بالبرد!» صاح الشاب: «أيها الحمقى! لماذا تصيحون؟ إذا كنتم تشعرون بالبرد، تعالوا واجلسوا بجانب النيران لتشعروا بالدفء.» بعد أن قال ذلك، ظهرت قطتان سوداوان كبيرتا الحجم وبقفزة كبيرة جلستا إلى جواره من الناحيتين، ونظرتا إليه بعينين ناريتين. وبعد فترة وجيزة، عندما شعرتا بالدفء، قالتا: «يا صديق، هل لنا أن نلعب الورق؟» فأجابهما: «لِمَ لا؟ لكن أروني كفوفكما.» مدَّتا إليه مخالبهما، فقال: «أوه! كم هي طويلة أظافركما! انتظرا، لا بد أن أقصَّها أولًا.» وعندئذ أمسكهما من حلقيهما، ووضعهما فوق لوح التقطيع، وثبتهما بالمسامير من أقدامهما. وقال: «لقد نظرت إلى أصابعكما، فلم أعد أرغب في لعب الورق.» وقتلهما وألقى بهما في المياه بالخارج. لكن بعد أن تخلص من القطتين، وكان على وشك الجلوس مرة أخرى بجانب النيران، خرج من كل ثقب وزاوية قطط وكلاب سوداء مقيدة بسلاسل شديدة الاحمرار، وخرج المزيد والمزيد منها حتى لم يعد يستطيع الحراك في مكانه، وأخذت القطط والكلاب تصيح وتعوي بصورة مفزعة، وانقضت على النيران، ونثرتها في كل مكان، وحاولت إطفاءها. راقبهم الشاب لحظة في هدوء، لكن في النهاية بعد أن تمادوا في أفعالهم، أمسك سكين التقطيع، وصاح: «سأتخلص منكم ومن أذاكم.» وبدأ يقطعها، فهرب بعضها، وقتل الولد البعض الآخر، وألقاه في البركة، وعندما عاد نفخ في جمرات النار مرة أخرى، واستدفأ بها. وعندما جلس، لم يعد قادرًا على البقاء متيقظًا، وشعر بالنعاس. نظر حوله، فرأى سريرًا كبيرًا في الزاوية، فقال: «هذا ما أريده بالفعل.» ثم أوى إليه. وما إن أوشك على غلق عينيه، حتى بدأ السرير يتحرك من تلقاء نفسه، ومرَّ بأرجاء القلعة كلها. قال الشاب: «لا بأس! لكن أسرع.» فبدأ السرير يتدحرج وكأن ستة خيول تجره، إلى أعلى وإلى أسفل، فوق العتبات والسلالم، وفجأة انقلب رأسًا على عقب، ووقع فوقه كالجبل. لكنه أزاح اللحاف والوسادات بعيدًا، ونهض، وقال: «الآن من يُرِد أن يقود السرير، فليقُدْه.» ورقد بجوار النيران، ونام حتى طلوع النهار. في الصباح حضر الملك وعندما رآه ممددًا على الأرض، فكر أن الأرواح الشريرة قتلته وأنه ميت. فقال: «إنه لشيء مؤسف لهذا الشاب الوسيم.» سمع الشاب ما قاله الملك، فنهض، وقال: «لم يصل الأمر إلى ذلك الحد بعد.» اندهش الملك، لكنه فرح كثيرًا، وسأله عن كيف سارت الأمور معه، فأجابه: «سارت على ما يرام، لقد مرت ليلة، وستمر الليلتان التاليتان مثلها.» ثم ذهب إلى مدير النزل الذي اتسعت عيناه عندما رآه، وقال له: «لم أتوقع أن أراك حيًّا مرة أخرى! هل تعلمت كيف ترتعد؟» قال الشاب: «كلا، كان ذلك دون جدوى، ليت شخصًا يعلمني كيف أرتعد!»
في الليلة الثانية ذهب الشاب إلى القلعة العتيقة، وجلس بجوار النيران، وبدأ يردد مرة أخرى الكلمات: «ليتني أتعلم كيف أرتعد!» وعندما حل منتصف الليل، سمع صخبًا وضجيجًا. كان الصوت خافتًا في البداية، لكنه أخذ يعلو ويعلو، ثم هدأ قليلًا، وفي النهاية دوت صرخة عالية، وسقط أمامه نصف رجل من المدخنة، فصاح الشاب: «مرحبًا! أين نصفك الآخر؟ هذا لا يكفي.» بدأت أصوات الضجيج تدوي ثانية. دوَّت أصوات زئير وعواء، وسقط النصف الآخر. قال: «انتظر، سأضع مزيدًا من الحطب لتذكية النيران لتشعر بالدفء.» بعد أن فعل ذلك نظر حوله، فوجد أن النصفين التأما، وجلس رجل دميم فوق مقعد الشاب. قال الشاب: «لم نتفق على هذا، فهذا المقعد يخصني.» أراد الرجل دفعه بعيدًا، لكن الشاب لم يكن ليسمح بذلك، فدفعه بكل قوته بعيدًا، وجلس مرة أخرى مكانه. سقط المزيد من الرجال عبر المدخنة، واحدًا بعد الآخر، وأحضروا تسع أرجل وجمجمتين، ثم وضعوها ولعبوا لعبة الكرة والقناني التسع بها. أراد الشاب اللعب معهم، وقال: «اسمعوا، أود أن ألعب معكم.» قالوا: «لا بأس، إذا كان معك نقود.» أجاب: «معي ما يكفي من النقود، لكن كراتكم ليست مستديرة تمامًا.» ثم أمسك بالجمجمتين ووضعهما في المخرطة حتى أصبحتا مستديرتين. وقال: «الآن، ستتدحرجان بصورة أفضل!» قالوا: «مرحى! الآن سنحظى بالمتعة!» لعب الشاب معهم، وخسر بعض نقوده، لكن عندما دقت الساعة الثانية عشرة، اختفى كل شيء من حوله. فرقد على الأرض واستغرق في النوم. وفي صباح اليوم التالي حضر الملك ليتفقده. سأله الملك: «كيف سارت الأمور معك هذه المرة؟» أجابه: «كنت ألعب لعبة الكرة والقناني التسع، وخسرت بعض نقودي.» سأله: «ألم ترتعد بعد؟» أجابه: «ماذا؟ لقد أمضيت وقتًا رائعًا! ليتني أعرف معنى الارتعاد!»
وفي الليلة الثالثة جلس مرة أخرى فوق مقعده، وقال في حزن عميق: «ليتني أعرف كيف أرتعد!» وعندما حلَّ الليل حضر ستة رجال طوال القامة ومعهم نعش. فقال: «آه! لا بد أن هذا ابن عمي الصغير؛ فقد مات منذ بضعة أيام.» ثم أشار بإصبعه، وقال: «تعال يا ابن عمي، تعال.» وضع الرجال الستة النعش على الأرض، واتجه الشاب إليه وأزاح الغطاء، فوجد رجلًا ميتًا داخل النعش. تحسس وجهه، فوجده باردًا كالثلج. قال الشاب: «انتظر، سأدفئك قليلًا.» واتجه إلى النار، وأدفأ يديه، ثم ذهب ووضعها فوق وجه الرجل الميت، لكنه ظل باردًا، فأخرجه من النعش، وجلس بجانب النار، وضمَّه إلى صدره، ودلَّك ذراعيه حتى يجري الدم فيهما، لكن لم يُجدِ ذلك نفعًا أيضًا، ففكر في نفسه: «عندما ينام شخصان في سرير واحد، يُدفئ أحدهما الآخر.» فحمله إلى السرير، ووضع عليه الغطاء ورقد بجواره، وبعد فترة وجيزة أصبح جسد الرجل الميت دافئًا أيضًا، وبدأ يتحرك. فقال الشاب: «أرأيت يا ابن عمي؟ لقد نجحت في تدفئة جسدك!» نهض الرجل، وصاح: «الآن سأخنقك.» قال الشاب: «انتظر، أبهذه الطريقة تشكرني؟ ستذهب على الفور إلى نعشك مرة أخرى.» وحمله، وألقاه داخل النعش، وأغلق الغطاء. بعد ذلك حضر ستة رجال، وحملوا النعش بعيدًا. قال الشاب: «لا أستطيع الارتعاد، لن أتعلم هذا الأمر هنا ما دمت حيًّا.»
بعد ذلك دخل رجل كان أطول من البقية، وبدا دميم الخلقة. كان عجوزًا وله لحية بيضاء طويلة، وصاح: «أيها البائس، ستتعلم سريعًا معنى الارتعاد، فسوف تموت.» أجاب الشاب: «ليس بهذه السرعة. إذا كنت سأموت، فيجب أن يكون ذلك بموافقتي.» قال العجوز: «سأمسك بك سريعًا.» قال الشاب: «هوِّن عليك، دعك من التباهي. فأنا قوي مثلك، وربما أقوى منك.» قال العجوز: «سنرى، إذا كنت أقوى مني، دعنا نذهب ونرَ.» بعد ذلك قاده العجوز عبر ممرات مظلمة إلى دكان حدَّاد، وأمسك فأسًا، وبضربة واحدة هشَّم سِنْدان الحداد. قال الشاب: «أستطيع فعل ما هو أفضل من ذلك.» واتجه إلى السندان الآخر. اقترب الرجل ليرى ماذا سيفعل الشاب، وكانت لحيته البيضاء على مقربة، فأمسك الشاب بالفأس وشطر السندان إلى نصفين بضربة واحدة، وعلِقت لحية العجوز تحت الفأس. قال الشاب: «الآن تمكنت منك، حان دورك لتموت.» ثم أمسك بقضيب حديدي، وضرب الرجل حتى توجع، وتوسل إليه أن يتوقف مقابل أن يقدم له كنوزًا كثيرة. سحب الشاب الفأس، وحرر العجوز الذي قاده مرة أخرى إلى القلعة، ودلَّه على ثلاث خزانات ممتلئة بالذهب في القبو، وقال له: «ثلث للفقراء، وثلث للملك، وثلث لك.» في غضون ذلك دقت الساعة الثانية عشرة، واختفى العجوز، ووقف الشاب في الظلام. قال: «سأتمكن من العودة إلى مكاني مرة أخرى رغم الظلام.» وتحسس طريقه حتى وجد ممرًّا قاده إلى الحجرة، ونام هناك بجانب نيرانه.
في صباح اليوم التالي حضر الملك، وقال: «لا بد أنك تعلمت الآن كيف ترتعد؟» أجابه: «كلا، وكيف ذلك؟ لقد حضر ابن عمي المتوفى، وحضر رجل ذو لحية طويلة، ودلَّني على مكان بالأسفل توجد به الكنوز، لكن لم يخبرني أحد بمعنى الارتعاد.» قال الملك: «إذن، لقد أنقذت القلعة، وستتزوج ابنتي.» قال الشاب: «عظيم، لكنني ما زلت لا أعلم معنى الارتعاد!»
أُحضر الذهب، وأقيم حفل الزفاف، لكن بالرغم من حبه الكبير لزوجته، وبالرغم من السعادة التي عاش فيها، ظلَّ يقول: «وا حسرتاه! ليتني أعرف معنى الارتعاد! ليتني أعرف معنى الارتعاد.» أثار هذا الأمر غضب زوجته، فقالت لها خادمتها: «سأعثر على دواء له، وسيعلم عما قريب معنى الارتعاد.» ثم ذهبت إلى النهير الذي يمر عبر الحديقة، وأحضرت دلوًا ممتلئًا بالأسماك. وفي الليل أثناء نوم الملك الشاب، نزعت زوجته عنه ملابسه، وسكبت الدلو الممتلئ بالمياه الباردة والأسماك فوقه، وانتشرت الأسماك من حوله. فاستيقظ الشاب وصاح: «يا إلهي! ما الذي يجعلني أرتعد هكذا؟ ما الذي يجعلني أرتعد هكذا يا زوجتي العزيزة؟ آه! الآن أدركت معنى الارتعاد!»