الوردة البرية
كان فيما كان ملك وملكة يحكمان بلدًا بعيدًا في وقت تعيش فيه بعض الجنيات. كان الملك والملكة يملكان الكثير من المال والملابس الرائعة، والطعام والشراب الشهيين، وعربة يركبانها كل يوم، لكن لم يكن لديهما أطفال مع أنهما متزوجان منذ مدة طويلة، وهو الأمر الذي أحزنهما كثيرًا بالطبع. وفي يوم من الأيام بينما كانت الملكة تسير بجانب النهر في طرف الحديقة، رأت سمكة صغيرة مسكينة ألقت بنفسها خارج المياه، ورقدت تلهث وتوشك على الموت على حافة النهر. التقطت الملكة السمكة الصغيرة، وألقتها في النهر؛ وقبل أن تسبح بعيدًا، رفعت رأسها خارج المياه، وقالت: «أعرف أمنيتك وسوف تتحقق مقابل عطفك عليّ: ستُرزقين قريبًا بطفلة.» ما تنبأت به السمكة الصغيرة تحقق سريعًا، وأنجبت الملكة طفلة صغيرة فائقة الجمال حتى إن الملك لم يستطع التوقف عن النظر إليها ابتهاجًا بها، وقال إنه سيقيم حفلًا ضخمًا يحتفل فيه، وسيُري الطفلة الصغيرة الأرض كلها. لذا دعا الأقارب والنبلاء والأصدقاء والجيران، لكن الملكة قالت: «سأدعو الجنيات أيضًا، لعلهن يظهرن محبة وطيبة لابنتنا الصغيرة.» كان في المملكة ثلاث عشرة جنية، لكن لم يكن لدى الملك والملكة سوى اثني عشر صحنًا ذهبيًّا لهن ليأكلن فيها، لذا اضطر الملك والملكة إلى عدم دعوة إحداهن. حضرت اثنتا عشرة جنية ترتدي كل واحدة قبعة حمراء فوق رأسها وحذاء أحمر له كعب عال في قدميها، وتمسك بعصا السحر في يدها، وبعد أن انتهى الحفل، تجمعت الجنيات في دائرة، وقدمن أفضل هداياهن للأميرة الصغيرة. منحتها إحداهن الطيبة والثانية الجمال والثالثة الثروة … وهكذا، حتى حظيت الأميرة بكل ما هو جميل في العالم.
وما إن انتهت إحدى عشرة جنية من مباركة الطفلة حتى سُمع ضجيج كبير في الفناء، وانتشر خبر أن الجنية الثالثة عشرة قادمة ترتدي قبعة سوداء فوق رأسها وحذاء أسود في قدميها وتمسك بعصا مقشة، وسرعان ما دخلت إلى صالة الطعام. ولأنها لم تُدع لحضور الحفل كانت غاضبة للغاية، ووبخت الملك والملكة بشدة، وشرعت في الانتقام منهما، لذا صاحت قائلة: «سيتسبب مغزل في جرح ابنة الملكة في عامها الخامس عشر وستموت.» تقدمت بعد ذلك الجنية الثانية عشرة من الجنيات الطيبات التي لم تكن قدمت هديتها بعد، وقالت إن الأمنية الشريرة لا بد أن تتحقق لكن بإمكانها تخفيف حجم الضرر، لذا كانت هديتها لابنة الملك أنها لن تموت عندما يجرحها المغزل، ولكن تنام فقط مئة عام.
إلا أن الملك تمنى أن ينقذ ابنته العزيزة تمامًا من الأذى المنتظر، لذا أمر بجمع كل المغازل الموجودة بالمملكة وإحراقها. في غضون ذلك تحققت كل أمنيات الإحدى عشرة جنية؛ إذ كانت الأميرة رائعة الجمال وحسنة الخلق وطيبة وحكيمة حتى إن كل من يقابلها كان يقع في حبها.
وفي اليوم الذي أتمت فيه الأميرة عامها الخامس عشر، لم يكن الملك والملكة بالمنزل وتُركت الأميرة وحدها في القصر. لذا تجولت وحدها، وتفقدت كل الغرف والحجرات حتى وصلت في النهاية إلى برج قديم يوجد به سلم ضيق يؤدي إلى باب صغير. كان بالباب مفتاح ذهبي، وعندما أدارت المفتاح انفتح الباب، وإذا بسيدة عجوز تغزل بهمة، قالت الأميرة: «يا إلهي! ما هذا أيتها الأم الطيبة؟ ماذا تفعلين هنا؟» قالت العجوز: «أغزل»، وأومأت برأسها، وهي تهمهم وتدير العجلة. قالت الأميرة: «إن هذا الشيء الصغير يدور على نحو جميل!» وأخذت المغزل وبدأت في المحاولة والغزل، لكن ما إن لمست المغزل حتى تحققت نبوءة الجنية، فتسبب المغزل في جرحها، وسقطت فوق الأرض فاقدة الوعي.
لكنها لم تمت، بل استغرقت في نوم عميق. أيضًا نام الملك والملكة اللذان كانا قد عادا إلى المنزل، وجميع أفراد البلاط الملكي، والخيل في الإسطبل، والكلاب في الفناء، والحمام على سطح المنزل، بل نام الذباب فوق الجدران، وتوقفت النيران في المدفأة عن التوهج وخمدت، وتوقف السيخ الذي كانت تُشوى حوله إوزة لتقدم في عشاء الملك، أما الطاهي الذي كان في تلك اللحظة يشد الخادم الصغير من شعره ليلكمه في أذنه لأنه ارتكب خطأ، فقد أفلته ونام كل منهما، ونام كبير الخدم الذي يتذوق الخمر خلسة والإبريق عند شفتيه، وهكذا تجمد الجميع في أماكنهم، واستغرقوا في نوم عميق.
سرعان ما نما سياج من الأشواك حول القصر، وأخذ يزداد ارتفاعًا وسمكًا كل عام، وطوق القصر القديم حتى اختفى القصر وتعذرت رؤية سطحه ومداخنه. لكن انتشر خبر في البلاد كلها أن هناك وردة برية نائمة (سميت ابنة الملك بهذا الاسم). ومن حين إلى آخر جاء العديد من أبناء الملوك، وحاولوا اجتياز السياج ليصلوا إلى القصر. لكن لم يتمكن أي منهم من فعل ذلك، إذ كانت الأشواك والشجيرات تمسك بهم وكأن بها أيادي، ومن ثم يتجمدون في مكانهم ويموتون موتة بائسة.
وبعد عدة سنوات حضر ابن أحد الملوك إلى هذا البلد، وأخبره رجل عجوز بقصة الأشواك، وأن خلفها قصر جميل، وحكى له عن مدى جمال الأميرة التي تدعى الوردة البرية والتي ترقد في نوم عميق داخل القصر بصحبة كافة أفراد البلاط الملكي. أخبره أيضًا بما سمعه من جده أن العديد من الأمراء حضروا إلى هنا، وحاولوا اجتياز السياج، لكنهم كانوا يتجمدون مكانهم ويموتون. قال الأمير الشاب: «لكن لن يخيفني كل هذا، سأذهب لأرى الوردة البرية.» حاول الرجل العجوز منعه، لكنه كان مصممًا على الذهاب.
وفي ذلك اليوم تحديدًا انتهت مدة المئة عام؛ وعندما وصل الأمير إلى السياج لم ير شيئًا سوى شجيرات مزدهرة جميلة مر بينها بسهولة، ولكنها انغلقت خلفه، وعادت كما كانت من قبل.
بعد ذلك وصل في النهاية إلى القصر، كانت الكلاب نائمة في الفناء والخيل واقفة في الإسطبل، والحمام بالسطح مستغرق في نوم عميق. رءوسه تحت أجنحته. وعندما دخل القصر، كان الذباب نائمًا على الجدران وقضيب الشواء متوقفًا، وكبير الخدم يضع إبريقًا من الخمر على شفتيه ليشرب رشفة منه، والخادمة تجلس وفي حِجرها دجاجة جاهزة لنتف ريشها، والطاهي بالمطبخ لا يزال رافعًا يده وكأنه ينوي ضرب الولد.
واصل الأمير السير، كان كل شيء جامدًا بلا حراك حتى إنه تمكن من سماع أنفاسه، وأخيرًا وصل إلى البرج القديم، وفتح باب الغرفة الصغيرة التي توجد بها الوردة البرية. كانت ترقد هناك غارقة في النوم فوق أريكة بجوار النافذة. بدت جميلة للغاية حتى إنه لم يستطع التوقف عن النظر إليها، لذا انحنى الأمير، وطبع على وجهها قُبلة.
وفي اللحظة التي قبَّلها فيها فتحت عينيها، واستيقظت، وابتسمت له، وذهبا معًا. وسرعان ما استيقظ الملك والملكة وكل أفراد البلاط الملكي وحدق بعضهم في وجه بعض في دهشة كبيرة.
ارتجفت الخيل واستيقظت، وقفزت الكلاب ونبحت، وأخرج الحمام رأسه من تحت أجنحته ونظر حوله وحلق في الحقول، وأصدر الذباب على الجدران أزيزه، واشتعلت نار الموقد بالمطبخ، ودار سيخ الشواء التي التفت حوله الإوزة من أجل عشاء الملك، وأنهى كبير الخدم رشفته من إبريق الخمر، وواصلت الخادمة نتف ريش الدجاجة، ولَكَمَ الطاهي الصبي في أذنه.
تزوج الأمير الوردة البرية، وأقيم حفل الزفاف، وعاشا في سعادة معًا بقية حياتهما.