الشياطين يسمعون أغرب تقرير!
كان اليوم شديد الحرارة، ورغم أنَّ المقر السري، يتمتع بتكييف مركزي إلا أنَّ الشياطين فكروا في البحر بسرعة.
قالت «إلهام»: إن قضاء اليوم، في السباحة والغطس، يعتبر شيئًا رائعًا!
ردت «زبيدة»: إذن، هيا إلى حمَّام السباحة!
ابتسمت «إلهام» وهي تقول: لا أظن اليوم يحتاج إلى حمام السباحة، إنَّ البحر هو المكان الملائم!
ألقت نظرةً على الشياطين الذين كانوا يراقبون ما يدور، دون أن يعلق أحدهم.
قالت «زبيدة»: نأخذ الأصوات.
أسرع «بو عمير» يقول: أعتقد أنَّ «إلهام» سوف تخسر، وسوف تفوز «زبيدة» بأصوات الشياطين جميعًا.
ثم ضحك ضحكةً خافتة، وأضاف: وربما فازت بصوت «إلهام» أيضًا.
ضحك بقية الشياطين لما قاله «بو عمير»، غير أنَّ «إلهام» قالت مرةً أخرى: ومع ذلك سوف نأخذ الأصوات!
نظرت إلى «ريما»، ثم إلى «هدى»، وقالت: فلنبدأ؛ حمَّام أم بحر؟
ابتسمت «ريما»، وقالت: حمَّام!
نظرت إلى «هدى» التي ابتسمت قائلة: أفضل البحر!
هتف الشياطين ضاحكين، وقال «عثمان»: لقد خذَلَتك «ريما»، وأنت تعتمدين على أصوات الفتيات!
أسرع «أحمد» قائلًا لينقذ الموقف: إنني مع «إلهام»!
صاح «خالد»: لقد كسبت صوتًا مهمًّا!
وتوالت الأصوات حتى النهاية، لكن «إلهام» كانت هي الفائزة بالعدد الأكبر من الأصوات. ولذلك، تقرر أن يبدأ الشياطين رحلتهم إلى البحر، الذي لا يبعد عن المقر كثيرًا.
وقبل أن تتحرك سيارات الشياطين، كان رقم «صفر» قد أرسل تعليماتٍ إليهم، بأنَّه قد يحتاجهم، وربما يكون هناك تحركٌ سريع اليوم، أو الليلة. ولذلك، فقد قطع الشياطين المسافة بين المقر والبحر، في دقائق؛ حتى يستطيعوا قضاء بعض الوقت على الشاطئ، وعندما وصلوا إلى هناك، أسرعوا يغادرون سياراتهم ويلقون بأنفسهم في المساحة الزرقاء الواسعة، التي كانت هادئة تمامًا، دون أي موجة.
بعد قليل، اجتمعوا، وكَوَّنوا فريقين، وحكمًا. قام «أحمد» بدور الحكم، ووقف بين الفريقين، اللذين كانا قد استعدا لمباراةٍ في كرة الماء، أطلق «أحمد» صفارة البداية، فقذف «بو عمير» الكرة إلى «قيس»، الذي أسرع فقذف بها إلى «هدى». وتوالت الهجمات بين الفريق الأحمر الذي يمثله «بو عمير» و«قيس» و«هدى» و«باسم» و«مصباح» و«ريما»، والفريق الأبيض الذي يمثله «فهد» و«خالد» و«إلهام» و«عثمان» و«زبيدة» و«رشيد». كانت مباراةً حامية، انتهت بانتصار الفريق الأبيض.
ومع نهاية المباراة أسرعوا إلى «الشماسي» التي ترتفع بجوار السيارات، ودارت علب المثلجات، ثم بدأت مباراة أخرى في الشطرنج. وقف «أحمد» أيضًا حكمًا، وظل الفريقان كما هما، كانت شروط المباراة أن يشترك كل فريق في المباراة، فيصبح من حق أعضاء الفريق أن يشتركوا في «نقلة» الملك أو الفيل، أو الطابية فقط، دون بقية الأحجار الأخرى، وهكذا وقفوا في تحفُّز. كانت مباراةً حامية، وكان الفريقان متساويَين تقريبًا؛ ولذلك مضت ساعة، والمباراة لم تنتهِ.
قال «أحمد» ضاحكًا: يمكن أن نظل هنا عدة أيام حتى تنتهي المباراة.
ضحك «قيس» قائلًا: ما دمنا بلا عمل، فالمباراة مستمرة، حتى المغامرة القادمة.
ولم يكد ينتهي من جملته، حتى ضجَّ الشياطين بالضحك، فقد انتهت المباراة فعلًا … فقد وصلت رسالةً من رقم «صفر»، من خلال إشارةٍ متقطعة داخل سيارة «أحمد»، تدعو الشياطين لاجتماعٍ سريع.
أسرع الشياطين يجمعون أشياءهم، ويطوون الشماسي.
وخلال دقائق، كانت السيارات تأخذ طريقها إلى المقر السري. وهناك، أسرع كلٌّ منهم إلى حجرته، حتى يستطيع أن يأخذ حمَّامًا؛ ليكون جاهزًا في انتظار الاجتماع، في حجرة «أحمد» كانت شاشة التليفزيون تسجل: الاجتماع بعد نصف ساعة!
نظر في ساعة يده، كانت الثانية عشرة تمامًا. قال في نفسه: لا بأس، لا يزال الوقت مبكرًا.
قفز إلى الدش، وضغط زرًّا فيه، فانطلقت المياه الباردة تغطيه، وقف مستمتعًا ببرودة الماء، لكنه ابتسم لنفسه قائلًا: يمكن أن تمر النصف ساعة وأنا هنا، تحت الدش!
قفز خارج الماء، بعد أن أوقف تدفقه. وفي دقائق، كان قد ارتدى ثيابه، وأصبح جاهزًا للاجتماع، نظر في ساعة يده، كانت لا تزال هناك عشر دقائق، رفع سماعة التليفون وتحدث إلى «بو عمير». استمع قليلًا ثم ابتسم، وقال: أظنُّ أنَّ المسألة غير ذلك تمامًا، فكلمات الصباح مختلفة، وتعني أشياء أخرى!
ظلا يتحدثان قليلًا، حتى قال «أحمد»: لقد أوشك موعد الاجتماع، إلى اللقاء هناك.
وضع السماعة، ثم أخذ طريقه إلى الخارج، في نفس اللحظة، كان الشياطين يغادرون حجراتهم، في طريقهم إلى قاعة الاجتماعات.
كان مكان الاجتماع في القاعة الكبرى، التي كانت تغرق في ضوءٍ هادئ.
دخل الشياطين الواحد بعد الآخر، وعندما استقروا في مقاعدهم. ظهرت الخريطة الإليكترونية، كانت الخريطة للعالم كله بقاراته الخمس، وظل الشياطين ينظرون إليها، في انتظار أن يتحدد مكان معين للمغامرة، إلا أنَّ خريطة العالم ظلت كما هي … فكر الشياطين: هل يمكن أن يكون العالم كله، هو ساحة المغامرة الجديدة؟ وهل يستطيع الشياطين تغطية العالم في وقتٍ واحد؟ نظروا إلى بعضهم فيما يشبه التساؤل، دون أن ينطق أحدهم بكلمة … في نفس الوقت كانوا ينتظرون صوت رقم «صفر» الذي يأتيهم دائمًا، كلَّما ترددوا أمام موقف، إلا أن صوت رقم «صفر» لم يأتِ ككل مرة.
همس «بو عمير»: ما رأيكم؟
ردَّ «عثمان»: إنَّ الرأي سوف يتحدد عندما يتحدث الزعيم!
غرقوا في الصمت مرةً أخرى، ولا تزال أعينهم على الخريطة. فجأة لمع سهمٌ أحمر، خرج من مياه المحيط الهندي، ثم دار دورةً كاملة غطى فيها قارة آسيا الواسعة، أكبر القارات. لحظة، ثم ظهر سهمٌ آخر بنفس اللون من المحيط الأطلنطي، واحتوى قارة أفريقيا. ترددت نظرات الشياطين، فهل تكون القارتان، مسرحًا للمغامرة؟ لكن فجأة، انطلق سهمٌ ثالث فغطى قارة أوروبا، ثم رابعٌ فغطى الأمريكتين، وخامسٌ غطى قارة أستراليا الصغيرة. الآن تأكد للشياطين أنَّ المغامرة القادمة، هي أقوى المغامرات التي قاموا بها، حتى إنَّ «إلهام» قالت: يبدو أنَّ الشياطين سوف يشتركون جميعًا في مغامرةٍ واحدة.
لمعت أعينهم جميعًا، فهم كالعادة يفرحون للمغامرات، غير أنَّ ما حدث جعلهم يزدادون دهشة، لقد لمعت دائرة حمراء حول مدينة «لندن». دارت الدائرة عدَّة مرات، حتى صبغت المدينة وغطتها تمامًا.
فهتفت «زبيدة»: إنَّها لندن، إذن!
في نفس اللحظة، جاء صوت رقم «صفر» هادئًا يقول: نعم، إنَّها «لندن»، وإن كانت الأحداث تغطي العالم كله!
انتهت كلمات رقم «صفر»، فالتقت أعين الشياطين، فهم لم يفهموا ماذا تعني هذه الكلمات … وإن كان «أحمد» قد ابتسم، حتى إنهم نظروا إليه، فقد عرفوا أنَّه فهم شيئًا.
قال «أحمد» بسرعة: لا تتعجلوا، فسوف نعرف كل شيء الآن!
مع نهاية كلمات «أحمد» كان صوت أقدام رقم «صفر» يتردد مقتربًا، حتى إنَّ الشياطين قد اعتدلوا في مقاعدهم، في انتظار ما فكروا فيه طويلًا، دون نتيجة. ظلت أقدام الزعيم تقترب، حتى توقفت، ثم رحب بهم، وسكت لحظة. قال بعدها: نحن الآن أمام مغامرةٍ من نوعٍ جديد.
سكت قليلًا ثم أضاف: إنَّنا أمام «الرجل العنكبوت»، مرت لحظة صامتة. كان الشياطين يفكرون خلالها في هذه التسمية الغريبة، إلا أن صوت الزعيم، قطع استغراقهم في التفكير عندما قال: أنتم تعرفون طبيعة العنكبوت، إنَّه يمتد بخيوطه الرقيقة الدقيقة إلى كل مكان. في نفس الوقت فهو حشرةٌ صغيرة، لكن لها هذا الامتداد الكبير، وأنتم تعرفون أيضًا أنَّ هناك نوعًا سامًّا من العناكب، وهو يستطيع أن يوقع بفريسته بسهولة. فهو ينصب لها الشراك الرقيقة الدقيقة، فتقع فيها، وكلما حاولت أن تتخلص منه، ازداد وقوعها فيها. وببساطةٍ إنَّه ينفث سمومه، فيقضي عليها دون جهد … إنَّ «الرجل العنكبوت» الذي أمامنا هذه المرة، أخطر ملايين المرات من العناكب الطبيعية؛ لأنه يلعب بمصير البشرية كلها، وعندما ظهرت أمامكم الخريطة تضمُّ العالم كله، فإنَّ هذا يعني أنَّه يمد خيوطه وسمومه إلى كل قارات الدنيا.
كانت هذه الكلمات أكثر إثارة من أي شيءٍ آخر، فهذه شخصيةٌ غريبة يسمعون عنها لأول مرة.
قال رقم «صفر»: إنَّ «سام سترونج»، وهذا هو اسمه، يشبه حشرة العنكبوت فعلًا، فهو ضئيل الحجم، ولكنه قوي التأثير بلا حدود.
سكت لحظةً، سمع الشياطين خلالها صوت أوراق.
ثم قال: إنَّني سوف أقرأ لكم جزءًا من التقرير الذي وصلَنا من عددٍ من عملائنا في جميع أنحاء العالم، حيث يمتد نفوذ وتأثير «سام سترونج» أو «الرجل العنكبوت» …
يقول التقرير: إنَّ نشاط هذا الرجل، وأبعاد شخصيته الشديدة التعقيد والغموض، يجعله رجلًا من أخطر رجال هذا العصر، فهو يتربع على قمة أخطر سوق في العالم، وهو «سوق السلاح». إنَّه يجلس هادئًا خلف مكتبه في «لندن»، رغم أنَّ تجارته هي أخطر أنواع التجارة، فهو يتاجر في الخراب والدمار.
سكت رقم «صفر» وأعطى فرصةً للشياطين حتى يفكروا فيما سمعوه. كانوا فعلًا مستغرقين فيما سمعوه؛ لأنَّهم يسمعون لأول مرةٍ عن شخصيةٍ أسطورية … بعد قليل، جاء صوت الزعيم يقول: سوف أقرأ لكم جزءًا آخر من تقريرٍ ثانٍ، عن «سام سترونج» أو «الرجل العنكبوت». يقول التقرير: إنَّ أحدًا في العالم، لا يستطيع أن يغوص إلى أعماق ذلك الرجل، فكل الذين قابلوه أكدوا أنَّه رجلٌ شديد الأدب، شديد الكرم، ناعم الصوت، هادئ الضحكات … لا يدخن، ولا يشرب حتى القهوة. يرتدي ملابس الحداد دائمًا، وقد سُئل مرةً عن سبب ارتدائه لملابس الحداد، فكان ردُّه: إنَّني حزينٌ من أجل البشرية.
والحقيقة أنَّه أحد أسباب الكوارث التي تتعرض لها البشرية، وأحد الذين يهددون مصير العالم. لقد ظل «سام سترونج»، طوال ثلاثين سنة، يُتاجر في بضاعةٍ اسمها: الموت بمنتهى الشرف والأمانة.
سكت رقم «صفر» مرةً أخرى. في نفس الوقت ترددت صفارةٌ متقطعة، عرف الشياطين أنَّها رسالة إلى رقم «صفر»؛ ولذلك قال: سوف أترككم بعض الوقت.
تردَّد صوت أقدامه مبتعدًا، في نفس الوقت، الذي التقت فيه أعين الشياطين وقد ملأتها الدهشة، فإنَّ ما يسمعوه يعتبر شيئًا غريبًا فعلًا.