تفاصيلٌ مثيرة عن «الرجل العنكبوت»!
كانت الجملة الأخيرة التي قرأها «رقم صفر» من التقرير، مدعاة للتأمل. إنَّ الجملة تقول: إنَّ «سام سترونج» يتاجر في الموت، بمنتهى الشرف والأمانة!
قال «بو عمير»: هل لاحظتم هذا التعبير الغريب، تجارة الموت بمنتهى الشرف والأمانة؟
ردَّ «قيس»: طبعًا إنَّ «سام سترونج» لا يهمه ما يحدث، إنَّ ما يهمه أن يكسب، حتى لو كان مكسبه على حساب أرواح البشر جميعًا.
تردَّد صوت أقدام رقم «صفر»، فصمت الشياطين.
مرَّت لحظاتٌ، قبل أن يتوقف صوت الأقدام. وعندما توقفت جاء صوت الزعيم مرَّةً أخرى: سوف أستمر في قراءة التقارير لكم، حتى إذا كان هناك ما يحتاج إلى مناقشة، ناقشناه معًا، قبل أن تنطلقوا في مغامرتكم الجديدة.
توقف لحظةً ثم أضاف: إنَّكم أمام عدوٌ يملك كل أسلحة الدمار. سوف أقرأ لكم وصفًا لمكتبه في لندن، حيث يدير من هناك تجارته الغريبة. المكتب مؤثث أفخر أنواع الأثاث، وبطول الحائط تمتد خريطة العالم كله، وهي مغطاةٌ بكثيرٍ من العلامات والرموز والألوان، التي تشير إلى المناطق الملتهبة في العالم، فهناك مناطق الحروب، والثورات والتمرد والانقلابات والاضطرابات الداخلية … وهناك المناطق التي تنتظر دورها. وعلى يسار هذه الخريطة مدفع، وعلى يمينها قطعة سلاح أثرية، وأمامه مباشرة لوحة كُتب عليها: إنَّ الأسلحة الصغيرة ما زالت هي الأدوات المثالية للقتل.
أما في داخل مخزنه الضخم، فتوجد آلاف القطع من الأسلحة من كل نوع، والمخزن يوجد في «منشستر» في قلب إنجلترا، وهو مكونٌ من ستة طوابق، تضم بنادق ومدافع رشاشة، ومدافع سريعة الطلقات، ومدافع حارقة. وكلها مُجهزة للشحن إلى مختلف أنحاء العالم، بعضها سوف يُرسَل إلى أفغانستان، حيث دهمت روسيا بلدًا إسلاميًّا، وبعضها إلى أمريكا اللاتينية حيث الاضطرابات لا تنتهي، وبعضها إلى دول الخليج لإثارة القلاقل هناك.
توقف رقم «صفر» عن القراءة. في الوقت الذي كان فيه الشياطين مستغرقين تمامًا في الاستماع، فقد كان ما يسمونه شيئًا لا يمكن أن يخطر لأحدٍ على بال.
مرةً أخرى، جاء صوت الزعيم: لعلكم ترون خطورة «سام سترونج» توقف لحظةً، ثم أضاف: إنَّ المكان يبدو غريبًا، وكأنَّه مكانٌ مسحور. إنَّ هناك عشرات الكاميرات السحرية، تراقب كل حركةٍ داخل المكان وخارجه، وهناك غرفة عمليات ترصد من خلال الكاميرات السحرية، كل شيء.
سكت قليلًا ثم قال: وداخل هذا المخزن الغريب يوجد ميدان الرماية، لتجربة أنواع الأسلحة والطلقات. وفي الوقت الذي ترنُّ فيه الطلقات داخل المخزن، لا يُسمع أيُّ صوتٍ خارجه، فهو يبدو، وكأنَّه مكانٌ مهجور.
توقف رقم «صفر» عن القراءة، وسمع الشياطين صوت أوراق تُقلب، ثم جاء صوته بعد قليل: إنَّ أمامي إحصائية مثيرة تمامًا، أعدَّها قسم الأبحاث بالمقرِّ السري، تقول الإحصائية: إنَّ العالم لم يمر عليه سوى ٢٦ يومًا فقط بلا قتال، منذ الحرب العالمية الثانية، قد انتهت بهزيمة ألمانيا وإيطاليا واليابان عام ١٩٤٥م، أي إنَّه خلال ٣٩ عامًا، لم يتوقف القتال سوى ٢٦ يومًا فقط، أمَّا بقية السنوات؛ فقد كانت صراعًا بين جيوشٍ وحكومات وثوار ومتمردين وأعداء، وكما تذكر الإحصائية فقد وقعت ١٥٠ حربًا وثورة وتمردًا وانقلابًا، وقُتل ما يقرب من ٢٥ مليون إنسان.
صمت رقم «صفر» بينما كان الشياطين يتابعون تلك الإحصائية الغريبة، إلا أنَّ صوته قطع تفكيرهم، فقد أضاف: إنَّ سام سترونج، أو «الرجل العنكبوت»، ما زال سعيدًا؛ لأنَّه يترجم حماقة الإنسان إلى دولارات، تضاف إلى رصيده في البنوك.
غطى الصمت القاعة عندما توقف رقم «صفر» مرةً ثانية … ومرت الدقائق ثقيلة. إنَّ الشياطين قد شعروا أنَّ «سام سترونج» رجلٌ لا بد من التخلص منه؛ لأنَّه أحد الذين يتاجرون في دمار العالم.
مرةً أخرى تردَّد صوت رقم «صفر» يقول: سوف أقرأ لكم شيئًا عن «الرجل العنكبوت» نفسه. لقد بدأت هوايته للسلاح، وهو في الخامسة من عمره، عندما تلقى بندقية، كهديةٍ. وبعدها أصبحت هوايته للسلاح، لا تعادلها هوايةٌ أخرى. التحق بالجيش بعد الحرب العالمية الثانية، واستطاع أن يدخر بعض المال، من تجارة خوذات الجنود الألمان القديمة. ثم أخذ يتجول في أنحاء أوروبا؛ ليرى أكوام الأسلحة المهملة في كل مكان، والتي تخلفت نتيجة الحرب، وساعتها قرر أن يكون تاجرًا للسلاح.
وطوال ٣٠ عامًا، ظل «الرجل العنكبوت» يتاجر في آلام البشرية.
سكت رقم «صفر»، وفهم الشياطين أنَّ ما قدمه إليهم كافٍ لتبدأ المغامرة، بعد قليلٍ جاء صوته يقول: لعلكم عرفتم الآن، خطورة هذا «الرجل العنكبوت». إنَّ الخلاص منه هو جزءٌ من بعث الطمأنينة في العالم؛ فهو رجلٌ يتآمر علينا جميعًا، وفي مكتبه سوف ترون علامات حول منطقتنا. إنَّه يضع منطقة الشرق الأوسط، في مقدمة اهتمامات تجارته، وأنتم تعرفون حرب العراق وإيران، وتعرفون ما حدث في أفغانستان، وتعرفون حرب الصحراء بين المغرب وسكان الصحراء، وما يقع بين الوقت والآخر من صداماتٍ بين المغرب والجزائر، وبين ليبيا والسودان، وسوف تكون المنطقة العربية في آسيا جزءًا من تجارته أيضًا.
توقف عن الكلام، في الوقت الذي كان الشياطين قد وصلوا إلى قمة الرغبة في الانطلاق.
قال مرةً أخرى: والآن … إنَّ دوركم قد بدأ. إنَّ التخلص من «الرجل العنكبوت» هو مهمتكم. وسوف تقابلون صعوباتٍ ضخمة، لكنَّني أعرف الشياطين، إنَّ خريطة المكان، حيث يقع مكتب «سام سترونج»، أو مخزنه في «منشستر»، سوف تكون معكم قبل الانطلاق … والآن، إنَّني في انتظار أسئلتكم.
لم يكن يسمع حتى ولا صوت تنفس الشياطين، فقد كان الصمت يغطي كل شيء، ولم يكن عند الشياطين ما يسألون عنه؛ ولذلك فقد مرَّت دقيقتان، قبل أن يقول رقم «صفر»: إذن، أستودعكم الله. وأتمنى لكم التوفيق.
سكت لحظةً، ثم قال: إنَّ مجموعة المغامرة سوف تتكون من: «أحمد»، «خالد»، «بو عمير»، «قيس»، «عثمان». في نفس الوقت فإنَّ بقية الشياطين يكونون على استعداد؛ لأنَّنا لا نعرف ماذا يمكن أن يحدث، فقد تطير مجموعة أخرى إلى مجموعة المغامرة.
إنَّ «باسم» و«مصباح» و«رشيد» سوف يكونون جاهزين في أيِّ لحظةٍ بين الغد وبعده.
سكت رقم «صفر»، وسمع الشياطين صوت أوراق تجمع. ثم بدأت خطواته تتحرك، وتبتعد حتى اختفت تمامًا. بعده، بدأ الشياطين يتحركون، وكأنَّهم منوَّمون مغانطيسيًّا، فقد كان ما سمعوه شيئًا رهيبًا … وعندما غادروا القاعة، انصرفت مجموعة المغامرة إلى حجراتهم للاستعداد، فقد كان موعد الرحيل بعد نصف ساعة. عندما دخل «أحمد» حجرته، كانت المعلومات التي سمعها من رقم «صفر» في قاعة الاجتماعات، تدور في رأسه.
كان يفكر: إنَّ هذا «الرجل العنكبوت» يعتبر أسطورة العصر. إنَّني أتمنى أن ألقاه، وأن أجلس معه، لأعرف كيف يفكر هذا الإنسان الغريب.
ومع أفكار «أحمد» كانت يداه تجهزان حقيبته السحرية. فهو يعرف أنَّه مقبلٌ على أخطر مغامرةٍ مرَّ بها.
إنَّ هذه العدسات السحرية التي تكشف المخزن الرئيسي في «مانشستر» سوف تكون مانعًا خطيرًا. كذلك فإنَّ «سام سترونج» سوف تكون له حراسة قوية، تجعل الوصول إليه مسألة مستحيلة.
قال في نفسه: إنَّ المكتب المثير في لندن، سوف تكون له عدسات أخرى تكشف كل شيء، فإذا أمكن التوصل إلى غرفة العمليات، فإنَّ توقف العدسات يصبح سهلًا، وساعتها سوف يكون القبض على «الرجل العنكبوت» أكثر سهولة.
نظر في ساعة يده، كانت هناك بعض الدقائق لا تزال باقية. نظر حوله في الحجرة يتذكر ما يمكن أن يكون قد نسيه. فجأة دقَّ جرس التليفون أسرع إليه، ورفع السماعة، جاءه صوت رقم «صفر»: إنَّ خريطة المكتب، وكذلك خريطة المخزن، في الطريق إليك، وهما خريطتان تفصيليتان لكل مكانٍ من الداخل، وعن طريقهما سوف تعرفون كيف تتحركون بسهولة.
عندما انتهت المكالمة، كان مظروف متوسط الحجم، يخرج بطريقةٍ خاصة من جانب التليفزيون، فأسرع «أحمد» إليه. وعندما أمسك به، كانت كلمتان تلمعان فوقه باللون الأحمر: «سرِّي للغاية.»
ابتسم «أحمد» وهو يردِّد في نفسه: نعم، إنه سري جدًّا.
أسرع وفتح المظروف، فوجد به خريطتين صغيرتين فتح أولاهما، ولم تكد عيناه تمر على الخريطة، حتى تردَّد صوت متقطع، جعله ينظر في ساعة يده. كانت الدقائق قد مرَّت، وبدأ موعد الرحيل. طوى الخريطة بسرعة، ثم وضع الخريطتين في المظروف، ودسَّ المظروف في جيبه، ثم أسرع يغادر الحجرة.
لم يكن أحدٌ يمشي في هذه اللحظة في ممرات المقرِّ السري. قال في نفسه، وهو يخطو بخطواتٍ واسعة: إنَّ مجموعة المغامرة قد انصرفت إلى هناك، أمَّا مجموعة الانتظار فهي في الصالة الخضراء، في انتظار إشارة.
انتهى الممر الطويل، فانحرف جهة اليمين، ثم توقف أمام الجدار الذي انشق في لحظة، وظهر مصعدٌ سري، خطا إلى الداخل، فانطبق الجدار. ودون أن يضع يده على شيء، كان المصعد يهبط به إلى مكان السيارات، وعندما توقف المصعد انفتح الباب، فخرج بسرعة.
كانت السيارة الرمادية التي تُقِلُّ الشياطين تقف أمامه مباشرة وداخلها، كانت توجد مجموعة المغامرة، أسرع إلى السيارة ثم أخذ مكانه بجوار «قيس» الذي كان يجلس إلى عجلة القيادة، وعندما أغلق الباب، انطلقت السيارة بسرعةٍ متوسطة، حتى غادرت المكان. وعندما كانت تقترب من البوابات الصخريَّة، ارتفعت سرعتها تمامًا، وعندما كانت خمسون مترًا تفصل بين السيارة والبوابة، فُتحت في لمح البصر، فانفلتت منها السيارة كالبرق … فأغلقت في صوتٍ مكتوم، بينما كانت السيارة تنطلق في الخلاء العريض، في طريقها إلى حيث تبدأ المغامرة مع «الرجل العنكبوت».