المعركة الأخيرة مع «الرجل العنكبوت»!
خرجت سيارةٌ من اليمين، والأخرى من اليسار، والتقتا عند نقطةٍ محددة، بحيث أصبح الطريق مسدودًا. ولم يكن أمام الشياطين طريقٌ آخر، فهم لا يستطيعون العودة.
همس «أحمد»: إنَّ الموقف لك، فهل تستطيع أن تضرب السيارتين في وقتٍ واحد؟
ابتسم «خالد» وقال: إنَّها هوايتي!
رفع سرعة السيارة إلى درجتها القصوى، وهو يندفع في اتجاه السيارتين، وعندما اقترب قال في حدَّةٍ: خذوا حذركم، فسوف تكون الصدمة قاسية.
وفي عنفٍ، ضرب مقدمة السيارتين، فأفسح لنفسه مكانًا. لم تُصَب سيارة الشياطين بسوءٍ، فهي مجهزة لكل هذه الاحتمالات في الوقت الذي تهشمت فيه مقدمة السيارتين.
ظلَّ «خالد» منطلقًا بنفس القوة، بينما قال «عثمان»: إنَّها ضربةٌ جيدة، ثم ابتسم وهو يضيف، هل نعود لهم مرةً أخرى؟
ألقى «أحمد» نظرةً سريعة على شاشة السيارة، حيث رأى السيارتين، وكانتا مندفعتين خلفهم. لكن المسافة التي تفصل بينهما كانت كافية، بما يعطيهم الفرصة في المناورة. كان الغروب قد بدأ يزحف على الوجود، وبدأت أعمدة الإضاءة ترسل ضوءها على أسفلت الشارع. بعد قليل، بدأت سيارة الشياطين تدخل المدينة، في نفس الوقت كانت السيارتان ما زالتا خلفهم.
عند أول شارع، انحرف «خالد» ثم توقف فجأة، حتى إنَّ الشياطين اهتزوا بشدة، وبسرعة كان يستدير للعودة.
سأل «أحمد»: ماذا تفعل؟
ردَّ «خالد» مبتسمًا: انتظر، إنَّها معركتي وحدي.
توقف عند مقدمة الشارع، بما لا يعطي فرصةً للآخرين حتى يكشفوه. في نفس الوقت، كان ينظر في شاشة رادار السيارة؛ ليعرف مكان سيارتي العصابة، كانت شاشة الرادار تسجل اقتراب السيارتين، فجأة سمع صوتهما. استعد، وفي تحديدٍ ذكي انطلق بالسيارة في قوة. كانت أول سيارة تقطع الطريق، في نفس اللحظة، اصطدمت سيارة الشياطين بأول السيارتين عند منتصفها تمامًا، فهشمتها، وقلبتها. ولم تكن الأخرى أسعد حظًّا، فقد أفلتت السيطرة من قائدها، فحاول أن يبتعد، إلا أنَّه اصطدم في قوةٍ بجدار إحدى البنايات، وقبل أن تمضي ثلاث دقائق، كانت سيارة الشياطين تنطلق بسرعةٍ في شوارع المدينة، دون أن يعرف أحد أنَّ معركةً رهيبة قد حدثت.
أوقف «خالد» السيارة، ثم رفع سماعة التليفون، وهو يقول ﻟ «أحمد»: ينبغي أن نغير السيارة مرةً أخرى.
في نفس الوقت، كان عميل رقم «صفر» يردُّ في الطرف الآخر، نقل له «خالد» ما قاله، فكانت الإجابة: في النقطة «ﻫ»، سوف تجد السيارة، بعد عشر خطوات.
عرف «خالد» أنَّ السيارة سوف تكون جاهزة بعد عشر دقائق، أخذ طريقه إلى النقطة «ﻫ». وقبلها بخطواتٍ، توقف، وهو يقول: ينبغي أن نغادر السيارة الآن!
نزل الشياطين بسرعة، كانت النقطة «ﻫ» في شارعٍ جانبي، أخذوا طريقهم إليها. وما إن وصلوا هناك حتى كانت سيارةٌ سوداء، تقف فجأة، ونزل سائقها، واختفى في اتجاه السيارة البيضاء. قفز الشياطين داخل السيارة، وانطلق «خالد» بها، إلى حيث فيلا «سام»، رقم ٢٠ في شارع ١٩٦.
كان الليل قد هبط … وبدأت زحمة الشوارع تقل، كانت عينا «خالد» تنظر في لمحةٍ سريعة إلى بوصلة السيارة التي كانت تشير إلى الاتجاه. بعد قليل، لمعت لمبةٌ حمراء في دائرة البوصلة، فعرف «خالد» أنَّه اقترب.
قال «أحمد»: ينبغي أنَّ نمر بسرعةٍ في الشارع، ثم نضع قرارنا.
اتجه «خالد» إلى شارع ١٩٦، وهو متفرعٌ من الشارع الرئيسي. ظهرت الدهشة على وجوه الشياطين، لقد كان الشارع مضاءً تمامًا، وكانوا يظنون أنَّهم سوف يجدون شارعًا خافت الضوء. في نفس الوقت، كانت سيارات كثيرة تقف على الجانبين. اقتربوا بالسيارة حتى رقم ٢٠، فازدادت دهشتهم، لقد كانت الفيلا مضاءةً إضاءةً كاملة في الوقت الذي ترتفع فيه موسيقى من داخلها.
همس «بو عمير»: لعلنا أخطأنا!
ردَّ «أحمد» بسرعة: إنَّه احتفال الصفقة التي عقدها «سام سترونج». لقد جاء من لندن، إلى مانشستر بعد عقد صفقة.
صمت قليلًا ثم أضاف: هذه فرصتنا!
نظر إلى «عثمان» وابتسم قائلًا: سوف تكون أنت بداية العمل!
ابتسم «عثمان» وهو يقول: أفهم ما تريدون، وهذه فرصةٌ طيبة بالنسبة لي.
كانوا قد تجاوزوا الفيلا، فوقف «خالد»، وقال «أحمد»: نحن في انتظار رسالتك!
نزل «عثمان» سريعًا، وأخذ طريقه إلى الفيلا، في الوقت الذي ابتعد فيه الشياطين أكثر. كان «أحمد» يشعر بالقلق؛ لأنَّ العملية تحتاج إلى شخصٍ آخر مع «عثمان»، أو تحتاجه هو شخصيًّا. لكن الظروف كانت تحتاج «عثمان» بالذات، فهو يستطيع أن يتحرك داخل الفيلا، كأحد الخدم.
مر الوقت بطيئًا، ومع بطئه، كان «أحمد» يشعر بالقلق أكثر، انقضت نصفُ ساعة دون رسالة ما.
قال «قيس»: ينبغي أن أتبع «عثمان».
قال «أحمد»: ليس الآن، إنَّ الوقت لا يزال مبكرًا.
فجأة، دقَّ جرس جهاز الاستقبال دقَّةً واحدة، فعرف الشياطين أنَّ هناك رسالة من «عثمان». بدأ «أحمد» يتلقى الرسالة التي كانت شفرية، كانت تقول: «٢٢–٢٣» وقفة «١٣–٢٩» وقفة «٢٩–١٠–١–٢٤» وقفة «١–٢٣–١٦–١٠–٢٩–٢١» وقفة «١–٢٣–٢٩» وقفة «١–٢٣–٨–١–٧–٢٣» وقفة «٧–١–٢٣» وقفة «٣–٢١–٨–٢٤–٢٦–١» وقفة «١–٢٣–٢٤–٢٣–١–٢–١٢» وقفة «١٨–٢٥–٨» وقفة «٢٥–٢١–١٦–٢٧» وقفة «٨» انتهى … نقل «أحمد» مفهوم الرسالة إلى الشياطين، الذين غادروا السيارة بسرعةٍ في طريقهم إلى الفيلا. كانوا يتقدمون بحذرٍ عند الباب، كان يقف أحد الحراس، مستندًا إلى الحائط. تقدم منه «أحمد» حذرًا، لكن الحارس لم يتحرك، عرف أن «عثمان» قد استخدم الإبر المخدرة، دخل الشياطين بسرعة، وكما حدد «عثمان» كانت الملابس عند النقطة «و»، فارتدى الشياطين ملابس عدد من الخدم، وتقدموا إلى الداخل بسرعة. وعند الباب، كان هناك حارسٌ آخر يجلس على السلم، وقد غرق في نومٍ عميق. تقدموا حتى باب الدخول، وما إن أوشك «أحمد» بوضع يده على زرِّ الجرس، حتى فُتِحَ الباب، قبل أن تصل يد «أحمد» إليه. وخلف الباب، كانت ابتسامة «عثمان» تبرق من بين أسنانه البيضاء اللامعة، كانت صالة الفيلا مزدحمة بالضيوف. لكنْ عينا «أحمد» كانت تبحث عن «سام سترونج».
همس بسرعةٍ إلى «عثمان»: هل توصلت لشيء؟
ردَّ «عثمان»: إنَّ «سام سترونج» لم يظهر بعد، وإن كان يبدو أنَّه في إحدى الغرف!
تقدم الشياطين في اتجاه المطبخ، حيث يمكن أن يعملوا، وحتى لا يكشفهم أحد. دخلوا المطبخ دون أن يلفتوا نظر أحد من الطباخين. بعد قليلٍ دخل أحد الرجال، نظر إليهم قليلًا ثم قال مُبتسمًا: اللحم البارد!
نظروا إلى المنضدة الطويلة، حيث كانت أطباقٌ كثيرة، موضوعة، وبسرعةٍ حملوا أطباق اللحم البارد.
فقال الرجل: اتبعوني!
تبعوا الرجل جميعًا، قطع بهم طرقةً طويلة، وعند نهايتها، طرق الباب في أدب، ثم فتحه، وأشار إليهم أن يدخلوا، تقدموا وكان «أحمد» آخرهم. دخل الرجل خلفهم، وأغلق الباب في هدوء، لم يكن في الغرفة أحد. فجأة استدار لهم وبيده مسدسه، إلا أنَّ «أحمد» كان أسرع منه، فقد قذف الطبق بقوة، فأطار المسدس من يده. في نفس اللحظة، كان «بو عمير» قد طار في الهواء، وضربه ضربةً جعلته يدور حول نفسه، وقبل أن يعتدل «بو عمير»، كان الباب قد فُتح بسرعة، وظهر عددٌ من الرجال؛ ولأنَّ «أحمد» كان أقربهم إلى الباب، فقد ضرب أولهم يمينًا خطافية، فسقط على الأرض، إلا أنَّ الآخرين كانوا قد تجاوزوه. ولم يعطهم الشياطين فرصةً ليستخدموا مسدساتهم، فقد اشتبكوا معهم في معركةٍ بالأيدي، نظر «أحمد» نظرةً سريعة على المعركة التي بدأت تدور، ورأى أنَّ الشياطين يملكون زمام الموقف جيدًا. غادر الغرفة بسرعة، ثم أغلق الباب خلفه، كانت الطرقة طويلة، ولا تزال خالية. أسرع يقطعها، فجأة، سمع صوتًا، فتوقف، والتصق بالجدار عند نهايتها التي لم تكن بعيدة، فُتِح باب، ثم خرج منه أحد الرجال.
ملأت وجه «أحمد» ابتسامة … لقد كان الرجل هو «سام سترونج» نفسه. ظل في مكانه لم يتحرك، في الوقت الذي قطع فيه «سام» عرض الطرقة، ودخل غرفةً أخرى. أسرع «أحمد» في خفةٍ إلى حيث اختفى «سام». وقف عند الباب، وفي هدوءٍ، بدأ يفتح الباب، لكنَّه فجأة سمع أصواتًا تعلو، ألقى نظرةً سريعة. كانت مجموعةٌ من الرجال قد ظهرت عند نهاية الطرقة، فتح الباب بسرعة حتى يفاجئ «سام»، إلا أنَّه لم يجد أحدًا بالداخل.
ألقى نظرةً سريعة على الغرفة ثم ابتسم وتحرك؛ فقد كان طرف السجادة مثنيًّا، جذب السجادة في قوة، فظهر خطٌ رفيع، عرف أنَّه بابٌ سري. أخرج خنجره وعالج الخط بسرعة، حتى جذب الباب السري الصغير، لكنَّه سمع الأصوات تقترب أكثر. أسرع بالنزول، ثم جذب السجادة أولًا، حتى غطى الباب ثم أغلقه. كان الضوء خافتًا، لكنه كان كافيًا للرؤية في نفس الوقت، كان صوت الأحذية فوق السجادة يصل إليه. نزل بسرعةٍ، كانت هناك صالةٌ صغيرة وبابٌ واحد، اقترب في حذَر، لكن فجأة، مرقت رصاصة بلا صوت بجواره. فعرف أنَّ المكان فيه عدساتٌ سرية، وأنَّه مُراقب … فَتَح الباب في سرعة، ثم أغلقه مرةً أخرى؛ فقد انطلقت عدة رصاصات من داخل الغرفة في اتجاهه، أخرج قنبلة دخان سريعة المفعول، وألقى بها إلى داخل الغرفة، انتظر لحظة، ثم دخل. كانت الغرفة تسبح في الدخان، الذي لا يستطيع أحدٌ أن يرى فيه شيئًا، لكنَّه كان قد وضع عدساتٍ خاصة فوق عينيه، إلا أنَّ الحجرة كانت خاليةً هي الأخرى.
نظر حوله في سرعة، وهو يقول لنفسه: إنَّني أتعامل مع ألغاز، لكنَّ لكل لغزٍ حلًّا!
فكر بسرعة: إنَّنا تحت مستوى الأرض الآن، المؤكد أنَّه خرج من بابٍ جانبي.
تلمس الجدران بسرعة، إلا أنَّه لم يجد شيئًا، كانت نسبة الدخان، قد بدأت تقل. فكر: إنَّ عدساتهم السرية، سوف تتمكن من كشفي الآن!
أخرج قنبلةً أخرى، وفجرها … فتكاثف الدخان من جديد.
لكن فجأة جاءته رسالةٌ من الشياطين … كانت رسالة شفرية ترجَمَها، ثم عاد إلى الباب مباشرة … خرج إلى الصالة الصغيرة التي كانت خالية. صعد السلم إلى حيث الباب السري، ورفعه بقوةٍ ثم أزاح السجادة وخرج. سمع صوت طلقات وصياح، فتح باب الغرفة، وخرج إلى الطرقة الطويلة.
كان الشياطين مشتبكين في معركة، لكنهم مسيطرون عليها. أسرع إلى حيث كانت الحفلة، كان هناك هرجٌ كثير، وناسٌ تجري، ومن بعيد لمح «سام سترونج» مندفعًا إلى خارج الفيلا. ابتسم ابتسامةً سريعة، ثم قفز عدة قفزات متتالية. كان «سام» لا يزال في اندفاعه، أخرج مسدسه وثبَّت فيه إبرة مخدرة، ثم سددها نحو «سام» وضغط الزناد.
في لحظةٍ كان «العنكبوت» يقف مكانه، ثم يمسك ذراعه اليمنى، ويسقط على الأرض. لقد وقع «سام سترونج» ولم يكمل صفقته الأخيرة.
في نفس الوقت، كانت أصوات سيارات الشرطة تدوي في الخارج، بينما كان هو يقترب من حيث سقط «سام»، وعندما توقف بجواره، ألقى نظرةً خلفه، فقد هدأ كل شيء، فرأى الشياطين متقدمين في اتجاهه.
رفعوا أصابعهم بعلامة النصر … فقد انتهى الرجل الأسطورة، أو الصقر أو «سام سترونج»، أو «الرجل العنكبوت».