طريقة الدراسة
وكان يحلو له أن يحبو على يديه ورجلَيْه ساعاتٍ طوالًا، ويصيح صياح البط أو الإوزِّ عندما يكون لديه عدد من صغار هذا أو ذاك بدون أمٍّ ترعاه، وهو يؤمن بما جاء عن النبي سليمان من المقدرة على تكلُّم لغة الطير والحيوان؛ لأنه هو، أي لورنز، يستطيع أن يتحدَّث إليها بعد أن فهمها وفهم لغتها، وكتب كتابه وصفًا لهذا كلِّه وعلَّق عليه وشرحه.
وفي بلاد كثيرة من بلاد العالم أُقِيمت المحطات والمعامل لدراسة سلوك الحيوان دراسةً مستفيضة ومن جميع الزوايا، سوف تتضح من النتائج المتعددة التي توصَّل إليها العاملون بتلك المعامل أو في حقول الحيوان مباشَرةً.
فإذا ما دخلنا في الموضوع، عرفنا أن لكلِّ فعلٍ ردَّ فعل، والحال كذلك مع الحيوان يقع عليه منبِّهٌ ما من الخارج أو ينبعث فيه من داخله فيستجيب الجسم، ويحاول الحيوان في استجابته لهذا المنبه أو ذاك أن يكيِّف نفسَه له؛ وعلى ذلك فإن قانون التكيُّف هو مبدأ بيولوجي أساسي يمكن التعبير عنه على الوجه التالي: ينحو الحيوان نحو التفاعُل بطرق تلائم كيانه، فالتكيُّف بالنسبة للحيوان ليس مجرد تفاعُل مع القوى الطبيعية الواقعة عليه، كما هي الحال مع الجوامد؛ فعلى سبيل المثال، إذا ضربت كرة البلياردو بالعصا الخاصة بهذه اللعبة، فإن الكرة تتحرك حركة عبارة عن محصلة جميع القوى الواقعة عليها، أما إذا وخزتَ كلبًا بتلك العصا فإنه قد يعضُّ تلك العصا أو قد يدور حولك ليعضَّ رِجلَك، أو قد يجري بعيدًا عنك وينبح، فهو في الحالتين الأُولَيَيْنِ يحاول أن يردَّ على الهجوم بهجومٍ مضاد، وفي الحالة الثالثة يبتعد عن مصدر الخطر ويُظهِر غضبَه نحوه ويخيفه بنباحه، فهو سلوك تكيُّفيٌّ؛ أيْ ردُّ فعلٍ كَيَّفَهُ الحيوان لصالح كينونته.
- أولًا: سلوك الاغتذاء، ويظهر عندما يجد الحيوان غذاءً صلبًا أو سائلًا يغتذي به.
- ثانيًا: سلوك طلب المأوى، ويظهر عندما يبحث الحيوان عن أحسن مكان يستريح فيه بعد فترة نشاط طويلة، وقد يجد بعض الحيوان في أجسام أفراد عشيرته نوعًا من الحماية من التقلُّبات البيئيَّة، كما نشاهد هذا في الدجاج، وهذا في واقع الأمر طِرازٌ بدائي جدًّا من السلوك الاجتماعي.
- ثالثًا: سلوك العِراك أو الاقتتال، ويظهر هذا جليًّا في محاولة الذكور في مجموعة من الحيوان في أن تردَّ عنها الدُّخَلاء، كما هو أيضًا العِراك الذي ينشب بين ذكور الجماعة الواحدة.
- رابعًا: السلوك الجنسي، وهو اجتماع الذكر بالأنثى وما يصطحبه من غزل وتسافُد وغير ذلك.
- خامسًا: سلوك الرعاية، وهو ينشأ من كون أن الصغار عادةً ما تكون ضعيفة، فيُولِيها الرعايةَ أحدُ الأبوَين أو كلاهما، أو حتى أفراد غير أبوَيْها (كما هي الحال في صغار النحل التي ترعاها الشغَّالة العقيم)، وإلى أبعد من ذلك أفراد من غير جنسها، كما في حالة بعض الطيور التي تضع بيضًا في عشاش غيرها، وعندما يفقس البيض ترعى الطيور المُضيِّفة صغارَ الطائر الطفيلي رعايتَها لصغارها.
- سادسًا: سلوك الطرد أو الإقصاء، وهو سلوك يتعلَّق بنظافة المكان الذي يعيش فيه الحيوان، كما تفعل الطيور من تنظيف عشاشها، أو كما يفعل بعض الحيوان من حَفْر حُفَر يتبرَّز فيها.
- سابعًا: سلوك المحاكاة الجماعيَّة، وأحسنُ مثال نشاهد فيه هذا السلوكَ ما نراه من سلوكِ سِربٍ من الطيور، فالطيور فيه تطير مجتمعةً مُتخِذة شكلًا معينًا وفي نظام، وتحطُّ في نظام، وتجتمع في نظام وتناسُق، ونشاهد هذا السلوك أيضًا في قُطْعان الجاموس والبقر البرية، بل وفي أسراب السمك وغيرها.
- ثامنًا: سلوك البحث والتنقيب أو الكشف، وهو سلوك يتسم بفضول الحيوان وشغفه في التعرُّف على كلِّ ما يحيط به في البيئة التي يعيش فيها، فلو أننا لحظنا فأرة في صندوق، لَرأيناها تدور فيه وهي تتلمَّسه بأنفها وخطاراتها في كلِّ ركن فيه، ويصل هذا السلوك إلى مُنتهاه بين الحيوان في القِرَدة والإنسان، وذلك بما أُوتِيت من حرية الحركة باليدين والمقدرة على الإمساك بالأشياء بهما، وبما أُوتِيت من قوة الحواس، ولعل هذا السلوك هو السبب المباشر فيما وصل إليه الإنسان من كشفٍ وفتحٍ في مختلِف الميادين.