استخدام الحيوان والإنسان للأدوات
لقد سبق لنا أن بيَّنَّا من التجارب التي أجراها كوهلر مع البعام أنه مستطيع أن يدخل عصًا من الغاب في أخرى ليصل بها إلى الموز الذي لا يقدر على الوصول إليه بيديه، على أن هذه كانت تجربة ولا نستطيع أن نجزم بما إذا كان البعام يستخدم مثل هذه الأدوات في الطبيعة؛ ذلك لأن علماء الحيوان لم يشاهدوا شيئًا من ذلك حتى في القردة العليا من غير البعام، لم يشاهدوا سوى الأورانج تان وهو يجمع أغصان الشجر ليبني بها عشًّا يأوي إليه، على أن ذلك ليس استخدامًا للأدوات، تلك الأدوات كالتي يستطيع الإنسان بها أن يوسع فتحة مثلًا أو أن يرفع به حجرًا، على أن الكبوشي (وهو قرد أمريكي) يستخدم الحجارة في تكسير البندق، كما أن القرد الميمون يستخدمها في الدفاع عن نفسه ويرجم بها المغيرين عليه، أما في غير الثدييات فقد رأينا كيف يخيط بعض أنواع النمل أوراق الشجر مستخدمًا في ذلك اليرقات كأنها الوشيعة (المكوك)، وكذلك يبني النحل قرصًا يجمع فيه العسل كما تبني العنكبوت بيتها، على أن كلَّ هذه الأمثلة ليست شيئًا مذكورًا بالنسبة لاستخدام الإنسان للأدوات، وقد اخترع الإنسان هذه الأدوات شيئًا فشيئًا حتى وصل بها في العصر الحاضر إلى درجة عالية من التحصيل التكنولوجي، وحتى إن كيانه أصبح غير معتمد على الطبيعة بشكل مخيف، ويعتبر بعض الناس هذا العلم الحديث الذي وصل بالإنسان إلى تلك الدرجة العالية من النصر والفخر أنه يقرب الإنسان من حلمه الفاجر، ألا وهو أنه أصبح كالإله، ويرقب البعض الآخر من الناس بذعر متزايد الطريقة التي شبَّ بها العلم عن الطوق، فيتحول على صانعه (أي الإنسان) ويهدِّده بالفناء، كما يبدو أن العلم قد أصبح مستقلًّا ويتقدم على حسب قوانينه تاركًا احتياجات البشر جانبًا.