اختراق الحصار
بدأت خيوط الفجر تمزق عباءة الليل المظلمة. أقف وراء الباب الحديدي، أدس أنفي بين القضبان الغليظة السوداء، أتشمم نسمة هواء، أتذكر منظر الأسد المحبوس في حديقة الحيوان، يدس رأسه الكبير بين الأعمدة الحديدية، ثم يدور ويدور حول القضبان دون توقف.
وأتذكر منظر «الدبُّ» داخل القفص الحديدي، ومنظر «النمر»، وكل الحيوانات الأخرى.
أنظر إلى أصابعي وأنا أمسك القضبان الحديدية، أظافري نمت وطالت كالمخالب. لم أقصَّها منذ دخلت السجن، المقص من الممنوعات؛ لأنه من الأدوات الحادة.
أتأمل أصابعي في دهشة، لم تكن لي هذه الأظافر في يومٍ من الأيام، هل هي أظافري أم مخالب حيوان؟
شعري أيضًا طال ولامس عنقي وكتفي من الخلف، شعر منكوش غزير كشعر الأسد.
أتحسَّس وجهي بأصابعي، أنفي أيضًا أحسه تحت يدي ممدودًا بين القضبان، وكأنه طال كزلومة الفيل.
نسبت شكل وجهي، لم أرَ وجهي في المرآة منذ دخلت السجن، المرآة من الممنوعات؛ لأنها من الأدوات الحادة.
أتحسس ذراعي وساقي، البشرة سمراء عليها خطوط زرقاء وحمراء على شكل أظافر. هل أهرش بالليل وأنا نائمة؟ هل انتقلت إليَّ عدوى مرض الجرب؟
أمد أنفي خارج القضبان، أهرب به بعيدًا عن رائحة الجاز المحروق، وعفونة القمامة في الأركان، ورطوبة الأرض الأسمنت والبلاط.
أظل واقفة وراء القضبان.
أشعر بالتعب من طول الوقوف، أَثْنِي جسمي وأجلس على الأرض الصلبة، أسند جسمي إلى القضبان، أظل جالسة جامدة كالجدار. الزمن أيضًا كالجدار.
أشعر بالتعب من الجلوس، أفرد جسمي وأقف. أتمشى في العنبر، جميع الزميلات نائمات، الفجر لم يؤذن بعد، «بدور» لا تزال نائمة، ملامحها مستسلمة للحزن، الأجسام كلها مرتخية والوجوه شاحبة ذابلة، استسلام كامل للنوم الحزين الطويل.
قلبي ثقيل، إلى متى يمتد بنا الزمن في هذا القبر؟!
الزمن لا يتحرك، كهذا السقف الأجرب فوق رأسي، تتدلى منه لمبة كهربية، مشتعلة ليل نهار، كالعين الحمراء الجاحظة، يلتفُّ حول عنقها حبل أسود، التصق به الذباب النائم أو الميت.
منذ متى، وأنا في هذا القفص الحديدي؟! متى كانت الليلة الأولى؟
منذ الأحد ٦ سبتمبر، واليوم ماذا يكون؟ لا أعرف اليوم ولا التاريخ ولا الساعة. في السجن يفقد الإنسان الإحساس بالتاريخ والزمن.
أنا هنا منذ زمن بعيد، منذ قرن، منذ ألف عام، منذ وُلدت، ومنذ عرفت شيئًا اسمه الزمن.
منذ كسروا الباب بالقوة، وحملوني في السيارة في تلك الرحلة المجهولة في الظلام.
منذ ذلك اليوم وأنا هنا، ولا أحدَ يقول لي لماذا. لا أحد يوجه لي اتهامًا، لا أحد يجيب على الأسئلة سوى: نحن في انتظار التعليمات من فوق، نحن في انتظار أوامر جديدة.
وما هي الأوامر القديمة؟ قرار التحفظ! ماذا يعني قرار التحفظ؟! يعني الحبس داخل الزنزانة وراء القضبان بغير تحقيق، بغير رسائل من الأهل ولا زيارات، ولا صحف، ولا راديو، ولا خروج إلى فناء السجن. حبس مطلق كامل بغير حقوق إنسانية ولا قانونية، حبس مطلق لا أحد يعلم متى ينتهي إلا رجل واحد، هو الذي أصدر قرار التحفظ، وهو الوحيد القادر على إلغائه أو تغييره.
لأول مرة يتجسد أمامي معنى «الحكم الفردي»، أو حكم الفرد الواحد، لأول مرة يتجسد أمامي شكل الديكتاتورية.
كنت أرفضها فكرة وأسلوبًا ونظامًا، لكني أصبحت الآن أرفضها بكل كياني، أرفضها بكل رغبتي في الحياة والحرية، أرفضها بجسمي وعقلي.
لكن كيف يتخذ الرفض عملًا إيجابيًّا؟ كيف أخترق الحصار المضروب حول عقلي وجسدي؟!
لا أستطيع أن أخرج جسدي من بين القضبان الحديدية، لكني أستطيع أن أخرج عقلي.
وبدأت فكرة الاختراق تستولي عليَّ، همست في أذن فتحية القتالة: فتحية، أريد أن أبعث برسالةٍ إلى أسرتي، هل هذا ممكن؟
همست فتحية: كل شيء ممكن.
هتفت بدهشة: داخل السجن؟
ضحكت: داخل السجن مثل خارج السجن، كل شيء ممكن، المهم التصميم.
قلت: أنا مصممة.
ضحكت: إرادتك كإرادتي، حين أصمم على شيء، يا إلهي.
•••
قضيت ليلة كاملة أكتب رسالة إلى أسرتي، إلى زوجي، وابني، وابنتي. رسالة طويلة أفرغت فيها عقلي.
•••
مضت الأيام والليالي دون أن يصلني أي رد. تلتقي عيناي بعيني فتحية القتالة ولا أقول شيئًا، عينا الشاويشة ترقبان وأذناها مرهفتان. في عينيها نظرة ريبة وشك، وفتحية تتفادى النظر نحوي. لماذا تخشى النظر في عيني؟ هل وضعت ثقتي في غير محلها؟ هل سلمت فتحية رسالتي إلى الشاويشة أو إلى إدارة السجن؟
ليس من طبيعي أن أتشكك، الإنسان عندي بريء حتى تثبت الإدانة.
وحين كنت أنظر في عيني فتحية أحس أنها صادقة، وأنها إنسانة، وأن لديها شهامة.
هل كانت أحاسيسي كاذبة؟ في جميع مراحل عمري كنت أثق في أحاسيسي، لا أفرق بين العقل والإحساس. الإحساس السليم هو العقل السليم، أحيانًا يخطئ العقل، لا يعرف إلا الأرقام والمنطق المحدود المألوف والموروث، لكن الإحساس السليم هو العقل الأعمق، هو الحس الإنساني والشعور والبصر والبصيرة وتراكم المعرفة والتجربة.
لكن الشك يتزايد في عقلي يومًا بعد يوم، ربما رسمت لفتحية ملامح من عندي، ربما هي جاسوسة.
صعد الدم إلى وجهي، شعرت بذعرٍ مفاجئ. فقدت الثقة في حكمي على الناس والأشياء.
أحس أنني أسقط وأنهار، قلبي يدق، حلقي جاف، أصابعي ترتجف، ابتسمت «فوقية» في انتصارٍ، وهمست في أذني: قلت لك إنها جاسوسة، كل من يدخل إلينا هنا جواسيس، لا تثقي في أي واحدة. الجدران والقضبان الحديدية تطبق عليَّ من كل الجوانب، أختنق بالشك والجاز المحروق، لا أرى وجوه بشر، ولكن مساحات من السواد، وثقوب تطل منها عيون حمراء كعيون الشياطين.
وجه فتحية أصبح يشبه وجه إبليس، قاتلة بنت قاتلة كما تقول الشاويشة، وضعت لي السم في كلامها المعسول.
تقلبت فوق اللوح الخشبي لا يغمض لي جَفن، أدركت أن التعذيب داخل السجن لا يكون بالقضبان، ولا الجدران، ولا الحشرات اللاذعة، ولا الجوع ولا العطش ولا الإهانة وإلا الضرب.
السجن هو الشك، والشك هو العذاب الأكيد، الشك هو الذي يقتل العقل والجسد. ليس الشك في الآخرين، ولكن الشك في النفس، السؤال المحير المدمر للعقل: هل كنت على صواب أم كنت على خطأ؟
هل صدقت «فوقية» في شكوكها، وهل أخطأت أنا الحكم؟
فتحت عيني في الصباح على صوت المفتاح يدور في الباب ثلاث دورات. لم أنهض من سريري، ولم أمارس الرياضة اليومية، ولم أستحم تحت الدش، ولم أشرب الشاي. ظللت ممدودة فوق السرير، في حلقي مرارة، وفي قلبي غصة.
هتفت الزميلات في دهشة: غريبة؟! هل أنت مريضة؟
قالت واحدة: إذا مرضت الطبيبة فهذه النهاية.
صاحت أخرى: كلنا مرضنا إلا أنت، وقد جاء دورك.
لم تصدق واحدة منهن أنني مريضة بالفعل، لكن ما إن نظرن إلى وجهي، حتى دب الصمت، لم أعرف ماذا كان شكل وجهي.
وسمعت صوتًا حنونًا يقول: هل نبلغ الطبيب؟
صوت آخر أكثر حنانًا: هل أصنع لك شايًا؟
حتى «بدور» و«فوقية» رأيتهما إلى جواري، ولأول مرة أرى ابتسامة رقيقة على وجه «بدور» كابتسامة الأم لطفلها، وسمعتها تقول: سأعطيك بطانية من عندي، لا بد أنك أخذت بردًا.
و«فوقية» أيضًا تلاشى الخط العميق في جبهتها، وقالت برقة: قلت لك حافظي على صحتك، هذا الدش البارد كل يوم هو الذي أمرضك.
والشاويشة نبوية، وضعت يدها المعروقة على رأسي، وقالت: حسدناك والله، سأقرأ لك سورة ياسين.
ورأيت وجه فتحية، فأغمضت عيني. لا أريد أن أراها، لكنها اقتربت مني وهمست في أذني: عندي لك رسالة.
وقفزت من السرير.
•••
سبقتني بخطواتها الواسعة السريعة إلى دورة المياه، رفعت جلبابها الأبيض، ومدت يدها لتفك حزامًا حول بطنها.
قفز قلبي من تحت ضلوعي، وأنا أرى الورقة المطوية بين أصابعها، عانقتها، وكدت أخنقها بذراعي.
همسَتْ: اقرئيها بسرعة، ثم أحرقيها في المرحاض.
•••
وقفت في المرحاض الضيق المخنوق بالرائحة العفنة، وقفت بين قدمي الثقب الطافح بمياه المجاري والصراصير، وخلفي الجدار الأسود ذي الشقوق، وأمامي نصف الباب المكسور، وقفت لا أشم الرائحة، ولا أرى الجدار الأسود، ولا أعرف أين أنا. وقفت أفتح الورقة المطوية، أصابعي ترتعش، قلبي يخفق بآلاف الأحاسيس، عيناي زائغتان لا تريان الحروف، لا أرتدي نظارة القراءة، والحروف تهتز أمام عيني كأن بيني وبينها ماء.
مسحت عيني بكم جلبابي، أدركت أنها الدموع، وبدأت الحروف تبدو واضحة، تعرفت على خط زوجي، وخط ابنتي، وخط ابني، أنفاسي تسرع كأنني أشهق، وصدري يختنق بالدم، وضربات قلبي كدقات الطبول، أقرب الورقة وأشمها، رائحة ابني وابنتي وزوجي، رائحة بيتي، رائحة كتبي وأوراقي وسريري، رائحة كل حياتي التي خلعتها عن ذاكرتي ليلة دخول السجن.
زوجتي الحبيبة، ماما العزيزة، حبيبتي ماما.
وتوقفت قليلًا ألتقط أنفاسي، وأمسح دموعي، ثم قرأت الرسالة في نفسٍ واحد.
حفظتها عن ظهر قلب، لأرددها بيني وبين نفسي، لأحفر كل حرف وكل كلمة في ذاكرتي قبل أن أحرقها.
أشعلت عود ثقاب، قربته من طرفها، عيناي تتابعان السطور، وهي تحترق كلمة كلمة، حرفًا حرفًا، نهايتها طافت كالبقع السوداء فوق الثقب العفن في بطن الأرض.
في الليل أغمضت عيني وتصورتها أمامي، وبدأت أسمع الصوت الدافئ يقول: عدنا نحن الثلاثة إلى البيت في تلك الليلة، فوجدنا الباب مكسورًا، وأنت غير موجودة. استبدَّ بنا الفزع، ماذا حدث لك؟ خرجنا إلى الشارع نبحث عنك، قابلنا أحد الجيران، قال لنا إن عددًا من رجال البوليس المسلحين كسروا الباب، وأخذوك في السيارة. لا أحد يعرف إلى أين، بحثنا عنك في أقسام البوليس، والمباحث. لا أحد يعرف شيئًا، أحد الحراس قال لنا: ابحثوا في سجن طرة، ذهبنا لم نجد هناك، قرأنا في الصحف أن المسئول هو مكتب المدعي الاشتراكي، في وزارة العدل، في لاظوغلي. ذهبنا إليه في اليوم التالي، رأينا طابورًا طويلًا من الآباء والأمهات والأزواج وغيرهم من الأهالي، طابور طويل واقف أمام أحد الأبواب، وقفنا معهم طول النهار، ثم صعدنا سلمًا خلف المبنى الضخم، يشبه سلم الخدم في العمارات الكبيرة. دخلنا من بابٍ يقود إلى طرقةٍ طويلةٍ يجلس فيها ساعٍ أو فراش وراء مكتب صغير. أمامه عدد من الاستمارات، رفع رأسه، وقال: ما المطلوب؟ قلنا له: المطلوب أن نعرف أين أنت، قلب الاستمارات، ثم شدَّ من بينها استمارة، وقال: املئوا هذا الطلب، واتركوه هنا على المكتب، ثم عودوا بعد يومين أو ثلاثة لتأخذوا رقم الطلب، صرخ أحد الآباء كان يبحث عن ابنه، وقال: لا فائدة من هذه الطلبات، سأذهب وأبحث بنفسي. غادرنا المبنى آخر النهار، وبدأنا البحث. ظللنا نبحث عنك ثمانية أيام كاملة، ثم سمعنا أنك في سجن النساء بالقناطر. جئنا إلى السجن، وتركنا لك مع المسئولين حقيبة بها ملابس لك وحذاء كاوتش. الرياضة داخل السجن ضرورية، لا زلنا لا نصدق ما حدث. كانت صدمة عنيفة لنا، منذ غيابك انهالت علينا البرقيات والتلفونات من جميع أنحاء العالم. هناك حملة عالمية كبيرة في صفك، ومظاهرات من النساء أمام السفارات المصرية للإفراج عنك، واتحادات الكتاب والصحفيين والأدباء، وكل من قرأ رواياتك وكتبك. هناك حملة في صفك وفي صف كل المعتقلين، والناس هنا أيضًا يسألون عنك كل يوم، والجيران، والأصدقاء، والأقارب. موقفك قوي للغاية، فأنت كاتبة مستقلة وروائية معروفة، ومناضلة من أجل حقوق المرأة وحرية الإنسان.
بدأ المدعي الاشتراكي التحقيقات، وكَّلْنا عنك أحد المحامين الممتازين. لا يعرف المحامي حتى اليوم ما هي التهمة الموجهة إليك، ولا يعرف اليوم أو الموعد الذي ستخرجين فيه للتحقيق أمام المدعي الاشتراكي، لكنه يذهب كل يوم إلى مكتب المدعي الاشتراكي، حتى يكون في انتظارك إذا حضرت في أي وقت. اسألي المحقق عن علاقتك بالفتنة الطائفية، فهذا هو السبب الرسمي الذي نُشر في الصحف لتبرير الاعتقال. نقابل المحامي كل يوم، وسوف نرسل لك تباعًا ملخصًا لرأيه. يقول لك المحامي: اطمئني، وسيكون معك أثناء التحقيق. يتوقع أن التحقيق لن يتعرض لكتبك، ولكن ربما يتعرض إلى المقالات التي كتبتِها في صحف المعارضة، سوف نبحث عن هذه المقالات بين أوراقك، ونرسل إليك صورًا منها؛ لتعيدي قراءتها قبل التحقيق. كنا نود أن تكون المحاكمة علنية ليسمع الناس رأيك، لكن المحاكمات لا تُنشر على الناس، حافظي على صحتك، كلنا بخير ونفكر فيك كل يوم. نحبك وننتظر عودتك إلينا.
•••
ارتديت الحذاء الكاوتش وبدأت التمرينات الرياضية، تحولت الحركات الرياضية العنيفة إلى أشبه ما يكون بالرقص. نظرت الشاويشة في عيني وقالت بدهشة: يا إلهي! كنت مريضة منذ ساعة، طلبت لك الطبيب.
قلت بدهشة: طبيب؟! أي طبيبٍ يعالجني وأنا نفسي طبيبة؟
قالت: طبيب السجن.
قلت: وهل أنا في السجن؟
صاحت: سبحان الله، أين أنت؟
قلت: أنا في السماء يا شاويشة.
وسمعت في الجو تغريد العصافير.
•••
إذا كانت الأصوات الحرة المدافعة عن حرية الرأي والكلمة قد ارتفعت في كل مكان من العالم تطالب بالإفراج عني، وعن كل من دخل السجن بدون محاكمة، وبدون تهمة، وبدون جريمة، فلماذا لم يرتفع صوت واحد من داخل مصر؟!
ألهذا الحد كُممت الأفواه؟ واستقر الرعب في العقول والنفوس؟
أرسلت من السجن رسالة إلى نقابة الأطباء المصرية بصفتي عضوًا بها، وأرسلت رسالة إلى اتحاد الكتاب أطالبهم بإرسال مندوب للوقوف على الحالة التي نعيش بها داخل السجن، والمطالبة بالإفراج عنا، أو على الأقل تقديمنا لمحاكمة علنية عادلة.
لكن لا أحد أرسل إليَّ أي رد، صمت كامل، وتجاهل تام لوجودنا داخل السجن.
حتى زملائي وأصدقائي الكتاب والأدباء، لم ينشر أحدهم كلمة واحدة دفاعًا عن حرية الرأي والكلمة، انكمشوا داخل بيوتهم، لاجئين إلى الصمت والسكون، أو السفر إلى الخارج، أو الاشتراك مع الآخرين في العزف على الأوتار التي يطرب لها ذوو النفوذ.
•••
رأيتها تنظر إليَّ بعينيها السوداوين، تبعتها بسرعة إلى دورة المياه، رفعت جلبابها الأبيض، وناولتني مظروفًا أبيض صغيرًا، قالت وهي تلهث: لا تنسي، أحرقي كل شيء بعد القراءة.
فتحت المظروف، بعض أوراق مطبوعة، وورقة صغيرة عليها هذه الكلمات: نبحث عن مقالاتك التي نُشرت في صحف المعارضة، والتي يمكن أن يتعرض لها التحقيق، نرسل إليك هذه المقالات. إحداها بعنوان «الأحزاب يشكلها الشعب»، نُشر في جريدة الشعب في ٩ يونيو سنة ١٩٨١م، والمقال الثاني بعنوان: «حول مشكلة حرية الصحافة»، نُشر في جريدة «الشعب» في ٢٧ يناير ١٩٨١م، والثالث بعنوان: «الحكام يؤلفون والشعب يلبس الطراطير»، نُشر في جريدة «الأهالي» في ١٢ أبريل ١٩٧٨م. يرى المحامي أن التحقيق قد يتعرَّض لها أو لأي مقالٍ آخر منذ ١٩٧٠م. سنبحث عن المقالات الأخرى، نرسل إليك أيضًا صورة من نص استقالتك التي قدمتِها لوزير الصحة في ١٦ يناير ١٩٨١م، وقد يسألك عنها المحقق، يطلب منك المحامي دراسة هذه الأوراق، كلنا بخير ولا ينقصنا إلا وجودك معنا. نحبك.