الفصل الثالث عشر

ذهبت مبروكة إلى الوكالة القديمة التي تركها حموها وأبوها وزوجها، واتخذوا مقرًّا فاخرًا لهم بشارع شريف مكوَّنًا من خمس غرف، ودفعوا فيه مبلغًا ضخمًا. أما شئون الوكالة فقد تركوها لياسر بن متولي الذي كان قد تخرج في كلية التجارة. ولم يكن ياسر منتظمًا في الحضور إلى الوكالة معتمدًا على العاملين بها من ذوي الخبرة. ولم يكن أحد منهم يجرؤ على خيانة الأمانة مع خبرة متولي الفائقة وبخل توفيق الشديد.

فحين ذهبت مبروكة إلى الوكالة استقبلها صميدة الضبع وجلسا في مكتب متولي.

– أهلًا وسهلًا بالباشمهندسة.

– قل لي، أليس بكري الشماع قريبك؟

– نعم.

– أهو هنا؟

– نعم.

– نادِه.

وقالت مبروكة: العملية التي قمتم بها في وكالة مدبولي لا تترك ذهني مطلقًا.

– وكيف عرفتها؟

– إن أبي كثيرًا ما يرويها لنا مفتخرًا أنه هو الذي دبرها.

– صحيح هو الذي رسمها من أولها لآخرها.

– نريد أن نقوم بعملية مثلها.

– حريق آخر؟

– لا، المسألة أبسط من هذا. قل لي يا بكري هل معك مسدس؟

– ولا يترك جيبي.

– إذن نقوم بالعملية.

– متى؟

– سأخبركما بالميعاد.

– هل ستأتين هنا مرة أخرى؟

– لا، سأطلبك في التليفون.

– هذا أحسن. الحمد لله اليوم ياسر ليس هنا. طبعًا أنتِ لا تريدين أحدًا أن يعرف.

– طبعًا إذا كنت لم أقل لزوجي.

وقامت مبروكة وذهبت إلى مكتب حسان ووجدته. وخلت بهما الغرفة فقالت مبروكة: أريد أن تكتب لي عقد شراء أرض بناء.

– تحت أمرك.

– من المشتري ومن البائع؟

– هل من الضروري أن تعرف الأسماء؟

– لا شك.

– المشتري صميدة الضبع، والبائع شحاتة عبد الموجود.

وفي خيرة المحامي الضليع اشتم حسان أن في الأمر شيئًا غير طبيعي، بل قدَّر أن هناك ما يتنافى مع شرف المهنة. فقال لها أين أطراف العقد؟

– موجودون.

– طبعًا موجودون، ولكن لا بد أن يحضروا إليَّ.

– هذا مجرد عقد ابتدائي.

– ولكنه صادر من مكتبي.

– إذن أقول لهما ليأتيا إليك.

– أنا تحت أمرك.

واستأذنت وانصرفت، إلا أن حسان لم يترك الأمر يمر ببساطة فأمسك سماعة التليفون وطلب رقمًا.

•••

طلبت مبروكة صميدة وقالت له: هل تعرف محاميًا؟

– أعرف محامين كثيرين.

– أريد محاميًا يكون في أول حياته.

– هذا أمر سهل.

– قل لي أين تسكن؟

– أين أسكن؟

– نعم.

– لماذا؟

– سأقول لك فيما بعد.

– أسكن في شبرا.

– هل مسكنك مرتفع عن الأرض؟

– بل هو تحت الأرض.

– هل زوجتك تعيش معك؟

– زوجتي في البلدة.

– إذن أنت وحدك في البيت.

– نعم أنا أعيش وحدي.

– عظيم.

– ما هو؟

– لا شأن لك. سأكلمك غدًا وتكون قد أخذت موعدًا من المحامي.

•••

اختارت مبروكة قطعة أرض مساحتها ثلاثة آلاف متر مملوكة لشحاتة عبد الموجود وعرفت حدودها كاملة. واصطحبت صميدة إلى أحد المحامين حديثي التخرج اسمه فوزي العنتبلي وكتب المحامي العقد باذلًا فيه جهدًا كبيرًا، وتقاضى ألف جنيه مقابل كتابة العقد وكتمان أمره.

•••

أطلعت مبروكة صميدة الضبع وبكري الشماع على خطتها، ووافقا على القيام بها مقابل أن يتقاضى كل منهما مائة ألف جنيه.

•••

فوجئ شحاتة عبد الموجود وهو يمشي في شارع مجاور لمنزله خلو من المارة، برجلين ملثمين يمسكان به ويرغمانه بالمسدس على أن يركب سيارة وجد فيها رجلًا ملثمًا آخر هو الذي يقود السيارة. وما لبثت السيارة أن تحركت. وفي ذكاء التاجر أدرك شحاتة أنه لا فائدة من الكلام، وما لبث الرجلان أن وضعا على عينيه عصابة ولم ينطق ببنت شفة.

وفي منزل صميدة دخل الرجال الثلاثة ومعهم شحاتة معصوب العينين، وتأكد المختطفون أن الحارة ليس بها مارة.

وفي البهو الضيق أُجلس شحاتة ورفعوا عن عينيه العصابة، مما أتاح أن يرى المختطفين. وخُيِّلَ إليه أن واحدًا قريب الشبه من شخص يعرفه ولكن تعذر عليه أن يتأكد.

وأخرج بكري الشماع مسدسه ووجَّهه إلى شحاتة، بينما أخرج الرجل الثالث العقد وأمر شحاتة أن يوقع. ولم يناقش شحاتة فقد تبين له أن العملية مدبرة بإحكام، فأخرج قلمه ووقع على العقد، ولكن الأمر لم ينتهِ فقد فوجئ الأربعة بالشرطة تداهمهم وتقبض على أفراد العصابة الثلاثة وتكشف اللثام عن وجوههم. وحينئذ يصيح شحاتة: أنتِ؟! هذا غير معقول وأنا أعتبرك بنتي.

•••

ذعر توفيق مما حدث لابنته، أما صبيحة فإنها تثور لأول مرة في وجه زوجها: بخلك هو الذي صنع هذه الكارثة الكبرى.

ولأول مرة يصمت في ذلة وهوان.

•••

حُكم على مبروكة بخمس عشرة سنة أشغال شاقة.

•••

وما هي إلا شهور حتى اكتشف البنك تزوير نعمان عميرة بالاشتراك مع فتحي توفيق الذي هَرَّبَ الملايين إلى لندن. وقُبِضَ عليه بالمطار محاولًا السفر إليها.

•••

ومنذ ذلك اليوم خيَّم البؤس والحزن على بيت توفيق وصبيحة، وامتنع توفيق عن الخروج بعد أن أُخْرِجَ من شركاته كلها.

والشيء الذي أصر عليه هو إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصدقات بسعة وكرم. وإِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وصدق الله العظيم.

•••

مجلس الشورى في ٢٢ من جمادى الأولى عام ١٤٢٠ﻫ، الموافق ٢ من سبتمبر عام ١٩٩٩م، الساعة ١:٥١ ظهرًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤