الفصل الثالث

أُصيبت صبيحة بصدمة ودهشة حين أبلغها أبوها بالنبأ، ولكن ما لبثت هذه الصدمة أن وهنت. وأين عمران من توفيق صاحب الأربعين فدانًا. ربما أراد لي الله أن أعيش عيشة بعيدة عن القحط والفقر والعوز الذي أحياه أنا وأبي، ومستقبلي مع عمران كان سيسوده نفس الفقر، إن لم يكن أدهى وأمر. وأي مصير كنت سألقاه إذا خلفت أولادًا؟ إن الأمر حينذاك سيكون بالغًا حد العوز والفاقة.

وماذا عن حبك لعمران؟ يغور الحب وأيامه. وهل كنت وجدت خيرًا منه ولم أحبه؟ ابن عمي وشكله مقبول وأدركت أنه سيطلبني للزواج، فصبرت نفسي على الهم وهيَّأت نفسي لقلبي أنه يحبه، والله يعلم أنه لا حب هناك ولا يحزنون، وإنما كان رضًى بالأمر الواقع. وأنه يملك ثلاثة فدادين أمر نادر بين شباب الفلاحين. ولن يجد أبي عذرًا يجعله يرفض زواجه مني. الحمد لله غُمَّة وانزاحت وأراد الله لي أن أصبح ستًّا لا خادمة. فإنني لو كنت تزوجت من عمران كنت لا شك سأخدم في البيوت حتى تصبح حياتي أنا وهو قابلة للعيش، ولن أستطيع أن أرفض الخدمة. فأولًا أنا أقوم بها وأنا في بيت أبي، وحين أصير زوجة عمران ستصبح خدمة البيوت حتمية إن كانت في بيت أبي اختيارية. نعم يقولون عن توفيق إنه بخيل. ولكن مهما كان بخله فهو أهون من حياة العوز التي أعيشها مع أبي، أو تلك التي كنت سأحياها مع عمران إذا تزوجته. على كل حال الزواج من غني بخيل خير من فقير كريم.

الخيرة فيما اختاره الله.

وهكذا كانت صبيحة أقرب إلى السعادة بطلب توفيق ليدها. وقد تعجَّب أبوها مما أحسه من حبورها الذي يقترب من البهجة، فقد كان يتوهم أنها تحب ابن عمها، وكان يحسب أن ابنته ستحزن لاضطراره أن يقبل الخطبة الجديدة ولرفضه لعمران ابن أخيه. وكان يشعر بتأنيب الضمير أنه فسخ خطبة ابنته ممَّن كان يظن أنها تحبه حتى إنه قال لابنته في صراحة: أنا آسف يا صبيحة، فقد كان حبسي هو البديل عن زواجك من توفيق.

ودهش أنها قالت له في غير مبالاة وفي صوت فيه رنة قريب من السعادة والابتهاج: ولا يهمك يا أبي، ربما يكون ربنا أراد بي خيرًا.

– فأنتِ لا تلومينني.

– ألومك؟! معاذ الله.

– الحمد لله. لقد أرحتِني من الهم الذي ركبني.

– يا أبي أتكون مهمومًا لأنك زوجتني من رجل في غنى توفيق؟

– حسبتك تحبين ابن عمك.

– الحب مقدور عليه.

– لقد أرحتني يا ابنتي. أرجو الله عز وجل أن يكتب لك السعادة مع زوجك.

– آمين يا رب.

•••

أما عمران فقد نزل عليه الخبر نزول الصاعقة، فقد كان فعلًا يحب صبيحة. وحاول أن يعاتب عمه ولكن الشيخ إسماعيل روى له الظروف التي تعرَّض لها عند قبوله لهذه الخطبة، ولم يجد عمران ما يقوله. ولكن الشيخ إسماعيل سأله في وضوح: هل أُلام على ما فعلت؟

وفي حزن وأسى: لا لوم عليك، وإنما اللوم على الرجل الفاجر الوضيع الذي لا يخشى الله، ولا يرعى أي حق من حقوق البشر.

– لا تحزن يا ابني. وربنا إن شاء الله يعوضك خير عوض.

– الأمر لله. وحسبي الله ونعم الوكيل في أمرك يا توفيق يا ابن صبحي.

•••

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤