الفصل التاسع
قال توفيق لمتولي: أنا أرى أن أثمان المباني ترتفع.
– فعلًا، ففي الأيام السود كان لا أحد يضع حجرًا على حجر مخافة أن يصادر.
– المهم أريد أن أشتري العمارة التي أسكن بها.
– طبعًا أنت تعرف أن الشراء لن يكون على الأساس الذي اشتريت به شقتك.
– أنا أعرف، وأنا أريد الشراء قبل أن ترتفع الأسعار.
وركبا سيارة توفيق وذهبا إلى مكتب الحاج خيري الوزَّان، وقال توفيق: أريد أن أشتري العمارة التي أسكن بها.
– ومن أدراك أني أريد بيعها؟
– يا حاج خيري أنت مقاول كبير، والمقاول يحتاج لمال سائل ولا يهمه أن تكون له عمارات.
– ولكني لم أعرضها للبيع.
– احمد ربنا أنني أتقدم لشرائها، فأنت لم تبع فيها إلا شقتي أنا والشقق الأخرى المؤجرة لا تكسب منها إلا قروشًا.
– فلماذا تريد أن تشتريها؟
– مغفل.
– العفو لا بد أنك ناوي على نية.
– النية التي عندي حتى الآن هي الشراء.
– وأنا بائع.
– نتكلم في الثمن.
واستطاع توفيق بمعاونة متولي أن ينزلا من الثمن سبعة آلاف جنيه. وتم البيع وسجلاه في الشهر العقاري.
•••
كان توفيق حين اشترى العمارة ينوي أن يخرج السكان ولكن الأمر استحال عليه، فاتفق معهم على أن يزيد قيمة الإيجار. وقبل السكان اتقاءً للخلافات التي تنشب بين المالك والمستأجر.
•••
كانت مبروكة وفتحي مجدَّين كل الجد في دراستهما، ولم يكن هذا عن طبيعة فيهما وإنما الفضل يرجع أولًا وأخيرًا إلى أمهما التي كانت في دخيلة نفسها غير راضية عن جهلها، وكانت تريد أن تبعد شبح هذا الجهل عن ابنها وابنتها.
استنجدت صبيحة بتفيدة البرشومي لإقناع توفيق بإدخال مبروكة إلى الجامعة، وقد فوجئت تفيدة بهذا الطلب حين قالت لها صبيحة: أنا قصداك في جميل لن أنساه لك.
– أنا تحت أمرك.
– مبروكة بنتي.
– ربنا يطيل عمرها. ما لها؟
– حصلت في الثانوية العامة على مجموع كبير جدًّا.
– تسلم.
– وهي تريد وأنا أريد أن تدخل الجامعة بأي ثمن.
– الجامعة … وماذا تفعل بالجامعة؟
– البنت ذكية وتفهم في كل شيء، وحرام أن نحرمها من التعليم.
– بل الحرام ألا تتزوج. أنا جائية إليكِ لأخطبها لابني سعيد.
– أنعم وأكرم.
– وتقولين لي جامعة.
– وهل هذا يمنع؟
– أنتِ إذن موافقة؟
– وهل نجد لها خيرًا من سعيد. فقط أسألها وسي متولي يكلم أباها.
– طبعًا يا حبيبتي.
– إذن أعطيني فرصة.
– إذنك معك يا حبيبتي.
– ولكن هذا لا يمنع دخولها الجامعة.
– وحصولها على الشهادة العليا.
– إذن اتفقنا.
– فُتِّك بعافية يا حبيبتي.
– مع ألف سلامة.
كانت صبيحة واثقة من موافقة توفيق على زواج سعيد من مبروكة، فقد تبينت من أحاديثه معها أن هذا الزواج واحد من أمانيه النادرة التي باح بها لزوجته فلم يكن يحادثها في أي شيء من أعماله. أما إذا كان الأمر يتعلق بزواج ابنتها فلا بأس أن يحادثها فيه. وقد سُرَّت صبيحة من الخطبة ورأت فيها وسيلة لقبول زوجها أن تدخل ابنتها الجامعة. وبادرت مبروكة بقولها: جاء لك عريس.
– هل معنى هذا ألا أدخل الجامعة؟
– على العكس.
– من هو العريس أولًا؟
– سعيد ابن عمك متولي.
وصمتت مبروكة ولم تُجِب. وقد كانت هذه الخطبة مُتوقَّعة وأنا لا أعرف في بيتنا شيئًا ذا أهمية إلا الفلوس. فما البأس أن أتزوجه وهو غني وليس جهله مانعًا، فما دام غنيًّا فكل شيء يُغتفر له. وعلى كلٍّ ليس في مصر أغنياء اليوم إلا الجهلاء. وأفاقت من تفكيرها على أمها تصيح بها: ما لك سكتِّ؟ ألا يعجبك؟
– يعجبني بشرط.
– قلت لأمه هذا الشرط ووافقت عليه، وليس علينا الآن إلا أن نحتال على أبيك.
وحين جاء توفيق لبيته في الظهيرة، سألته صبيحة في تخابث: هل قابلت متولي اليوم؟
– نعم. لماذا؟
– ألم يقل لك شيئًا؟
– ماذا تنتظرين أن يقول؟
– يعني، فقد جاءتني اليوم زوجته تفيدة.
– وهل يعني مجيئها أن يقول لي متولي شيئًا؟
– خطبت مبروكة لابنها سعيد.
وتهلل وجه توفيق: صحيح؟
– نعم وحياتك.
– وماذا قالت مبروكة؟
– موافقة بشرط.
– أي شرط تطلبه أنا موافق عليه.
– تكمل الجامعة.
– ماذا؟
– ما سمعت.
وأطرق توفيق لحظات وقال: هل عرفت تفيدة هذا الشرط؟
– ووافقت عليه.
وبعد الظهيرة من نفس اليوم جاء متولي ومعه زوجته، وتمت الخطبة على أن تدخل مبروكة الجامعة ويتزوجها سعيد قبل التخرج بسنتين. ووافقت مبروكة ورنت الزغاريد في بيت توفيق.
ودخلت مبروكة كلية الهندسة قسم المعمار، وبعدها بعام واحد دخل فتحي أخوها كلية الطب.
•••