المنظر الأول
مقصورة الأميرة
(وفيها — نقشًا على الستارة الخلفية — من مظاهر البذخ
الشرقي والنعمة والراحة الشيء الكثير، وكذلك يراعى جمال سرير الأميرة،
وهي نائمة على السرير وبجانبها الأمير أردشير وأمامهما كأسان ودن الخمر
وأطباق الفاكهة على صينية فوق المائدة. ويراعى وضع السرير إلى جانب
المسرح بحيث يتيسر إخراجه بسرعة عند تغيير المنظر. وتوضع سجادة فخمة على
أرض الشرفة، بحيث تصلح مع غيرها للمنظر الثاني أيضًا. الوقت ليل والشموع
موقدة على شمعدانات الذهب والفضة.)
الأميرة
:
لست أرضى يا حبيبي
بفراق دون عَوْد
الأمير
:
من قال هذا؟ إنني
أسعى لخِطبة نعمتي
قصدي لقاء أبي لكي
يدري عواقبَ بَعْثَتي
وإذن يُسَرُّ، وعندها
يُزجِي إليكِ هديتي
ويكون عوني في رجا
ءِ أبيك لي يا مهجتي!
الأميرة
:
روحي تذوب إذا جشَّمْتَها بُعْدَك
فإنما صَفْوُها مُستجمَعٌ عندك
أجدَى لها عِيشةٌ بالوصل آمنة
من نعمة تُرتجى في مُقْبل بَعْدَك
قلبي الخفوقُ المُناجي لن
يُهدِّئَه
وَعْدٌ، فبالله أنصفْ مُحسنًا عبدَك!
الأمير
:
ما كنتُ مَن عرف الهوى لولاكِ
أو عِشتُ إلا من نعيم هواك
ما دِنْتُ إلا للجمال ولم أجد
حسنًا إليه عِبادتي إلَّاكِ
لا تحذري مني السُّلُوَّ فإنني
أسلو الحياة إذا سلوتُ نداك
وأذوقُ كأس الموت دون غضاضة
طوعًا، وأخشى أن أجنَّبَ فاكِ
لا تجزعي خوفَ الفراق فمهجتي
في راحتيكِ، ورحمتي عيناكِ!
الأميرة
:
أخشى الفراقَ فإن قربَكِ مهجتي
فإذا نأيتَ فكل أنسٍ شاكِ!
الأمير
:
سمعًا رَضيتُ بقائي
فرحلتي في سبيلِكْ
أنا الأسيرُ لحسنٍ
له فؤادُ خليلك
ولن أُبالي بعُقْبى
حُبي ووَحْي دليلك
هاتي الشراب وغَنِّي
هاتي حياة قَتِيلك!
(تبتسم في دلال وتناوله كأس شرابه وترفع كأسها
دون أن تشرب مغنية هذه الأبيات التالية.)
الأميرة
:
الحب أوله دُعابه
حتى يُعوِّدنا اصطحابه
فإذا تمكن لم يَشَأْ
بعض القناعة والإجابه
يَستصْغِرُ العقلَ الحَصِيـ
ـف وقد يخصُّ به عِقابه
عِشْ يا نعيمي لا تخفْ
قُربي وخُذْ أحلى الدُّعابه!
(يضحكان ويتبادلان القبل ويشربان وهي تكرر البيت
الأخير ثم تجر الأميرة ستارة قصيرة تحجب السرير عن الداخل إلى
المسرح وإن لم تحجبه عن النظارة.)
الخادم كافور
(يسمع صوته من الخارج مخاطبًا مربية
الأميرة لدى باب المقصورة)
:
كافور
:
افتحي! افتحي! فهذي هديه
وصَفُوها قِلادةً دُرِّيَهْ
(سكون واستدراك.)
افتحي! افتحي! فهذي الهديَّهْ
المربية
:
ليس عندي المفتاح فاذهب ودَعْنا!
كافور
:
قال لي واجِه الأميرةَ فورًا
المربية
:
هاتِها هاتِها وكنْ مطمئنًا
سوف تزهو غدًا بجيدِ (الأميرَهْ)
كافور
:
ما سِرُّ دَفْعِكِ لي وهذي
تُحْفَةٌ
نَدَرَتْ فجاد بها المليك لبنتِه؟
جاءته مِن مَلِك عظيم مثله
فاختصَّ زينتَها بزينة بيته!
المربية
:
اذهب كفى إزعاجُنا
في مثل هذي الساعة!
كافور
:
اذهبي يا عجوز!
اذهبي! اذهبي!
(ثم يحاول فتح الباب، وأخيرًا يدفعه ويدخل بعد
انكسار القفل من هز الباب.)
كافور
(متعجبًا من ظهور الغرفة حيث الشموع موقدة
والخمر ممدة للمشرب … إلخ)
:
ماذا جرى؟ ماذا جرى؟
أين الأميرة يا تُرَى؟
(ثم يدنو من السرير ويزيح الستارة فيتراجع
مذهولًا من مشهد نوم الأميرة في حضن الأمير ويستيقظان من
حركته فينادي كافور الأمير غاضبًا):
من أنت يا هذا؟
من أنت يا هذا؟
الأمير
(مبهوتًا)
:
لا تُسِئْ ظنًّا بنا!
لا تسئ ظنًّا بنا!
لا تسئ ظنًّا فما كان الهوى
عارًا، ولست سوى أمير!
الأميرة
(معززة الأمير في وجل)
:
كافور
:
أيها الحراس!
أيها الحراس!
احرسوا المقصورهْ!
احرسوا المقصورهْ!
(يدخل أربعة من الحراس مدججين بالسلاح بينما
تترامى الأميرة على قدميه.)
كافور
(مخاطبًا الأميرة وقد كادت تفقد
رشدها)
:
هيهات! هيهات! … حقٌّ
عليَّ عِلْمُ أبيك
هذي الدعارةُ ليستْ
أهلًا لبنتِ مليكِ!
(ثم تنزل الستارة استعدادًا للمنظر
الثاني.)
المنظر الثاني
مقصورة الملك عبد القادر
(يراعى في أثاثها ومناظرها أبهة الملك، وباعتبار هذا
المنظر ختام الفصل الثالث فمن الميسور استعمال أثاث شبه ثابت له.)
الملك عبد القادر
(جالسًا على كرسي وبجانبه وزيره)
:
لا شك أن بُنيتي
ستُسَرُّ من تلك الهديَّهْ
أسنى الهدايا لم تكن
إلا لبهجتها السَّنيَّهْ!
الحاشية
(سيدات ورجالًا على الجانبين)
:
أنت معنى الكَرَم
والعُلى والشَّمَم
فلتَعِشْ في هِمَمْ
ولنعشْ في نِعَمْ
يا مليك البلاد!
إن أرقى الأُمَمْ
رمزها مَنْ حَكَمْ
فلتدم والعلَم
شهرة كالهَرَم
قِبْلةً للعباد!
الملك
:
شكرًا وقد آن وقـ
ـتُ الانصراف فهيَّا!
وحبذا قبل هذا
برقصة كالحُمَيَّا!
فالرقصُ سحرٌ كفيلٌ
بالميت يُبْعَثُ حَيَّا!
صافَى الغِناءَ وصافَى
للشعرِ فَنًّا جَنِيَّا!
الحاشية
(تغني هذه الأنشودة على رقص بعض
الجواري)
:
رنِّحينَا! رنحينا!
يا حياةَ العاشقينَا
يا دواءَ البائسينا!
يا أغاريدَ الشَّبَاب
من زَكِيٍّ لِمَلَابِ
وشُعور الحبِّ فينا!
من سُوَيْعات الغَرَام
في مُدَام ومُدَام
ونعيم الخالدينا!
إنما العُمْرُ سيَمْضي
بين أحلام وغُمْض
فلْنُرَاع اليائسينَا!
رَقصَةٌ أشهى وأحلى
من يَسارٍ ما تَحَلَّى
بسرور العارفينَا!
دُمْ مليكَ العصر نُورًا
يملأ الدنيا حُبورًا
ومَلاذ التابعينَا!
(تنصرف الجواري بعد أداء تحايا الخضوع.)
الملك
(مخاطبًا وزيره)
:
إني السعيدُ بليلتي
وهديتي لبنيتي
(يدخل الخادم كافور خاشعًا مضطربًا وبيده في علبة
فاخرة القلادة التي لم يقدمها إلى الأميرة.)
الملك
(مندهشًا)
:
ماذا؟ ألم تُعطِ الأميره؟!
الخادم كافور
:
في خَلْوَةٍ لأبثَّ آ
لامي وأحزاني الخطيره!
الملك
:
قل لا تُثِرْ غضبي فما
أرضى الحديث بخلوة!
الوزير
:
قل يا غلام ولا تُثِرْ
بالخوف مِن غَضَبِ المليك!
الخادم كافور
:
إذن مولاي سامحني
وجُدْ لي بالأمان إذن!
(يرمي له الملك منديل الأمان.)
الملك
:
قل ما لديك أمينا!
قل يا فتى في أمان!
الخادم كافور
(يقص هذا النبأ والملك في اندهاش
واضطراب)
:
يشق عليّ يا مولاي وصفي
فتاتُكَ وهي في حضن الدعاره
فقد ألفيتُها جنبًا لجنب
بمرقَدِها تضم فتى وتاره
تقبله بشوق بل جنون!
الملك
(ساخطًا مذعورًا سالًّا سيفه بيده)
:
أسرعْ إليَّ با، وعجِّل
بالفتى الوَقِح الأثيم!
ولْيُحْضَرَا في المرقدِ النـَّ
ـجس المدنَّس باللئيم!
(يخرج كافور مطيعًا معجلًا.)
الملك
:
أرأيت كيف مصيبتي ووفاتي
مَنْ ذا يُصدِّق نكبتي بفتاتي؟
كانت (حياةً للنفوس) فأصبحت
رمزَ الممات ولات حين مماتي!
الوزير
(بارتياح الدساس)
:
أمَّا حياتُكَ فهي ملـ
ـك للرعية دون شك
عاقب إذن واحفظ حيا
تك يا مليكي ذُخر ملك
(يدخل الخادم كافور ثم يتبعه أربعة من الحراس
حاملين سرير الأميرة وهي مضطجعة عليه مع الأمير أردشير.)
(ويهجم الملك على السرير نازعًا الغطاء فتنتفض
ابنته وتقف على قدميها مضطربة وكذلك الأمير أردشير، فيحاول الملك
أن يضرب عنقها بالسيف فيسبق الأمير أردشير ويرمي نفسه على صدر
الملك.)
الأمير أردشير
:
ما الذنبُ منها! لا تكن متعسفًا
إني الأثيم فجُدْ بقتلي منصِفَا
(يهم الملك بضربه فتحول دون ذلك ابنته ويبقى
كلاهما متضرعًا على الأرض.)
الملك
:
صَهْ يا جبانُ ولا تُلَوِّثْ
مسمعي!
الأميرة
:
ما كان ذا جُبْنٍ، وليس بمدَّعي
بل وارثُ العرش العظيم (بفارس)
القاهرُ البُلْدان دون تمنُّع!
الملك
(مسترجعًا ثباته متأملًا في هذا
الخبر)
:
ماذا تقول أيا وزيري
في ذلك الخبر الخطير؟!
الوزير
(وهو محضر سوء)
:
لا شك هذي حيلة
من أسخف الكذب الذميم!
وكلاهما أهل لتعـ
ـذيب وتنكيل جسيم!
ثم القضاء عليهما
بالسيف كالحَكَم الحكيم!
الملك
(مشمئزًّا ثائرًا من جديد، مخاطبًا
كافور)
:
(يخرج كافور لإحضار السياف.)
سوف والله تلقيان عذابًا
ومماتًا كلاهما من جحيم
(يدخل السياف ومعه صبيانه.)
الملك
:
أيها السياف في غير ضَراعهْ
اقتل الفاسق، لن أرضى الشفاعهْ!
ثم أتبِعْهُ بهذي الفاجرهْ
ثم خَلِّ النار ذكرى الآخرهْ!
(يضع السياف يده على ظهرها فيهيب به الملك
موبخًا.)
الملك
(غاضبًا موبِّخًا)
:
اعرف فُروضَكَ أيها السيافُ
هُنَّ الرَّدَى لا هذه الألطاف!
(ويجر الأميرة من شعرها وكذا الأمير، فتنزل
الستار سريعًا.)