أحلام يقظة
جلس لوري فوق أرجوحته الشبكية في يوم دافئ من أيام شهر سبتمبر/أيلول. تساءل ماذا يفعل جيرانه الآن، لكنه كان يشعر بالكسل، فلم يذهب ليستكشف بنفسه. لم يكن قد أنهى واجباته الدراسية، وهو الأمر الذي أثار إحباط السيد بروك. وبدلًا من إنهاء واجباته، عزف على البيانو، مما أغضب جده. ثم مزح مزاحًا ثقيلًا مع إحدى الخادمات، وتشاجر مع السائس. لذا بدا كل من بالمنزل غاضبًا من لوري. لحسن الحظ، غلبه النعاس، ونام بعض الوقت فتحسنت حالته المزاجية. سمع لوري أصواتًا أيقظته من حلم رأى فيه أنه يخوض مغامرة في البحار. فتح عينيه فرأى الشقيقات الأربعة يخرجن من المنزل.
كان شكلهن غريبًا، ترتدي كل واحدة منهن قبعة كبيرة وحقيبة معلقة على كتفها وتمسك عكازًا. مرت الفتيات بالحديقة، ثم صعدن فوق التل في اتجاه النهر. شعر لوري بالتجاهل والإهمال لأنهن لم يدعُنَّه، فقرر اتِّباعهن.
عثر عليهن جالسات في ركن ظليل. كانت ميج تخيط، وإيمي ترسم، وجو تَحبك وتقرأ بصوت عال، أما بيث فكانت تفرز كيزان الصنوبر. شعر لوري بالاستياء من نفسه لأنه تلصص عليهن، لكنه كان يشعر بالوحدة، لذا اقترب منهن.
سألهن: «هل تسمحن لي بالانضمام إليكن؟ أم أنني سأزعجكن؟» رفعت ميج أحد حاجبيها.
قالت جو: «بالطبع يمكنك الانضمام إلينا. كان يجدر بي أن أطلب ذلك منك، لكن لم أكن واثقة أنك ستحب ألعاب الفتيات.»
– «أنا على ثقة أنها ستكون ممتعة، لكن إذا أرادت ميج أن أنصرف، فسأنصرف.»
قالت ميج: «يمكنك المكوث معنا ما دمت ستفعل شيئًا، فهذا مجتمع الفتيات الكادحات، وغير مسموح بالخمول هنا.»
– «ماذا ينبغي علي أن أفعل؟»
أعطته جو كتابًا ليقرأه بصوت عال أثناء حبكها لعقب جوربها. عندما انتهى، سألهن: «ما اللعبة التي سنلعبها؟»
سألت ميج شقيقاتها: «هل نخبره؟»
حذَّرتها إيمي: «سيسخر منا!»
وعدهن لوري: «كلا، لن أسخر، هذا وعد مني.»
شرحت له جو أنهن يسعين طوال العام إلى أن يكُنَّ فتيات طيبات ومعطاءات. وأنهن يأتين إلى هذه البقعة ليعملن حيث يستمددن الإلهام من منظر النهر الأزرق الواسع والتلال الخضراء والسحب البيضاء التي تتلألأ في سماء المدينة كأبراج الكنيسة. وعلى سبيل الاستمتاع، يرتدين القبعات القديمة، ويؤدين مسرحية «السائح المسيحي» في طريقهن إلى تلك البقعة.
تنهدت جو: «ألن يكون الأمر ممتعًا إذا تحققت كل أحلام يقظتنا؟»
قال لوري إنه من الصعب عليه السعي وراء تحقيق حلم واحد لأن لديه الكثير من الأحلام.
سألته جو: «ما حلمك المفضل؟»
– «سأخبركن بحلمي إذا أخبرتموني جميعًا بأحلامكن.»
وافقت الفتيات على ذلك.
قال لوري بنبرة واثقة: «أحلم بأن أنتقل إلى ألمانيا، وأعيش هناك، وأصبح عازفًا مشهورًا. هذا هو حلم يقظتي.» ثم استدار إلى ميج، وقال لها: «حان دورك.»
قالت ميج: «أود أن أكون ربة منزل جميل، وأن أديره على خير وجه.»
مازحها لوري: «مع زوج رائع؟»
احمرَّ وجه ميج، وقالت جو في حزم: «لن يكون حلمك مثاليًّا إلا بوجود زوج طيب وملائكة صغار من حولك، وأنت تعلمين ذلك!»
أجابتها ميج على الفور: «وحلمك أنت أن يكون لديك خيول، وأقلام وحبر، وروايات من تأليفك!»
ابتسمت جو: «بالضبط! أود أن أكتب، وتكسبني قصصي شهرة كالشهرة التي سيحققها لوري من عزفه!»
قالت بيث في هدوء: «حلمي أن أمكث بالمنزل مع أمي وأبي وأساعدهما في الاعتناء بالأسرة.»
سألها لوري: «أهذا كل شيء؟»
قالت بيث: «أجل، لا سيما بعد أن حصلت على البيانو الصغير. هذا كل ما أحتاج.»
قالت إيمي فجأة: «حلمي أن أذهب إلى روما وأصبح فنانة مشهورة.»
فكَّر لوري وقال: «يا لنا من أشخاص طموحين! كلٌّ منا يحلم بالثراء والشهرة، ما عدا بيث. أتساءل هل سننجح في تحقيق أحلامنا.»
قالت جو: «لديّ مفتاح تحقيق حلمي، لكنني لا أدري هل سأستطيع تحقيقه؛ فهذه قصة أخرى.»
تنهَّد لوري، وقال: «أنا أيضًا.»
رفعت إيمي قلمها الرصاصي، وقالت: «وها هو مفتاحي!»
قالت ميج بصوت خافت: «ليس لدي أي مفتاح.»
أجابها لوري: «بلى، وجهك الحسن.» احمرَّ وجه ميج خجلًا للمرة الثانية. قال: «صبرًا جميلًا وستتأكدين أن وجهك الجميل سيحقق لك شيئًا جديرًا بالاهتمام.»
اقترحت جو: «لنتفق أن نتقابل هنا بعد عشرة أعوام من الآن، ونرى إلى أي مدى وصلنا في تحقيق أحلامنا.» وافقها الجميع، وقالوا إنها خطة رائعة.
علَّق لوري وهو مستغرق في التفكير: «أتمنى أن أكون حققت شيئًا أفتخر به بحلول ذلك الوقت، لكنني كسول للغاية.»
قالت جو بنبرة مطَمْئِنة: «كل ما تحتاج إليه هو بعض الإلهام.»
قال لوري: «يجدر بي أن أكون سعيدًا لإرضاء جدي، فهو يريدني أن أتولى إدارة تجارة العائلة، وأنا أود أن أكون عازفًا، وأتمنى كثيرًا أن أرتحل في العالم.»
اقترحت جو: «يجدر بك أن تبحر بعيدًا، ولا تعد أبدًا إلا بعد أن تحقق ما تريد.»
قالت ميج في نبرة توبيخ: «هذا ليس بالأمر الصحيح يا لوري، ينبغي عليك أن تفعل ما يريده جدك. وحالما يتبين له أنك تبذل قصارى جهدك في الكلية، فمن المؤكد أنه سيحقق لك رغباتك.» واستطردت: «قم بواجبك وستحظى بالاحترام والإعجاب كالسيد بروك.»
سأل لوري ميج ماذا تعرف عن السيد بروك.
– «إنه اعتنى بوالدته حتى ماتت، والآن يعيل ممرضة أمه العجوز.»
وافقها لوري في أن السيد بروك رجل نبيل، ثم استرسلت ميج وأخبرت لوري أن عليه الاستماع إلى معلمه وعليه استذكار دروسه جيدًا. شعر لوري بالإهانة دقيقة، وبعدها استعاد روحه الفكاهية مرة أخرى.
استأنفت جماعة الفتيات الكادحات العمل، أما لوري فقد حاول جاهدًا أن يثبت براعته ليضمن عضويته في تلك الجماعة.
في الليل، أثناء عزف بيث على البيانو للجد لورانس، راقبهما لوري في هدوء من مدخل الباب. فكَّر كثيرًا فيما قالته ميج، وتعهَّد بينه وبين نفسه: «سأتخلى عن حلمي في الوقت الحاضر، وسأمكث مع جدِّي العزيز وقت احتياجه إليّ، فأنا كل ما تبقى لديه في الدنيا.»