أسرار
حل شهر أكتوبر/تشرين الأول فحلَّت معه البرودة وقصُر النهار. جلست جو في علية المنزل وهي مختبئة أسفل بطانية قديمة، وأخذت تكتب في عجلة وفأرها سكرابل يلعب عند قدميها. أنهت الجملة الأخيرة، ثم وقّعت في كل ثقة، وصاحت: «يا إلهي! لقد بذلت قصارى جهدي.»
ثم حزمت رزمة الورق بشريط أحمر، وأخرجت مخطوطة ثانية من مخبئها السري، ووضعتهما معًا في حقيبتها، وتسللت إلى الطابق السفلي في هدوء.
تسللت جو خارج المنزل، وشقَّت الطريق إلى المدينة. وعندما وصلت إلى وجهتها، ترددت عدة مرات في دخول المبنى. عُلِّقت عند مدخل المبنى لافتة إعلانية لطبيب أسنان، وفي المحاولة الثالثة، شقَّت طريقها عبر السلم المغطى بالتراب. كان لوري يمر على الجهة الأخرى من الشارع مصادفة حين رأى جو تدخل ذلك المبنى. عَبَر الشارع، وانتظر أسفل اللافتة. قال في نفسه: «ليس غريبًا على جو أن تأتي إلى هنا وحدها. إذا كانت تشعر بالألم، فسأصطحبها إلى المنزل.»
وفي غضون عشر دقائق، ظهرت جو ووجهها متشح بالاحمرار، وبدا عليها أنها كانت تمر بمحنة ما. لم تفرح جو عندما رأت لوري، وحاولت أن تتجاهله، لكنه اتبعها.
سألها: «هل كان الأمر بغيضًا؟»
– «ليس تمامًا.»
– «لكنك انتهيت سريعًا.»
– «أجل، حمدًا لله.»
سألها: «لماذا ذهبت وحدك؟»
– «لم أشأ أن يعرف أحد بالأمر.»
وبَّخها لوري: «أيتها الفتاة السخيفة، كم سِنًّا خلعت؟»
ضحكت جو، فقد أدركت أن لوري ظن أنها صعدت إلى طبيب الأسنان. لمعت عيناها وهي تجيبه: «عليّ أن أنتظر أسبوعًا من أجل الاثنين اللذين أريدهما أن يخرجا إلى النور.»
سألها لوري: «لماذا تضحكين؟ وماذا كنت تفعلين؟»
أجابته جو: «ماذا كنت تفعل أنت في صالة البلياردو تلك؟»
أوضح لها أنها ليست صالة بلياردو، بل هي صالة ألعاب رياضية. وأنه كان يحضر دروسًا للمبارزة بالسيف.
قالت جو: «رائع! هذه اللعبة ممتعة! يمكنك أن تعلمني، وحينها سنؤدي مسرحية هاملت.»
ضحك لوري، ووافق على تعليمها المبارزة بالسيف حتى لو لم يؤديا مسرحية هاملت. كان السير إلى المنزل ممتعًا لولا نشوب شجار صغير بينهما. حذَّرته جو من أن يكون فتى طائشًا، وأخبرته أن والدتها لا تحب ذلك.
– «هل ستوجهين لي النُصح طوال الطريق إلى المنزل؟»
أجابته جو: «بالطبع لا، لماذا تقول ذلك؟»
– «إذا كنت ستفعلين، فسأشق طريقي وحدي. وإن لم يكن ذلك، فسأخبرك بسر.»
تحمست جو كثيرًا عندما سمعت بأمر السر، وقالت: «لن أسدي إليك أي نصيحة أخرى، هيا أخبرني بالسر!»
لكن لوري لم يخبرها بالسر حتى أخبرته هي بما كانت تفعله في المدينة. أخبرته جو أنها كانت في مكتب الجريدة، وأنها تركت قصتين من قصصها مع المحرر، وأن عليها الانتظار أسبوعًا لتعرف هل تمت الموافقة على القصص أم لا.
صاح لوري: «مرحى يا جو مارش، المؤلفة المشهورة!» وقذف قبعته في الهواء.
تجهَّمت جو، وقالت: «توقف، قد لا يوافق المحرر على القصتين، لكنني لم أكن لأنعم براحة إلا إذا حاولت.»
أخبرها لوري أن قصصها رائعة، وأنها ستنشر بالتأكيد. حان دوره الآن أن يخبرها بالسر. قال لها إنه يعلم أين توجد فردة قفاز ميج المفقودة، وهمس إنه رآها في جيب السيد بروك. «أليس هذا رومانسيًّا؟»
قطَّبت جو حاجبيها، وقالت: «كلا، إنه أمر مروع.» مقتت جو فكرة أن يأتي شخص ويأخذ ميج بعيدًا عن العائلة. «أعتقد أنني لا أحب الأسرار، أنا غاضبة الآن لأنك أخبرتني.»
أراد لوري التخفيف عنها، فقال: «ما رأيك أن نتسابق أثناء نزول التل؟»
ركض الاثنان بقوة عبر المنحدر، وسقطت قبعة جو ودبوس شعرها أثناء ركضها، لكن فورة النشاط حققت الهدف المنشود، وتحسنت حالتها المزاجية على الفور. وعندما أدركت لوري عند أسفل التل، كانت منقطعة الأنفاس.
قالت وهي تلهث: «ليتني كنت حصانًا، وحينئذ كنت سأتمكن من الركض أميالًا دون أن أشعر بالتعب. هل من الممكن أن تتصرف بنبل وتحضر لي أشيائي التي سقطت مني؟»
حاولت جو إصلاح تصفيفة شعرها قبل أن تقابل أحدًا في الطريق، لكن كان الأوان قد فات. حضرت ميج وهي ترتدي أفضل فساتينها، فنظرت إلى أختها، وقالت: «يا جو، متى ستكفين عن الركض طوال الوقت؟»
أجابتها جو: «لن أكف إلا عندما أصير عجوزًا شابَ شعرها. دعيني أعيش شبابي يا ميج.» عضَّت على شفتيها لتمنع نفسها من البكاء. استقر السر في أعماق قلبها، فآخر ما كانت تتمناه هو أن تكبر أختها وتتزوج.
تدخَّل لوري في الوقت المناسب، وسأل ميج: «أين كنت؟»
– «كنت بمنزل عائلة جاردينر، كانت سالي تخبرني بأدق تفاصيل زفاف بيل موفا؟»
سألها لوري: «هل شعرتِ بالغيرة.»
أقرت: «أجل للأسف.»
قالت جو بصوت خافت وهي تحرك قبعتها: «أنا سعيدة بذلك. إذا كنت تحبين الثراء، فلن تتزوجي رجلًا فقيرًا أبدًا.»
اتَّسعت عينا لوري، فهو لم يكن يود إفشاء السر.
قالت ميج: «لا أظن أنني سأتزوج أبدًا.» ومضت في طريقها أمامهما. تصرفت جو ولوري كالأطفال، وأخذا يقذفان الحجارة ويضحكان ويتهامسان. أرادت ميج الانضمام إليهما، لكنها لم تكن لتلهو معهما وهي ترتدي أفضل ثيابها.
على مدى أسبوع، تصرفت جو على نحو غريب للغاية، فكانت تهرع إلى الباب وقتما يأتي ساعي البريد. وكثيرًا ما كانت تتصرف بفظاظة مع السيد بروك وتحدق بميج بطريقة غريبة حتى احتارت العائلة بأكملها في أمرها. وعندما حل يوم السبت نظرت ميج من النافذة فرأت لوري يركض نحو جو في الحديقة. كان يلوح بصحيفة في يده. انتزعتها جو منه، واندفعت داخل المنزل. ارتمت فوق الأريكة، وتظاهرت بقراءة الصحيفة.
سألتها ميج: «هل ثمة شيء مشوق بها؟»
رفعت جو عينها، وقالت: «قصة واحدة.»
أرادت بيث معرفة اسم القصة.
أجابتها جو: «الرسَّامون الأعداء.»
شعرت ميج بالفضول، وقالت: «لماذا لا تقرئينها لنا؟»
استمعت الفتيات بانتباه. تنحنحت جو، وقرأت القصة بسرعة البرق. أطرت كل فتاة على القصة بصورة مختلفة. ثم سألتها إيمي عن كاتبها.
جلست جو فجأة، وقالت: «شقيقتكن!»
علت أصوات البهجة بعدها، واطلعت كل واحدة منهن على اسم «الآنسة جوزفين مارش» المطبوع بوضوح. كانت جو تضحك وتبكي في الوقت نفسه، فأكثر أمنياتها قربًا إلى قلبها أن تكون مستقلة وتحظى بمديح أحبائها.