خطاب سري
لم تبرح مارمي فراش بيث بعد عودتها ذلك الصباح. استطاعت ميج وجو أن تنعما بنوم هانئ بعد أن عادت أمهما إلى المنزل. كان اليوم التالي مشرقًا ويبعث على البهجة.
ذهب لوري لزيارة إيمي عند العمة مارش، كانت إيمي طيلة تلك الفترة تدعو بشفاء أختها. ساورتها الكثير من المخاوف، وعلى الرغم من ذلك حاولت مواجهة الموقف بشجاعة. كانت العمة مارش تحاول إلهاءها طوال الوقت، لكنها كانت تشعر بالحنين إلى المنزل، واشتاقت إلى العودة إلى دفء العائلة.
ابتسم لوري وهو يزف إليها الأنباء السارة. حاولت جاهدة إخفاء اشتياقها إلى العودة إلى المنزل ورؤية أمها. لكن بيث كانت لا تزال مريضةً، لذا لم يكن أمامها خيار سوى أن تجلس لكتابة رسالة إليهن.
في اللحظة التي كانت إيمي ستخط فيها الرسالة، فوجئت بحضور أمها إلى منزل العمة مارش ففرحت فرحًا شديدًا. جلست إيمي على ساق مارمي، وأخذت تحكي لها عن الصعوبات التي مرت بها، فقبَّلتها أمها. في ذلك اليوم قدَّمت العمة مارش خاتمًا فيروزي اللون لإيمي. سألت إيمي أمها هل باستطاعتها الاحتفاظ به.
أجابتها مارمي: «أعتقد أنك ما زلت صغيرة للغاية على ارتدائه.»
– «لكنني أود ارتداءه ليذكِّرني بأمر ما.»
– «ليذكرك بالعمة مارش؟»
هزت إيمي رأسها نافيةً: «كلا، ليذكِّرني بألا أكون أنانية.» واسترسلت لتوضيح قصدها: «إن أسوأ عيوبي الأنانية. بيث ليست أنانية ولذلك يحبها الجميع. أريد أن أكون فتاة أفضل، لكنني كثيرًا ما أنسى ذلك، غير أني أستطيع تحقيق ذلك إذا احتفظت بشيء يذكِّرني به.»
قالت مارمي: «حسنًا، افعلي ما بوسعك يا عزيزتي. وارتدي خاتمك، والآن علي أن أعود إلى بيث، وستعودين إلى المنزل قريبًا.»
في وقت لاحق مساء ذلك اليوم، تسللت جو إلى الطابق العلوي للتحدث مع أمها. فقد أصبح عبء السر الذي أخبرها به لوري ثقيلًا للغاية. أخبرت أمها بأمر فردة قفاز ميج. وبعد أن انتهت من إخبارها، سألتها أمها: «هل تعتقدين أن ميج تهتم بالسيد بروك؟»
أجابتها جو: «النجدة! لا أدري شيئًا عن الحب. وميج لا تتصرف كبطلات قصصي. فهي لا تصاب بإغماءات، وتتصرف بحكمة.»
– «إذن، أتعتقدين أنها ليست مهتمة بجون؟»
صاحت جو: «من؟»
– «أعني السيد بروك، فأنا أدعوه الآن جون، لأنه كان ودودًا للغاية معنا في المستشفى.»
تأوهت جو: «يا إلهي! أستزوجين ميج له لأنه كان ودودًا مع أبي.»
شرحت لها مارمي في هدوء أن جون بروك شاب جدير بالاحترام. وقد تحدث بالفعل مع السيد مارش فيما يتعلق بمشاعره تجاه ميج. وطلب إذن السيد مارش في أن يعمل بكد من أجلها، فهو يريد أن يصير شخصًا ناجحًا. على الرغم من أن السيد بروك كان رجلًا رائعًا، لم يرغب الأبوان في أن تُخطب ميج وهي لا تزال في السابعة عشرة من عمرها.
تذمَّرت جو: «ليتني أستطيع أن أتزوجها كي تبقى معنا في العائلة.»
ابتسمت مارمي، ثم طلبت من جو ألا تذكر شيئًا لميج، فهي تريد أولًا معرفة شعور ميج تجاه السيد بروك.
صاحت جو: «رحماك ربي! سينفطر قلبي إذا عاد السيد بروك ثريًّا ووقعت ميج في حبه.»
قالت مارمي: «عزيزتي جو، أود أن تتزوج بناتي وينتقلن إلى بيوتهن في الوقت المناسب. لكن ميج لا تزال صغيرة للغاية، ولا يزال هناك الكثير من الوقت أمام جون كي يوفر لها منزلًا.»
– «أليس من الأفضل لميج أن تتزوج رجلًا ثريًّا؟»
– «المال ضروري في الحياة، لكن الحب والفضيلة مهمَّان أيضًا. فالثراء والحب أفضل كثيرًا من الثراء دون الحب.»
حثَّت مارمي جو على أن تترك الأمور للزمن، والوقت كفيل بأن يحسم مسائل الحب والزواج تلك. استمعت جو جيدًا لكلام أمها، لكنها شعرت بحزن كبير عندما فكرت في فراق أختها.
•••
أصبح السر حملًا ثقيلًا للغاية على قلب جو في اليوم التالي. لاحظت ميج ذلك التغير على أختها، ولكنها لم تقل شيئًا. فقد تعلمت من واقع خبرتها الطويلة مع جو أن أفضل الطرق لإرغام جو على الكلام ليس في طرح الأسئلة. ظلت جو هادئة، وتتصرف ببرود. أزعج ذلك الأمر ميج؛ الأمر الذي حمل جو على التمادي في إساءة التصرف.
هدأت مارمي ميج، وسرعان ما تجاهلت ميج جو المسكينة. أصبح لوري ملاذ جو الوحيد. كانت هناك مشكلة واحدة، علم لوري أنها تخفي عنه شيئًا وحاول جاهدًا معرفة ذلك السر الذي تخفيه. لم تخبره جو قط، لكنه خمَّن أن الأمر يتعلق بميج والسيد بروك، وفي النهاية قرر أن ينصب مكيدته.
على مدى بضعة أيام، كانت ميج في مزاج سيئ، وافترضت جو أسوأ السيناريوهات، وهو أن ميج قد وقعت في حب السيد بروك.
تأوهت جو أمام أمها: «ماذا سنفعل؟»
قالت مارمي: «لا شيء، سننتظر حتى يعود أبوك. وهو سيقرر كل شيء.»
وفي اليوم التالي وزعت جو الخطابات التي أحضرتها من مكتب البريد. كان بينها خطاب مغلق لميج التي أطلقت صرخة عندما فتحته.
سألتها مارمي: «ما الأمر؟»
صاحت ميج: «الأمر كله خطأ! إنه لم يرسله! جو، كيف يمكنك أن تفعلي ذلك الشيء؟»
قالت جو: «أنا لم أفعل شيئًا! عم تتحدث يا مارمي؟»
كانت عينا ميج يتطاير منهما الشرر وهي تخرج رسالة مجعدة من جيبها. ثم ألقتها في وجه جو وقالت: «لقد كتبت أنت ولوري تلك الرسالة. كيف يمكن أن تقدما على ذلك الفعل اللئيم؟»
كانت الرسالة خطاب حب من المفترض أن السيد بروك هو من أرسله.
صاحت جو: «يا إلهي! ذلك الوغد الصغير، إنه يَحْبِك خدعه لأنني لم أخبره بالسر.»
سألتها مارمي، التي كانت تعلم أن جو تحب المزاح، في حزم: «هل لك علاقة بذلك الأمر؟»
– «مطلقًا! أقسم على ذلك!»
استدارت مارمي إلى ميج، وقالت: «هل بعثت ردًّا على ذلك الخطاب؟»
احمرَّت وجنتا الفتاة الكبرى في خجل شديد، وقالت: «أجل!»
اعترفت ميج بالأمر كله، أعطى لوري خطابًا لميج، وردت عليه بخطاب مماثل للسيد بروك تخبره فيه بأنها صغيرة للغاية على الزواج. ثم استلمت خطابًا من السيد بروك يقول فيه إنه لم يبعث بالخطاب الأول، وأن جو تمزح معها. فشعرت ميج بالخزي الشديد.
تفحصت جو الخطابين بعناية، ثم صاحت: «إليكما الخدعة، لقد كتب لوري الخطابين، يا له من وغد!»
أرسلت مارمي جو لطلب لوري، كانت عازمة على وضع حد لمثل تلك التصرفات السخيفة. عندما ذهبت جو، أخبرت مارمي ميج بمشاعر السيد بروك تجاهها، ثم سألتها برفق: «ماذا عن مشاعرك تجاهه؟»
أجابتها ميج إنها لا تعرف حقًّا، فالموقف برمته ومسألة الخطابات تلك جعلاها تشعر بالذعر الشديد إلى حد يجعلها لا ترغب في أن تقع في حب أحد. ثم استجدت مارمي ألا تخبر السيد بروك بشيء، فهي تشعر بجرح غائر في كرامتها.
بعد أن أمضى لوري ومارمي وقتًا طويلًا في حجرة المكتب، استدعت مارمي جو وميج إلى الغرفة. بدا لوري خجلًا للغاية، فسامحته جو على الفور. اعتذر لوري كثيرًا، وأقسم على ألا يقدم على فعل شيء مماثل مرة أخرى.
سامح الجميع لوري، وسرعان ما نسين مزحته، باستثناء ميج الجميلة. كثيرًا ما كانت تساورها أفكار بشأن السيد بروك. وذات مرة عثرت جو على قصاصة ورقية كتبت عليها ميج: «السيد جون بروك.» أنّت جو في يأس وألقت بالورقة في نيران المدفأة. فمزحة لوري ربما تكون قد عجَّلت باليوم الذي ستغادر فيه ميج.