إيمي في بحر من المهانة
كثيرًا ما كانت تنطق إيمي بكلمات خاطئة، كانت تلك إحدى صفاتها المميزة والمحببة. ذات يوم، مر لوري أمام منزل عائلة مارش وهو يمتطي حصانًا. راقبته إيمي، ثم قالت: «إنه يشبه العملاق سايكلوب.»
سألتها جو: «ماذا تقصدين؟ إن عينيه جميلتان!» كانت جو تمقت أن يذكر أحد صديقها العزيز بسوء.
ردت إيمي سريعًا: «لم أقل شيئًا عن عينيه، أنا أبدي إعجابي بمهاراته في ركوب الخيل.»
ضحكت جو بصوت عال، وقالت: «إذن تقصدين المخلوق الأسطوري سِنتور.»
لم تحب إيمي استهزاء جو بها، فقطَّبت جبينها دقيقة للكلمة الخاطئة التي تفوهت بها، ثم قالت بصوت خافت: «ليتني أملك قليلًا من المال الذي ينفقه لوري على ذلك الحصان.»
سألتها ميج: «لماذا؟»
اعترفت لها إيمي أنها غارقة في الديون. وأنها مدينة باثنتي عشرة ليمونة مخللة على الأقل لزميلاتها بالمدرسة. حاولت ميج أن تتعاطف معها، وسألتها هل أصبح الليمون عملة شائعة بالمدارس هذه الأيام.
شرحت لها إيمي أن الليمون يُتداوَل بين الأصدقاء مقابل الأقلام الرصاصية والحلِيّ والدُمى الورقية. إذا أحبتك فتاة، فشرف كبير أن تعطيك ليمونة، وإذا لم تكن تحبك، فستأكلها أمامك فحسب. «والآن أنا مدينة بالكثير من الليمون، ولم أوفِ ولو بواحدة على الرغم من أنه ينبغي علي ذلك حقًّا.»
أخرجت ميج حقيبة النقود، وأعطت إيمي المال لشراء الليمون. شكرتها إيمي بحرارة. والآن أصبح بمقدورها إثبات أنها ليست أقل من صديقاتها.
تأخرت إيمي في الوصول إلى المدرسة في اليوم التالي، إذ توقفت لشراء خمسة وعشرين ليمونة لذيذة. وفي المدرسة انتشر خبر الليمون الذي أحضرته إيمي، فأغدقتها زميلاتها بالاهتمام، حتى إن جيني سنو — التي كانت تسخر من إيمي لعدم امتلاكها لليمون — عاملتها بلطف. هذا لا يعني أن إيمي سامحتها على ما فعلت، فإيمي لا تنسى أبدًا أي إساءة. وعلى الفور أخبرت جيني أنها لن تعطيها أي ليمون.
في ذلك اليوم، حضر زائر مهم إلى المدرسة، وامتدح الخرائط التي رسمتها إيمي. عندما ملأ إيمي الغرور والكبرياء، ملأت الغيرة قلب جيني. وما إن غادر الزائر حتى أخبرت جيني المعلم، السيد دافيس، أن إيمي لديها ليمون مخلل تحت مقعدها.
كان السيد دافيس قد حظر إحضار الليمون إلى الفصل، وهدَّد بعقاب فوري لأي طالب يخالف أوامره. كان السيد دافيس معلمًا طيبًا، لكنه لا يفهم الفتيات الصغيرات. لم يكن السيد دافيس يحتمل إساءة السلوك، وفوق هذا وذاك كان قد استيقظ عكر المزاج ذلك الصباح. لذا عندما سمع كلمة «ليمون» من شفتي جيني، استشاط وجهه العابس غضبًا.
– «آنساتي، أعيروني انتباهكن!»
عم الصمت أرجاء الفصل، وأخذت الفتيات الخمسون يحملقن في المعلم.
– «آنسة مارش، تعالي هنا من فضلك.»
نهضت إيمي، لكنها شعرت بالخوف لأنها خالفت القواعد.
– «أحضري الليمون من أسفل مقعدك.»
شعرت إيمي بذعر أكبر، فذهبت وأخرجت من الكيس ست ليمونات، ووضعتها أسفل مقعدها، وأخذت الباقي إلى السيد دافيس. تمنَّت أن يلين قلبه عندما يشتم رائحة الليمون الطيبة، لكن السيد دافيس لم يكن يحب رائحة الليمون المخلل، بل كانت تزيد غضبه.
– «هل هذا كل ما لديك؟»
تلعثمت إيمي، وقالت: «ليس بالضبط.»
– «أحضري الباقي على الفور.»
امتثلت إيمي لأوامره.
سألها السيد دافيس: «هل أنت واثقة أنه ليس لديك المزيد؟»
– «أنا لا أكذب يا سيدي.»
– «حسنًا، خذي الآن هذه الأشياء الكريهة وألقي بها من النافذة.»
شهق التلاميذ بالفصل كله، فقد ضاع أمل وليمة الليمون إلى الأبد. ذرعت إيمي الفصل جيئة وذهابًا اثنتي عشرة مرة من النافذة وإليها، وشعور الخزي يعتصرها في كل مرة تلقي بليمونها المنتفخ المليء بالعصارة في الشارع.
عندما انتهت، قال لها المعلم: «مدِّي يدك يا آنسة مارش.»
انتفضت إيمي، فقد كانت إحدى الطالبات المفضلات لدى السيد دافيس، وتمنَّت ألا يتمادى أكثر في عقابها. وضعت يدها خلف ظهرها، وخرج صوت هسيس من بين شفتيها دون وعي، فزاد غضب السيد دافيس الذي كرر: «مدِّي يدك يا آنسة مارش!»
رفعت إيمي الأبِيَّة رأسها، ومدَّت راحت يدها، وتلَّقت الضربات دون أن تظهر تألمًا أو خوفًا. كانت هذه هي المرة الأولى التي تُضرب فيها إيمي، وشعرت بخزي شديد داخل نفسها الأبِيَّة.
– «الآن قفي على المنصة حتى يحين وقت الراحة.»
يا له من موقف مهين أن تقف أمام الفصل كله ويشاهدها أصدقاؤها وأعداؤها على حد سواء! ولأنها تمر بهذا الوضع المخزي للمرة الأولى فقد بدا أنه يفوق قدرتها على الاحتمال. وقفت إيمي وعيناها مرتكزتان على الموقد الموجود في آخر الفصل. ظلت صامتة ونالت عقابها. كان قلبها ينزف دمًا ويدها تؤلمها، لكن لم يكن ألمُهما يضاهي ألمَ تفكيرها في العودة إلى المنزل وإخبار أسرتها بما حدث ومواجهة شعورهن بالإحباط.
مرت الدقائق الخمس عشرة التي وقفتها إيمي كالدهر. وعندما حان وقت الراحة، رمقت إيمي السيد دافيس بنظرة لن ينساها أبدًا. ثم اتجهت إلى مقعدها، وجمعت أغراضها، وغادرت إلى المنزل وهي عازمة على ألا تعود إلى المدرسة مرة أخرى.
وطوال ما تبقى من الصباح، لم تجد إيمي من يخفف عنها آلامها، وكانت لا تزال غاضبة في الظهيرة عندما عادت أمها وشقيقاتها اللائي داوَيْن يدها المتقرحة وروحها المجروحة حتى إن هانا العجوز نعتت السيد دافيس بأنه «وغد».
بالمدرسة لم يلحظ أحد أن إيمي غادرت منذ ساعات حتى حضرت جو ومعها رسالة من السيدة مارمي، ثم جمعت بقية أغراض شقيقتها وغادرت.
منذ ذلك الحين، أخبرت السيدة مارمي ابنتها إيمي أن بإمكانها الدراسة بالمنزل مع بيث.
– «هذا رائع! ليت كل من بالمدرسة يتركونها وتصبح خاوية على عروشها. ربَّاه! كم أشعر بالحزن عندما أتذكر ذلك الليمون الجميل.»
أجابتها مارمي: «لقد خالفت القواعد، واستحققت العقاب.»
صاحت إيمي: «هل تقصدين أنك سعيدة بالمهانة التي تعرضت لها.»
– «لا بالطبع، فأنا أعارض ضرب المعلمين للتلاميذ، لكن غرورك يزداد، وعليك أن تتعلمي كيف تكونين متواضعة.»
صاح لوري الذي كان يلعب الشطرنج مع جو في زاوية المنزل: «بالضبط! أعرف فتاة تتمتع بموهبة كبيرة في العزف وتؤلف أغاني جميلة، وعلى الرغم من ذلك لا تعرف قدر نفسها.»
فكرت بيث لحظة: «ليتني أتعرف على تلك الفتاة، لعلَّ بإمكانها مساعدتي!»
قال لوري: «أنت تعرفينها بالفعل، وهي تساعدك أكثر من أي شخص آخر.» لمعت عيناه السوداوان بالمكر، واحمرت وجنتا بيث عندما أدركت أنه يتحدث عنها. سمحت له جو بالتغلب عليها في اللعب مقابل مدحه لشقيقتها الخجولة. بعد ذلك لم ينجح أي منهم في إقناع بيث بالعزف على البيانو، وغنى لوري وعزف بدلًا منها.
بعد أن غادر لوري، سألت إيمي عن السبب وراء تواضعه على الرغم مما حققه من إنجازات طيبة. أجابتها السيدة مارمي أنه على الرغم من أن لوري إنسان ناجح للغاية، فقد استغل مواهبه بصورة متواضعة. أنعمت إيمي التفكير طويلًا في ملاحظة أمها هذه، وأثرت فيها كثيرًا.