شجار عنيف
كانت ميج وجو تستعدان للخروج من المنزل لقضاء أمسيتهما بالخارج، فكانت القفازات والأوشحة ودبابيس الشعر مبعثرة في أرجاء حجرة نومهما.
دخلت إيمي عليهما وسألتهما: «أين ستذهبان؟»
أجابتها جو في حدة: «ما شأنك؟ يجب ألا تطرح الفتيات الصغيرات الأسئلة.»
مع ذلك كانت إيمي تشعر بالفضول، لذا توجهت بالسؤال إلى ميج الأكثر مرونة: «رجاءً أخبريني يا ميج، فبيث تلعب مع دمياتها، وليس هناك ما أفعله، اسمحا لي بالذهاب معكما!»
أجابتها ميج: «لا أستطيع اصطحابك معنا لأنك لست مدعوة.»
أضافت جو: «كفاك إلحاحًا! ببساطة لا يمكنك المجيء معنا.»
– «ستخرجان مع لوري، أليس كذلك؟»
أومأت ميج: «أجل، والآن توقفي عن إزعاجنا.»
جلست إيمي في هدوء دقيقة، ثم رأت ميج تضع مروحة يدوية في جيبها، فشهقت وقالت: «أعلم إلى أين ستذهبان! ستذهبان إلى المسرح!»
استشاطت جو غضبًا وانزعجت كثيرًا.
لم تعبأ إيمي واستطردت: «سأذهب معكما، فمعي مصروفي، وأخبرتني أمي أنني أستطيع مشاهدة المسرحية بالبلدة.» ثم أخذت نفسًا عميقًا: «كم أنتما خبيثتان لأنكما لم تخبراني!»
شرحت لها ميج برفق، إذ كانت تجمعها علاقة من نوع خاص مع إيمي، «إن أمي لا تريدك أن تذهبي اليوم معنا، لأنك لست بخير. ستشاهدين المسرحية الأسبوع المقبل مع هانا وبيث.»
صاحت إيمي: «لكن لن يكون الأمر ممتعًا مثلما سيكون معك أنت وجو ولوري. أنا مريضة بالبرد منذ فترة طويلة، وأتوق لأن أحظى ببعض المتعة.»
استدارت ميج إلى جو، وقالت: «ما رأيك أن نصطحبها معنا؟ سنجعلها ترتدي الكثير من الملابس التي تبعث على الدفء.»
قالت جو في حزم: «لن أذهب إذا ذهبت! وإذا لم أذهب، فسينزعج لوري. لقد دعانا نحن الاثنتين، ولم يدع إيمي. ليتها تفكر جيدًا قبل أن تتطفل علينا وتأتي معنا دون دعوة.»
زاد غضب جو من إصرار إيمي على الذهاب، وشرعت في ارتداء حذاءها وقالت: «سأذهب معكما، لقد قالت ميج توًّا إنه يمكنني ذلك!»
قالت جو بسرعة: «وأين ستجلسين، هناك كرسيان محجوزان لنا!»
بدأت إيمي تبكي وحاولت ميج تهدئتها. صاح لوري من الخارج وقال إنه حان وقت الذهاب. لم تكف إيمي عن العويل، فقد نسيت تظاهرها بأنها فتاة ناضجة وتصرفت كطفل مدلل. وعندما خرجت ميج وجو من الباب الأمامي، صاحت إيمي من عند درابزين السلم: «ستندمين على هذا يا جو مارش!»
صاحت جو: «هراء!» وصفعت الباب. وللمرة الثانية، اصطدمت طبيعة جو سريعة الغضب مع إرادة إيمي الحديدية.
عندما عادت الفتاتان إلى المنزل بعد انتهاء المسرحية، كانت إيمي تقرأ في حجرة المعيشة ورفضت التحدث معهما. تحققت جو من حجرتها لتطمئن أن كل شيء على ما يرام، ففي آخر مرة تشاجرت فيها مع إيمي، أخرجت إيمي فساتين جو من الأدراج وألقتها على الأرض. لكن هذه المرة بدا كل شيء طبيعيًّا بغرفة جو، فظنت أن إيمي سامحتها ونسيت الأمر.
لكنها كانت مخطئة، ففي اليوم التالي، اقتحمت الكاتبة الصغيرة غرفة المعيشة وهي تصيح: «هل أخذت إحداكن كتابي القصصي؟»
أجابتها ميج وبيث على الفور: «كلا.»
استدارت جو إلى أختها الصغرى التي كانت تذكي نيران المدفأة: «إيمي، إنه معك! من المؤكد أنه معك.»
– «كلا، ليس معي.»
– «إذن تعرفين أين هو.»
– «كلا.»
صاحت جو: «أيتها الكاذبة!» وأمسكت أختها من كتفها.
– «كلا، لست كذلك، لا أدري أين هو ولا أهتم بذلك.»
هزت جو أختها قليلًا: «من الأفضل لك أن تخبريني بالحقيقة!»
– «اغضبي كما شئت، لن تري قصصك القديمة مرة أخرى.»
استشاطت جو غضبًا: «لماذا؟»
– «لقد أحرقتها في نيران المدفأة.»
«ماذا فعلتِ؟» شحب وجه جو وأحكمت قبضتها حول كتف إيمي. «كتابي الذي استغرق مني أعوامًا؟ كتابي الذي أردت الانتهاء منه قبل عودة أبي إلى المنزل؟ هل أحرقته بالفعل؟»
– «أجل، أحرقته! لقد أخبرتك أنك ستدفعين ثمن …»
انفجرت جو، وأخذت تهز شقيقتها هزًّا عنيفًا حتى بدأت أسنان إيمي تصطك. «أيتها الشريرة، أيتها الشريرة! لن أستطيع كتابته مرة أخرى. لقد ضاع إلى الأبد. لن أسامحك ما حييت، لن أسامحك أبدًا!»
هرعت ميج لإنقاذ إيمي من قبضة جو، وحاولت بيث تهدئة جو، لكن كان أمرًا مستحيلًا. وفي النهاية سددت جو لكمة لإيمي عند أذنها، وركضت إلى علية المنزل لتمكث وحدها وسط أحزانها.
كان كتاب جو الذي يضم قصصًا خيالية مصدر فخرها وفرحتها. وفي صميم قلبها كان حزنها أكبر من أي عزاء.
كان الاجتماع على العشاء لا يحتمل، إذ كانت جو متجهمة. أوضحت السيدة مارمي لإيمي مدى شناعة فعلتها، وصدقت بيث وميج على كلام أمِّهما. شعرت الفتاة الصغيرة بالاستياء من نفسها، وتمنَّت كثيرًا أن تسامحها جو في تلك اللحظة. توسلت إلى جو من كل قلبها: «أرجوك يا جو، سامحيني، أنا في غاية الأسف.»
نظرت جو إلى إيمي والشرر يتطاير من عينيها: «لن أسامحك أبدًا!» وتوقفت عن الحديث مع إيمي.
عمَّ التوتر أرجاء المنزل؛ عزفت بيث على البيانو لكن جو ظلت صامتة وأخذت إيمي تبكي. ذهبت مارمي إلى جو لتقبيلها قبل أن تخلد إلى النوم وهمست في أذنيها: «لا تخلدي إلى النوم وأنت غاضبة يا عزيزتي، حاولي أن تسامحيها رجاءً.» أرادت جو أن تبكي لكنها حبست دموعها، وقالت بصوت عال بما يكفي كي تسمع إيمي: «لقد ارتكبت فعلة شنيعة ولا تستحق السماح.»
استيقظت جو وهي تشعر بأنها على شفا الانفجار، وكانت إيمي مثقلة بالهموم، وأخذت تبدي ملاحظات ساخرة حول الأشخاص غير المتسامحين. مر ذلك اليوم المرير من فصل الشتاء على نحو سيئ على عائلة مارش.
بعد أن عادت جو من عملها، لم ترد المكوث في المنزل، فقررت أن تذهب إلى لوري وتدعوه إلى التزلج على الجليد معًا. سمعت إيمي جو وهي تحضر حذاء التزلج من خزانتها فقالت لميج في تذمر: «لقد وعدتني بأنها ستأخذني معها! أعتقد أنه لا فائدة من طلب ذلك منها الآن.»
أجابتها ميج: «لقد أسأت التصرف للغاية، لقد عملت جو بكل كد في ذلك الكتاب. لها كل الحق في أن تغضب منك.» ثم توقفت ميج عن الخياطة، وقالت: «لكن من الممكن أن تسامحك بعد أن يعمل لوري على تهدئتها. يمكنك اللحاق بهما، وقبّلي جو في اللحظة المناسبة، وسيكون كل شيء على ما يرام.»
تعاملت إيمي مع نصيحة ميج بجدية، وركضت خلف جو ولوري. استعدت جو ولوري للتزلج قبل أن تصل إيمي بفترة. رأت جو أختها وهي في طريقها إليها فأدارت لها ظهرها، لم يلحظ لوري إيمي لأنه كان يختبر الجليد. صاح: «تزلجي عند الأطراف، أعتقد أن منطقة المنتصف غير آمنة.»
سمعت جو إيمي وهي تواجه صعوبة مع حذاء التزلج الخاص بها، لكنها لم تلتفت إليها. تزلجت جو بجانب النهر وهي تشعر برضا ممزوج بالمرارة لأن أختها تواجه صعوبات. سمعت جو تحذيرًا آخر من لوري، لكن إيمي لم تسمعه، فالجزء الغاضب داخل جو جعلها لا تعبأ بالخطر الذي قد تواجهه إيمي. تزلجت إيمي نحو منتصف النهر. استدارت جو في اللحظة المناسبة، فرأت أختها تسقط وسط النهر. وقفت جو لحظة واحدة في ذهول، رأى لوري ما حدث، وصاح: «أسرعي! أحضري حبلًا معدنيًّا!» فعلت جو ما أمرها به لوري. حاول الاثنان جاهدين إخراج إيمي التي كانت تشعر بالذعر أكثر من الألم الذي تسببه المياه.
قال لوري: «لا بد أن نعود بها إلى المنزل في أقصى سرعة، لندثرها بمعاطفنا لتدفئتها.»
وصلت إيمي إلى المنزل بمساعدة جو ولوري وهي تبكي وترتجف ويتقطر منها الماء. سرعان ما غُطيت إيمي بالبطاطين وجلست أمام المدفأة. أخذت جو تركض هنا وهناك في محاولاتها لإراحة إيمي حتى إنها لم تلحظ أن فستانها تمزق كثيرًا أو أن يديها مجروحتان أو بهما رضوض.
في وقت لاحق، ضمدت مارمي يدي جو المتقرحتين. بكت جو لأنها كانت تشعر بالاستياء من نفسها عندما تفكر أنها السبب في وقوع حادثة مروعة لأختها إيمي. قالت جو لأمها: «كيف أتعامل مع انفعالاتي الشديدة؟ إنها تهزمني.»
طبعت مارمي قبلة على وجنة جو المبتلة بالدموع، وقالت لها: «اعتدت أن أكون حادة الطباع مثلك تمامًا، وطالما حاولت أن أتخلص من ذلك الأمر على مدى أربعين عامًا، ولم أنجح إلا في التحكم في انفعالاتي فحسب.»
شعرت جو بتحسن عندما عرفت أن أمها كانت تعاني العبء نفسه. أخبرت مارمي جو أن الأمر يكون أفضل كثيرًا عندما تتحكمين في غضبك بحكمة، وأن تكوني صبورة وطيبة القلب. عانقت مارمي جو عناقًا حارًّا، وشعرت جو على الفور بأن حالها أفضل.
تحركت إيمي من شرنقتها.
قالت جو: «سمحت لنفسي أن أظل غاضبة، ولولا لوري، لكان من الممكن أن تموت إيمي. كيف أصبحت شريرة هكذا؟»
فتحت إيمي عينيها، ومدت يدها إلى جو بابتسامة اخترقت قلب جو على الفور. لم تنطقا بكلمة واحدة، بل تعانقتا وسامحت كل منهما الأخرى، ونسيتا كل شيء بقبلة من القلب.