الفصل الثاني والعشرون
بدا لروبرت أن ما لا يقلُّ عن نصف سكان ميلفورد قد تمكَّنوا من الاحتشاد داخل قاعة محكمة نورتون. لا شكَّ أن عددًا لا يُستهان به من مواطني نورتون كانوا يتجمهَرون حول الأبواب الخارجية، في حالةٍ من التذمُّر والإحباط؛ غاضبين من أنه عندما يتقرَّر عقدُ جلسات قضيةٍ ذات اهتمامٍ قومي في المحكمة «التابعة لهم» فإن سيلًا من الأجانب القادِمين من ميلفورد يغتصبون حقَّهم في أن يشهدوا المحاكمة. وهم أجانبُ مُخادعون ومحتالون، أيضًا، حيث قدَّموا رشوة إلى شبابٍ من نورتون حتى يحتفظوا بأماكنَ في الطابور من أجلهم؛ وهو تدبيرٌ لم يخطر ببال الكبار من أهالي نورتون.
كانت الأجواء مثيرةً للغاية، والمحكمة المزدحمة تتحرك في توترٍ طوال الإجراءات التمهيدية وخلال أغلب سردِ مايلز أليسون لملابسات الجريمة. كان أليسون النقيض لشخصية كيفين ماكديرموت؛ وجهه أشقرُ مُهذَّب له سمة مميزة عن أن يكون شخصًا عاديًّا. صوته الباهت الجاف كان يخلو من أي انفعالٍ، وكان له أسلوب واقعي. وحيث إن القصة التي تُسرد كان الحاضرون قد قرَءوا عنها وتباحَثوا فيها حتى قُتلت بحثًا، فقد صرفوا انتباههم عنه وسلَّوْا أنفسهم بالتعرُّف على أصدقاءَ لهم في المحكمة.
جلس روبرت يُقلب مرارًا وتكرارًا في جيبه قطعةً مستطيلة صغيرة من الورق المقوَّى كانت كريستينا قد دسَّتها في يده عند مغادرته بالأمس، ثم أخذ يتدرَّب على الكلام الذي سيقوله فيما بعد. كانت قطعة الورق المقوَّى غلافًا لزهرة غسيل ريكيت وكان محفورًا عليها بحروفٍ ذهبية تلك الكلمات: «لن يسقط يومًا عصفورٌ»، مع صورةٍ في الزاوية العلوية على اليمين لطائر أبي الحناء، ذي صدرٍ أحمر أكبرَ من الحجم الطبيعي. فتساءل روبرت، بينما يُقلب هذه العبارة الصغيرة مراتٍ ومراتٍ بين أصابعه، كيف لشخصٍ أن يخبر أحدًا بأنه لم يعُد لدَيه منزل؟
جاءت الحركة المفاجئة لمائة شخص والصمت الذي تبعه ليُعيد انتباهَه إلى قاعة المحكمة، فأدرك أن بيتي كين كانت تؤدي القسَم تمهيدًا للإدلاء بشهادتها. «لم يسبق لها تقبيل أي شيءٍ سوى الكتاب المقدس»، كما كان بِن كارلي قد قال عن هيئتِها في مناسبةٍ مشابِهة. وهكذا كانت تبدو اليوم. مع الزيِّ الأزرق نفسِه الذي يُوحي للمرء بحَداثة السن والبراءة، وزهور الحبَق، ودخان نيران المعسكرات، وأعشاب الجُريس النابتة وسط الحشائش. لا تزال الحافةُ الملتوية إلى الخلف في قُبعتها تكشف عن جبينها بمنبَتِ الشعر الجذاب فيه. وروبرت، الذي صار مُلِمًّا الآن بكل شيءٍ عن حياتها في الأسابيع التي تغيَّبَت فيها، وجد نفسه يُفاجَأ عند رؤيتها؛ كأنها أول مرة. إن القدرة على الإقناع هي أُولى المواهب التي يُتقِنها المجرم، لكن حتى تلك اللحظة مثل تلك القدرة التي كان عليه أن يتعامل معها كانت من عيِّنة الورقة النقدية من فئة العشرة شلنات للعساكر القُدامى. فكان من السهل التعرفُ عليها بسببِ ما كانت عليه. عمل الهُواة في المجال. فخطر بباله أنه لأول مرة يرى شيئًا حقيقيًّا وهو يعمل.
مرةً أخرى أدْلَت بشهادتها بطريقةٍ نموذجية، وصوتها اليافع الواضح مسموعٌ لكل فردٍ في المحكمة. ومرةً أخرى يُصبح الحاضرون من أجلها ساكنين وثابتين. الفرق الوحيد هذه المرةَ أن القاضيَ لم يُفْرِط في تدليلها. فالقاضي، في الواقع، إن كان لأحدٍ أن يحكم من التعبير الذي اعتلى وجْهَ حضرة القاضي ساي، كان أبعدَ ما يكون عن التدليل. وتساءل روبرت إلى أيِّ مدًى يكون السببُ في نظرة القاضي الناقدة هو نفورًا عاديًّا من الموضوع، وإلى مدًى بسبب توصُّله إلى استنتاج أن كيفين ماكديرموت لن يجلس هناك مستعدًّا للدفاع عن السيدتَين الماثِلتَين في قفص الاتهام إلا إذا كانت لديهما حجةٌ قوية قاصفة.
إن الرواية التي أدْلَت بها الفتاة عن معاناتها فعَلَت ما لم يستطع مُحاميها فعله؛ إذ أثارت في الحضور ردَّ فعلٍ عاطفيًّا. ولأكثر من مرة أطلَقوا تنهيدةً جماعية، وهمسًا ينمُّ عن حنقٍ؛ لم يكن واضحًا قطُّ بما يكفي ليُوصَف بأنه استياءٌ عام؛ تفاديًا لتوبيخ هيئة المحكمة، لكنه كان مسموعًا بما يكفي ليُظهِر مواطنَ تعاطُفهم. وبذلك في تلك الأجواء المشحونة نهض كيفين لاستجواب الشاهدة.
بدأ كيفين مُتحدثًا بأسلوبٍ بطيء لطيف: «آنسة كين، تقولين إن الجوَّ كان مظلمًا عند وصولك إلى منزل فرنتشايز. أكان الجو شديدَ الظُّلمة حقًّا؟»
إن هذا السؤال، بنبرة الاستمالة التي نُطق بها، جعلها تظنُّ أنه لم يُرِد أن يكون الجو مظلمًا، فتجاوبت كما قصد.
قالت: «أجل. مظلم تمامًا.»
«مظلمٌ تمامًا لدرجةٍ تمنعك من رؤية الجهة الخارجية من المنزل؟»
«أجل، مظلم بشدة.»
بدا أنه عَدَل عن تلك الطريقة وحاول استخدام خطة جديدة.
«ننتقل إلى الليلة التي هرَبْتِ فيها. ربما لم يكن الجوُّ مظلمًا تمامًا؟»
«أوه، بلى. كان أشدَّ ظُلمة، إن جاز القول.»
«وبذلك لم يكن ممكنًا لكِ رؤيةُ الجهة الخارجية من المنزل بشكلٍ أو بآخر؟»
«لم يكن ممكنًا أبدًا.»
«أبدًا. حسنًا، بعد التأكيد على تلك النقطة، لنُعِد النظرَ فيما تقولين إنه كان بوسعك رؤيته من نافذة محبسك في العلية. قلتِ في أقوالك إلى الشرطة، عند وصفك لهذا المكان المجهول الذي حُبستِ بداخله، إن مسار السيارات من البوابة وحتى باب المنزل كان يسير في خطٍّ مستقيم مسافةً صغيرة، ثم ينقسِم بعدَها إلى نصف دائرتَين تُفضيان إلى باب المنزل.»
«صحيح.»
«كيف علمتِ أنه يسير هكذا؟»
«كيف علمتُ بذلك؟ كان بإمكاني رؤيةُ ذلك.»
«من أين؟»
«من نافذة العلية. كانت تطلُّ على الفِناء في الجهة الأمامية من المنزل.»
«لكن من النافذة في العلية ليس ممكنًا سوى رؤيةِ الجزء المستقيم من المسار. فحدود السطح تقطع باقيَ المنظر. كيف علمتِ بأن مسار السيارات انقسم إلى مسارَين يُشكِّلان دائرةً تُفضي إلى الباب؟»
«رأيتُه!»
«كيف؟»
«من تلك النافذة.»
«تريدين منَّا أن نفهم أنكِ رأيتِ من واقع أساس مختلفٍ عن الأشخاص العاديِّين؟ على هدى بندقية الرجل الأيرلندي التي تُطلق النار على الزوايا. أم أن كل ذلك كان بالاستعانة بمرايا؟»
«إنها الطريقةُ التي وصفتُ بها!»
«بلا شك إنها الطريقة التي وصَفتِ بها؛ لكن ما وصفتِه كان منظر الفِناء كما يراه، لنفترض، شخصًا ينظر إليه من فوق السور، وليس شخصًا ينظر إليه من نافذة العلية. وهو ما أكَّدْتِه لنا أنه كان المنظر الوحيد له الذي بدا إليكِ.»
قال القاضي: «أفترض أن لدَيك شاهدًا على حدود المنظر من النافذة.»
«شاهدَين يا سيدي.»
قال القاضي بنبرةٍ جافة: «سيكفي شخصٌ واحد بمستوى نظر طبيعي.»
«بهذا لا يمكنك التفسير، عند حديثك إلى الشرطة في ذلك اليوم في إيلزبري، كيف وصفتِ سِمَةً مُميِّزة لم يكن ممكنًا لك أن تَدْري عنها شيئًا، إن كانت قصتك صحيحة. هل سبق لكِ أن سافرتِ إلى الخارج، يا آنسة كين؟»
قالت، متفاجئة من تغيير الموضوع: «إلى الخارج؟ لا.»
«أبدًا؟»
«نعم، أبدًا.»
«لم تُسافري، على سبيل المثال، إلى الدنمارك مؤخرًا؟ إلى كوبنهاجن، مثلًا.»
«لا.» لم يَبدُ أيُّ تغيير في تعبيرات وجهها، لكن روبرت ظن أن هناك ذرةً من التردُّد في صوتها.
«هل تعرفين رجلًا يُدعى برنارد تشادويك؟»
صارت حذرة فجأةً. ذكَّر ذلك روبرت بالتغيير المفاجئ الذي يطرأ على حيوانٍ كان مُسترخيًا ثم صار منتبهًا بشدة. لم يطرأ أيُّ تغيير في جلستها؛ ولا تغيير فعلي على هيئتها. على النقيض، لم يُبدِ إلا ثباتًا إضافيًّا، وانتباهًا.
«لا.» كانت نبرةُ الصوت باهتةً غيرَ مبالية.
«هو ليس أحد أصدقائك؟»
«كلَّا.»
«ولم تُقيمي، مثلًا، معه في أحد الفنادق بكوبنهاجن؟»
«كلَّا.»
«هل سبق لكِ أن أقمتِ مع أي أحدٍ في كوبنهاجن؟»
«كلَّا، لم أُسافر إلى الخارج قط.»
«بهذا لو طرحتُ أنكِ قضيتِ تلك الأسابيع التي اختفيتِ فيها داخل أحد فنادق كوبنهاجن وليس في العلية بمنزل فرنتشايز، فهل من المفترَض أني مخطئ؟»
«مخطئ تمامًا.»
«شكرًا لكِ.»
نهض مايلز أليسون، كما كان كيفين قد توقَّع، ليُنقذ الموقف.
فقال: «آنسة كين، لقد وصلتِ إلى منزل فرنتشايز بالسيارة.»
«أجل.»
«وتقولين في أقوالك إن تلك السيارة سارت حتى باب المنزل. الآن، إذا كان الجوُّ مظلمًا، كما تقولين، فلا بد أنه كان هناك مصابيحُ جانبية في السيارة، إن لم تكن مصابيح أمامية، وتلك المصابيح لن تُضيء مسارَ السيارات فحسب، بل أغلب الفِناء.»
فقاطعَته قبل أن يتمكن من عرض الفكرة عليها: «أجل، أجل، بالطبع لا بد أني رأيتُ الدائرة آنذاك. كنتُ مدركةً أني قد رأيتُها. كنتُ مدركة لذلك.» نظرَت إلى كيفين لوهلة، فذكَّرَت روبرت بوجهها لمَّا تبيَّن لها أنها كانت قد أصابت في تخمينها بشأن حقائب السفر داخل الخزانة، خلال ذلك اليوم الأول له في منزل فرنتشايز. فخطر ببال روبرت، لو أنها عرفَت ما كان لدى كيفين بانتظارها، لَمَا فكَّرَت ولو ثانيةً في أي انتصارٍ عابر.
تبِعها في منصة الشهود تلك الفتاة التي وصفها كارلي ﺑ «المسخ»؛ والتي أحضرَت فستانًا جديدًا وقُبعةً جديدة من أجل ظهورها في محكمة نورتون — فستان أحمر داكن وقبعة لونها أحمرُ قانٍ بها شريطٌ بلونٍ أزرق وآخر بلونٍ وردي فاتح — وبدَت أكثرَ بهرجةً وأكثرَ إثارة للاشمئزاز عن ذي قبل. ومرةً أخرى يُثير اهتمامَ روبرت أن يُلاحظ كيف أن إعجابها بنفسها قد انتقَص، حتى مع وجود هؤلاء الحضور الأكثرِ عاطفية، من تأثير ما قالته. لم يُبْدوا إعجابًا بها، وبالرغم من موقفهم المتحيِّز، فإن انعدام الثقة الإنجليزي في الخبثاء قد أراح عقولَهم نحوَها. عندما طرح كيفين، أثناء الاستجواب، أنها في الحقيقة كانت قد طُرِدَت ولم تُقدِّم «إخطارًا بترك العمل» نهائيًّا، ساد تعبير «هكذا إذن ذلك الأمر وما فيه!» على وجوه الحاضرين في المحكمة. وبخلاف محاولة هزِّ الثقة في مِصداقيتها، لم يكن أمام كيفين الكثيرُ ليفعله معها، فسمح لها بالانصراف. كان ينتظر دُمْيتها المسكينةَ التي تُحركها بيدَيها.
بدت الفتاة الدُّمْية، عند وصولها، حتى أقلَّ سعادةً مما كانت عليه في محكمة المخالفات والجُنَح في ميلفورد. كان من الواضح أنها صُدِمَت بذلك الحشد المبهر من الأرواب والشعر المستعار. كان الزيُّ الرسمي للشرطة مؤثرًا بما يكفي، لكن بالنظر إلى الماضي فكان يبدو شبيهًا بملابس المنزل إلى أبعدِ حدٍّ مقارنةً بهذه الأجواء الرسمية، هذه المراسم. إذا كانت شعرت في محكمة ميلفورد بأن الموقف فوقَ احتمالها، فكان من الواضح أنها تموت غرقًا هنا. رأى روبرت عينَي كيفين المتفحِّصتَين تستقرَّان عليها، وقد أخذ يُحلل ويفهم ويُقرر النهج الذي سينتهجُه. كان يُميتها رعبًا مايلز أليسون، رغم حلمه؛ كان واضحًا أنها تنظر إلى أي شخصٍ في شعرٍ مُستعارٍ وروب بوصفه عُدوانيًّا ومُوزِّعًا محتملًا للعقوبات. لهذا صار كيفين حاميًا لها ومُتودِّدًا إليها.
كان من غير اللائق حتمًا، نبرةُ الملاطفة التي تمكَّن كيفين من إظهارها في صوته، هكذا ظن روبرت، وهو يستمع إلى جملته الأولى التي وجَّهها إليها. حيث بثَّ الطمأنينة في نفسها كلامُه المتأني الهادئ. استمعَت لحظةً ثم ما لبثت أنْ شعَرَت براحةٍ. رأى روبرت اليدَين الصغيرتَين النحيلتَين اللتين كانتا قد قبَضَتا بإحكام على حاجز منصة الشهود وقد صارتا مُرتخيتَين ومبسوطتَين في وضع الارتخاء. وبدأ يسألها عن مدرستها. فكان الخوف قد تبدَّد من عينَيها وأخذت تُجيب بهدوءٍ تام. وعند تلك اللحظة، بدا واضحًا وضوحَ الشمس أنها شعرَت بأنه صديق.
«والآن، يا جلاديس، سأقترح أنكِ لم تُريدي المجيءَ اليوم إلى هنا والإدلاءَ بشهادتك ضد ساكنتي فرنتشايز هاتين.»
«لا، لم أُرِد. حقًّا لم أرد!»
قال؛ دون توجيه اتهامٍ، مجرد أنه كان يوضح ما قيل: «لكنكِ أتيتِ.»
قالت؛ على استحياء: «أجل.»
«لمَ؟ هل لأنكِ ظننتِ أن ذلك واجب عليكِ؟»
«لا، أبدًا.»
«أكان السببُ هو أن أحدًا أجبرك على المجيء؟»
رأى روبرت ردَّ فعلٍ فوريًّا من القاضي على هذا، وكذلك فعل كيفين بطَرْف عينَيه. أنهى كيفين حديثه بسلاسة قائلًا: «أهناك شخصٌ يُمسك عليكِ زلة؟» ثم توقف سيادته. «شخص قال: «ستقولين ما أُمليه عليكِ وإلا سأكشف أمرك»؟»
بدَت من ناحيةٍ متفائلة، ومُتحيرةً من الناحية الأخرى. فقالت، وهي تلجأ إلى مهرب الجاهلين بالقراءة والكتابة: «لا أعرف.»
«لأنه إذا دفَعكِ أيُّ شخص إلى الكذب بتهديدك بما سيفعله بكِ إذا لم تكذبي، فمن الممكن معاقبتُه على ذلك.»
كان من الواضح أنها فكرةٌ جديدة عليها.
«هيئة المحكمة هذه، وجميع هؤلاء الناس الذين ترَينهم هنا، قد جاءوا إلى هنا اليوم لاكتشاف الحقيقة بشأنِ أمرٍ ما. وسيادة القاضي الجالس في الأعلى هناك سيتعامل بصرامةٍ وحزم مع أي شخصٍ استخدم أسلوبَ التهديد لإجبارك على المجيء إلى هنا والإدلاء بشيءٍ ليس حقيقيًّا. والأكثر من ذلك، ستُفرض عقوبةٌ مُشدَّدة على أولئك الذين أقسَموا على قول الحق ثم أدْلَوا بشهادةِ زور، لكن إذا حدث أن أولئك الأشخاص قد أرهَبهم شخصٌ ما بتهديدهم للإدلاء بشهادة زور، فإن الشخص الذي ستُفرض عليه أقصى عقوبة سيكون ذلك الذي ارتكب التهديد. هل تفهمين ذلك؟»
قالت بصوتٍ هامس: «أجل.»
«سأقترحُ عليك الآن ما حدث بالفعل، وستُخبرينني إن كنتُ مُحقًّا أم لا.» انتظر موافقتها، لكنها لم تنطق بشيء، ومِن ثمَّ واصل حديثه. «شخصٌ ما — ربما أنها صديقة لكِ — سرقَت شيئًا من منزل فرنتشايز؛ لنفترض بأنها ساعة يد. لم تكن ترغب في الساعة لنفسها، ربما لهذا أعطَتْها إليكِ. وربما أنكِ لم ترغبي في أخذِها، لكن صديقتَك ربما أنها شخصٌ مُتسلِّط وأنتِ لم تُريدي رفض هديتها. لهذا أخذتِها. فأقترح الآن بأن في الوقت الحاضر عرَضَت تلك الصديقةُ عليكِ أنه يجب عليك تأييدُ قصةٍ ستُدْلي هي بها في المحكمة، ولأنكِ تكرهين الكذب، قلتِ لا. وبناءً على ذلك قالت لكِ: «إذا لم تؤيديني فسأقول إنكِ سرقتِ الساعةَ من منزل فرنتشايز ذات يوم لمَّا أتيتِ لرؤيتي» أو تهديد آخَر من ذلك النوع.»
توقَّف لحظةً لكنها لم تبدُ إلا حائرة.
«والآن، أقترح أنكِ بسبب تلك التهديدات ذهبتِ بالفعل إلى محكمة المخالفات والجنح ودعَّمتِ القصةَ الكاذبة لصديقتك، لكنكِ شعرتِ بالحزن والخجل عند عودتك إلى المنزل. حزينة وخجلة لدرجة أن فكرة الاحتفاظ بتلك الساعة أكثر من ذلك كان أمرًا يفوق احتمالَك. ومن ثَم بعدها غلَّفتِ الساعة، وأعَدتِها إلى منزل فرنتشايز بالبريد مرفَقًا معها رسالة تقول: «أنا لا أريدها على الإطلاق».» ثم توقف. «هذا ما أقترحُه عليكِ، جلاديس، بأنه ما حدث بالفعل.»
لكنها كانت قد استغرقَت وقتًا حتى يُصيبها الذعر. قالت: «لا، لا، لم أمتلك تلك الساعةَ قط.»
تجاهل إقرارها بالأمر، وقال بهدوء: «هل أنا مخطئٌ تمامًا بخصوص ذلك؟»
«أجل. لستُ أنا من أعدتُ الساعة.»
أمسك ورقةً ثم قال بلطفٍ: «لمَّا كنتِ في تلك المدرسة التي كنَّا نتحدث عنها، كنتِ بارعةً في الرسم. بارعة لدرجة أن رسمًا لكِ قد وُضع في معرض المدرسة.»
«صحيح.»
«معي هنا خريطة كندا — خريطة دقيقة للغاية — كانت واحدةً من الرسومات المعروضة لكِ، وكانت سببًا في الواقع لفوزك بجائزة. قد وقَّعتِ هنا في الجانب الأيمن، ولا شك لديَّ أنك كنتِ فخورةً بالتوقيع على مثل هذا العمل المتقن. أتوقع أنك ستتذكَّرين هذا.»
مُرِّرت الورقة من هيئة المحكمة إليها، بينما كان كيفين يُضيف قائلًا:
«أيها السيدات والسادة أعضاءَ هيئة المحلَّفين، إنها خريطة كندا التي رسمَتها جلاديس في العام الأخير من المدرسة. عندما ينتهي سيادته من مُعاينتِها سيُمررها إليكم بلا شك.» ثم وجَّه حديثه إلى جلاديس قائلًا: «هل رسمتِ تلك الخريطة بنفسك؟»
«أجل.»
«وكتبتِ اسمك في الزاوية.»
«أجل.»
«وكتبتِ في الجزء السفلي بحروفٍ كبيرة متفرقة «الأراضي التابعة لسيادة كندا».»
«أجل.»
«كتبتِ تلك الحروف المتفرقة في الجزء السفلي التي تُقرأ: «الأراضي التابعة لسيادة كندا». جيد. والآن، معي قصاصة ورق كتَب عليها شخصٌ الكلماتِ الآتية: «أنا لا أُريدها على الإطلاق». قصاصة الورق هذه، بحروفها الكبيرة، كانت مرفقةً مع الساعة التي أُرسِلَت إلى منزل فرنتشايز. ساعة اليد التي اختفت في الوقت الذي كانت تعمل فيه روز جلين هناك. وأشير هنا إلى أن طريقة كتابة الحروف في «أنا لا أريدها على الإطلاق» هي نفسها الطريقة التي كُتِبت بها «الأراضي التابعة لسيادة كندا»، أي إنها كُتبت بخطِّ اليد نفسِه. وأن تلك اليدَ كانت يدَكِ.»
قالت: «لا»، وهي تأخذ قصاصة الورق عندما أُعطِيَت لها وتُلقيها سريعًا على حافة المنصة وكأنها ستلدغها. «لم أفعل ذلك أبدًا. لم أرسل الساعة أبدًا.»
«لم تكتُبِي تلك الحروفَ التي تُقرأ «أنا لا أُريدها على الإطلاق»؟»
«لم أفعل.»
«لكنكِ كتبتِ تلك الحروف التي تُقرأ «الأراضي التابعة لسيادة كندا»؟»
«أجل.»
«حسنًا، في وقتٍ لاحق من هذه القضية، سأُحضِر دليلًا على أن هاتين المجموعتَين من الحروف كُتبتا بخطِّ اليد نفسِه. في تلك الأثناء، يمكن لهيئة المحلفين معاينتُهما على مهل والتوصلُ إلى استنتاجهم. شكرًا لكِ.»
قال مايلز أليسون: «اقترح صديقي المحنك أنه مُورِس ضغطٌ عليكِ لتأتي إلى هنا. أهناك أي شيء حقيقي فيما اقترحه؟»
«لا.»
«لم تأتِ إلى هنا لأنكِ خائفةٌ مما قد يحدث إليك إن لم تأتي؟»
استغرقَت بعض الوقت لتُمعن التفكيرَ فيما قيل، فكان واضحًا أنها تحلُّ تعقيدات الأمر في عقلها. ثم في النهاية جازفَت قائلة: «لم أفعل.»
«ما قُلتِه في منصة الشهود في محكمة المخالفات والجنح، وما أدليتِ به اليوم، هو الحقيقة؟»
«أجل.»
«لم تقولي شيئًا أوعز إليك شخصٌ به؟»
«لم أفعل.»
لكن الانطباع الذي تُرك لدى هيئة المحلَّفين كان كذلك بالضبط: أنها شاهدةٌ كارهة لإدلاء الشهادة تُكرِّر قصة من تأليف شخصٍ آخر.
عند ذلك الحد انتهت الشهادة بالنسبة إلى الادعاء، ثم تطرق كيفين مباشرةً إلى مسألة جلاديس ريس؛ عملًا بمبدأ ربَّة المنزل ﺑ «تنظيف القدمَين» قبل البدء في أيِّ عمل فعلي اليوم.
أدلى خبيرُ خطوط بشهادته أن نموذجَي الكتابة اللذَين قُدِّما إلى المحكمة كُتبا باليد نفسِها. لم يكن ليُساورَه أدنى شكٍّ في ذلك فحسب، إنما كان نادرًا ما يُسنَد إليه مهمةٌ أسهلُ منها. ولم تكن الحروف في النموذجَين مطابقةً فحسبُ، بل مجموعات الحروف كانت مطابقةً على نحوٍ مماثل. وكما كان من الواضح أن هيئة المحلَّفين قد اتخذوا قرارَهم بأنفسهم على هذه النقطة — لم يرَ أحد النموذجين واعتراه شكٌّ بأنهما كُتبا باليد نفسِها —كان تلميحُ أليسون باحتمال أن يكون الخبراءُ مخطئين أمرًا بديهيًّا وغير مُثير للاهتمام. دحض كيفين هذا الاحتمالَ بإحضار خبير بصمات، والذي شهد بأن بصماتِ الأصابع نفسها وُجِدَت على النموذجَين. وإشارة أليسون إلى أن بصمات الأصابع ربما أنها ليست لجلاديس ريس كانت آخِرَ محاولة مُتبقية. ولم تكن له رغبةٌ أن تُخضعها المحكمة إلى الفحص.
الآن وبعد أن أثبتَ حقيقة حيازة جلاديس ريس، عند شهادتها في المرة الأولى، لساعة يدٍ سُرقَت من منزل فرنتشايز وأنها كانت قد أرجعتها مباشرةً بعد تلك الشهادة، مرفقةً برسالة تعكس شعورًا بوخزٍ في الضمير، صار كيفين متفرغًا للتعامُل مع قصة بيتي كين. إذ إن روز جلين وقصتها قد فقَدَت مصداقيتَها بما يكفي في نظر الشرطة ليتشاوَرا بشأنها. فكان بإمكانه أن يترك روز إلى الشرطة بنفسٍ مطمئنَّة.
عند استدعاء برنارد ويليام تشادويك، اشْرأبَّت الأعناقُ إلى الأمام وانتشر صوتُ استفسار هامس. فكان هذا اسمًا لم يتعرَّف عليه قُرَّاء الصحف. ماذا عساه يفعل في القضية؟ ما الشيء الذي أتى ليُخبر به هنا؟
كان هنا ليُخبر بأنه أحدُ مُشتري البورسلين، والأواني الخزفية الفاخرة، وسلع فاخرة من شتى الأنواع لصالح شركةٍ في لندن للبيع بالجملة. وأنه متزوجٌ ويعيش مع زوجته في منزلٍ بمنطقة إيلينج.
قال كيفين: «تسافر لصالح الشركة التي تعمل فيها؟»
«أجل.»
«في مارس من هذا العام هل أجريتَ زيارةً إلى لاربورو؟»
«أجل.»
«أثناء وجودك في لاربورو هل التقيتَ ببيتي كين؟»
«أجل.»
«كيف التقيت بها؟»
«تودَّدَت إليَّ.»
علا صوتُ اعتراض فوري وجماعي من الحاضرين في المحكمة. بصرف النظر عن التشويه الذي كانت روز جلين وصديقتها قد قاسَتاه، فإن بيتي كين كانت لا تزال إنسانةً مُقدَّسة. بيتي كين، التي بدَت شبيهةً بدرجةٍ كبيرة بالقديسة بيرناديت، لا يليق الحديث عنها باستهتار.
وبَّخهم القاضي على هذا الاعتراض العام، رغم أنه قد صدَر منهم دون عمد. ووبَّخ كذلك الشاهد. لم يكن واضحًا له تمامًا، كما استدل، ما تنطوي عليه عبارةُ «تودَّدَت إليَّ» وسيكون ممتنًّا إذا ألزم الشاهدُ نفسَه باستعمال لغةٍ فصحى في ردوده.
قال كيفين: «هل لك أن تخبر هيئة المحكمة كيف التقيتَ بها؟»
«أجريتُ ذات يوم زيارةً خاطفة إلى ردهة فندق ميدلاند لتناوُل الشاي، ثم بدأَت هي … في التحدث إليَّ. بينما تتناول الشاي هناك أيضًا.»
«وحدها؟»
«وحدها تمامًا.»
«لم تُبادر أولًا بالحديث إليها؟»
«لم أُلاحظها من الأساس.»
«كيف جذبَت انتباهك إلى وجودها، إذن؟»
«ابتسمَت، فابتسمتُ إليها ثم واصلتُ قراءة أوراقي. كنتُ منشغلًا. ثم تحدثَت إليَّ. سألَت عن طبيعة هذه الأوراق، وهكذا.»
«وبهذا تطوَّرَت المعرفة.»
«أجل. قالت إنها ستذهب إلى السينما — لمشاهدة أفلام — ولماذا لا أذهب أنا أيضًا؟ حسنًا، كنتُ قد أنهيتُ يومي وهي كانت فتاة لطيفة، لهذا وافقت، إذا كانت ترغب في ذلك. وكانت النتيجة أنها قابلَتني اليوم التاليَ وذهبَت معي في سيارتي إلى الريف.»
«تقصد، في رحلاتك من أجل العمل.»
«أجل؛ جاءت للتنزُّه، وكنا نتناول الغداء في أي مكانٍ في الريف ونشربُ الشاي قبل أن تعود إلى منزل عمتها.»
«هل حدَّثَتك عن أهلها؟»
«أجل، أخبرَتني كم تحيا حياةً تعيسة في المنزل، حيث لا أحد يلتفتُ إليها. كانت لديها سلسلةٌ طويلة من الشكاوى عن منزلها، لكني لم أنتبه إليها كثيرًا. بدَت لي صحبة صغيرة أنيقة تمامًا.»
سأل القاضي: «بدَت لك ماذا؟»
«فتاةً صغيرة تحظى برعاية جيدة يا سيدي.»
قال كيفين: «صحيح؟ كم استمرَّت هذه المدة الرومانسية في لاربورو؟»
«تبيَّن أننا سنغادر لاربورو في اليوم نفسِه. كانت ستعود إلى أهلها لأن إجازتها انقضت — فكانت قد مَدَّتها بالفعل حتى تتمكَّن من التسكُّع معي — وكان عليَّ أن أسافر إلى كوبنهاجن في مهمةِ عمل. فقالت حينها إنها لا تنوي العودةَ إلى المنزل وطلبَت مني أن آخُذها معي. فقلت بالتأكيد لا. لم أعُد أظن أنها طفلةٌ بريئة بهذه الدرجة التي بدَت بها في ردهة فندق ميدلاند — عرَفتُها بعمقٍ أكبر أثناء تلك المدة — لكني لا أزال أعتقد أنها كانت غيرَ متمرِّسة. فلم تكن سوى في السادسة عشرة من عمرها، رغم كل ذلك.»
«أخبرَتك بأنها في السادسة عشرة من عمرها.»
قال تشادويك لاويًا فمَه بسخريةٍ من أسفل شاربه الأسود الصغير: «قضت عيد ميلادها السادس عشر في لاربورو. كلَّفَني الأمر أحمرَ شفاهٍ ذهبيًّا.»
نظر روبرت إلى السيدة وين في الجهة المقابلة ورآها تُغطي وجهها بيدَيها. وبدا ليزلي وين، الذي كان يجلس إلى جوارها، غيرَ مُصدقٍ ولا يظهر عليه أيُّ تعبير.
«لم تكن لديك فكرةٌ أنها كانت فعليًّا لا تزال في الخامسة عشرة من عمرها؟»
«لا. ليس إلا مؤخرًا.»
«وبهذا عندما اقترحَت أن تذهب معك كنتَ تظنها طفلةً غيرَ متمرسة في السادسة عشرة من عمرها.»
«أجل.»
«لِمَ غيرتَ رأيك فيها؟»
«هي؛ أقنعَتني أنها لم تكن هكذا.»
«لم تكن هكذا كيف؟»
«لم تكن غير متمرِّسة.»
«لهذا بعد ذلك لم يؤنِّبك ضميرُك لأن تأخذها معك في رحلة إلى الخارج؟»
«كان ضميري يؤنبني كثيرًا، لكني بعدها كنتُ قد علمتُ … طبيعةَ التسلية التي يمكن أن توفرها لي، ولم يكن لي أن أتركها لو أردتُ ذلك.»
«لهذا أخذتَها إلى الخارج معك.»
«أجل.»
«بصفتها زوجتك؟»
«أجل، بصفتها زوجتي.»
«ألم يؤنِّبك ضميرك بشأن القلق الذي ربما قد يُعانيه أهلها؟»
«كلَّا. قالت لا يزال لدَيها أسبوعان في إجازتها، وسيعتقد أهلُها كأمرٍ مُسلَّم به أنها لا تزال مع عمَّتها في لاربورو. وأخبرَت عمتها بأنها ستعود إلى المنزل، لكنها كانت قد أخبرَت أهلها بأنها ستُواصِل إقامتها هناك. ولأنهم لم يتراسلوا قط فكان مُستبعَدًا أن يُصبح غيابها عن لاربورو معروفًا لأهلها.»
«هل تتذكَّر التاريخ الذي غادرتُما فيه لاربورو؟»
«نعم؛ أخذتها بسيارتي من موقف حافلات في مينشيل عصرَ يوم ٢٨ مارس. كان ذلك المكان الذي تستقل فيه عادة حافلةَ العودة إلى منزلها.»
ترك كيفين مهلةً من الوقت بعد هذه المعلومة، حتى تحظى أهميةُ ما قيل بفرصةٍ كاملة. فكر روبرت، مُرهِفًا السمعَ إلى هذا الهدوء العابر، أنه لو كانت قاعة المحكمة خاويةً من جنس بشر لم يكن ليسودَها هدوءٌ مُطلق أكثرُ من ذلك.
«وبذلك اصطحبتَها معك إلى كوبنهاجن. أين أقمتُما؟»
«في فندق ريد شوز.»
«كم كانت مدةُ إقامتكما؟»
«أسبوعين.»
سرى همسٌ طفيف من التعليق أو الدهشة بسبب ذلك.
«ثم ماذا حدث؟»
«عُدنا معًا إلى إنجلترا يوم ١٥ أبريل. كانت قد أخبرتني أن الموعد المقرَّر لعودتها إلى المنزل هو ١٦ أبريل. لكنها أثناء العودة أخبرَتني بأن موعد عودتها الفعلي كان يوم ١١ أبريل وأنها صارت متغيبةً عن المنزل آنذاك أربعةَ أيام.»
«هل ضلَّلَتك عن عمد؟»
«أجل.»
«هل أخبرَتك بالسبب الذي دفعها لأن تُضلِّلك؟»
«أجل. حتى تصير العودة مُستحيلةً عليها. قالت إنها ستكتب إلى أهلها وتُخبرهم بأنها قد حصلت على وظيفةٍ وأنها في غاية السعادة، وأنْ ليس عليهم أن يبحثوا عنها أو يقلقوا بشأنها.»
«ألم تشعر بتأنيبٍ لِما تسبَّبَتْ فيه من معاناة لوالديها اللذين كانا مخلصَين لها؟»
«لا. قالت إن منزلها يشعرها بالملل الشديد.»
رغمًا عنه، اتجهَت عينا روبرت إلى السيدة وين، وانصرفتا عنها مرةً أخرى في الحال. إذ كانت في محنة قاسية.
«ما كان ردُّ فعلك تجاه الموقف الجديد؟»
«بدايةً كنتُ غاضبًا. فقد وضعَتني في موقف صعب.»
«هل كنتَ قلقًا على الفتاة؟»
«لا، ليس بالدرجة.»
«لِمَ؟»
«بمرور الوقت علمتُ أنها قادرة تمامًا على الاعتناء بنفسها.»
«ماذا تقصد بهذا تحديدًا؟»
«أقصد: أيًّا كان الشخص الذي سيُعاني من أي وضعٍ تسببتُ فيه، فلن يكون هذا الشخص هو بيتي كين.»
إن ذِكر اسمها ذكَّر الحضور فجأةً بأن الفتاة التي كانوا يستمعون إليها منذ قليل كانت بيتي كين «بعينها». بيتي كين «التي عرَفوها». الإنسانة التي تُشبه القديسة بيرناديت. فسَرَت حركةٌ بسيطة مضطربة؛ حركةٌ لالتقاط الأنفاس.
«ثم ماذا بعد؟»
«بعد كثير من المعافرة …»
قال سيادته: «بعد ماذا؟»
«الكثير من المناقشة يا سيادة القاضي.»
قال سيادته: «أكمل، لكن التزِم باستعمال اللغة الفصحى أو البسيطة.»
«بعد حوارٍ طويل توصَّلتُ إلى أن أفضل ما يمكن فعله هو أخذُها إلى منزلٍ لي على النهر، قريبٍ من قرية بورن إند. اعتَدْنا ارتيادَه في عطلات نهاية الأسبوع في فصل الصيف وفي إجازات الصيف، لكن قلَّما نأتي إليه باقيَ أيام السنة.»
«عندما تستخدم صيغة الجمع، تقصد أنت وزوجتك.»
«أجل. فوافقَت على ذلك الاقتراح بسرعةٍ تامة، ثم أوصلتُها إلى هناك.»
«هل بقيتَ معها هناك تلك الليلة؟»
«أجل.»
«وماذا عن الليالي التالية؟»
«الليلة التالية قضيتُها في المنزل.»
«في إيلينج؟»
«أجل.»
«والليالي التي بعدَها؟»
«لمدة أسبوع بعدها قضيتُ أغلب الليالي في منزلي على النهر.»
«ألم تُفاجأ زوجتك بأنك لم تَبِتْ في المنزل؟»
«ليس بالدرجة التي يصعب احتمالها.»
«وكيف انتهى الوضع في منزل بورن إند؟»
«ذهبتُ إليه ذات ليلةٍ ووجدتُها قد غادرت المنزل.»
«ماذا ظننتَ أنه قد حدث لها؟»
«حسنًا كان يزداد شعورها بالملل خلال اليوم أو اليومَين الأخيرَين — وجدَتْ أعمال المنزل مسليةً نحوَ ثلاثة أيام وليس أكثرَ من ذلك، ولم يكن لدَيها الكثيرُ لتشغل به وقتَها هناك — لهذا عندما وجدتها قد غادرَت المنزل ظننتُ أنها سئمَت مني وقد وجدَت شخصًا آخر أو شيئًا أكثرَ إثارة.»
«هل علمتَ فيما بعدُ إلى أين ذهبَت، ولماذا؟»
«أجل.»
«هل سمعت الفتاة بيتي كين تدلي بشهادتها اليوم؟»
«أجل سمعتُها.»
«شهادتها بخصوص حبسِها عنوةً في منزلٍ قريبٍ من ميلفورد؟»
«أجل.»
«هل هذه هي الفتاة التي سافرَت معك إلى كوبنهاجن، ومكثت معك هناك مدةَ أسبوعين، ثم أقامت بعدها في منزلٍ قريبٍ من بورن إند؟»
«أجل، تلك هي الفتاة نفسها.»
«ألدَيك أيُّ شكوك حيال ذلك؟»
«لا.»
«شكرًا لك.»
أُطلِقت تنهيدةٌ كبيرة من جموع الحاضرين عندما جلس كيفين وانتظر برنارد تشادويك تعقيبَ مايلز أليسون. تساءل روبرت إن كان وجهُ بيتي كين قادرًا على إظهار أي مشاعر غير مشاعر الخوف والانتصار. سبق له أن رأى وجهها مرتَين ينبض بفرحة الانتصار، ومرةً واحدة — عندما اجتازت السيدة شارب العجوز غرفةَ الجلوس متجهةً ناحيتها في تلك المرة الأولى — رآه يعكسُ خوفًا. لكن كل الانفعال الذي أظهرَه في تلك اللحظة تحديدًا بدا كأنها ربما تستمع إلى قراءةٍ لأسعار سوق الماشية. فتوصَّل إلى أنَّ مظهر وجهها الذي يعكس هدوءًا داخليًّا لا بد أنه نتيجةُ خِلقةٍ طبيعية. نتيجة ما توحي بها عيناها المتباعِدتان، وتعابيرُ وجهها الهادئة، وثَغرها الصغير الوضيع الذي يتَّخِذ دومًا وضع الاستياء الطفولي نفسه. هذه الخِلقة الطبيعية هي التي قد أخفَت، طوالَ تلك السنوات، شخصيةَ بيتي كين الحقيقية حتى من المقرَّبين إليها. كان تمويهًا مثاليًّا. مظهَر مصطنَع كان بإمكانها أن تتخفَّى وراءه بالهيئة التي تحلو لها. وها هو في تلك اللحظة، قناعٌ طفوليٌّ وهادئ مثلما قد رآه في أول مرة يعتلي معطفها المدرسي في قاعة الاستقبال بمنزل فرنتشايز؛ رغم أنه يتوارى خلفه صاحبتُه التي لا بد أنها تغلي بانفعالاتٍ يستحيل تَسميتُها.
قال مايلز أليسون: «سيد تشادويك، هذه قصةٌ متأخرة كثيرًا عن أوانها، أليس كذلك؟»
«متأخرة عن أوانها؟»
«أجل. كانت هذه القضيةُ هي الشغلَ الشاغل لتقارير الصحف والرأي العامِّ طيلةَ الثلاثة الأسابيع الأخيرة، أو نحو ذلك. لا بد أنك كنتَ على خبرٍ بأن هاتين السيدتَين متهَمتان ظلمًا — إن كانت قصتُك صحيحة. وإذا كانت بيتي كين، كما تدَّعي أنت، معك خلال تلك الأسابيع، وليست، كما تدَّعي هي، في منزل هاتين السيدتَين، فلماذا إذن لم تتوجَّه مباشرةً إلى الشرطة وتُخبرهم بذلك؟»
«لأني لم أعرف أيَّ شيءٍ عن ذلك.»
«عن ماذا؟»
«عن اتهام هاتَين السيدتَين. أو عن القصة التي روَتْها بيتي كين.»
«كيف ذلك؟»
«لأني سافرتُ إلى الخارج مرةً أخرى لدواعٍ خاصة بالشركة التي أعملُ بها. لم أعرف أي شيءٍ عن هذه القضية إلا منذ يومَين.»
«فهمت. لقد سمعتَ الفتاة تُدْلي بشهادتها، وسمعتَ شهادة الطبيب بخصوص الحالة التي وصلَت بها إلى المنزل. هل أي شيء في قصتك يُفسِّر ذلك؟»
«لا.»
«لم تكن أنت الذي ضربتَ الفتاة؟»
«لستُ أنا.»
«تقول إنك ذهبتَ إلى هناك ووجدتَها قد غادرت المنزل.»
«صحيح.»
«أكانت قد حزمَت أمتعتها وغادرت؟»
«أجل؛ هكذا بدا الأمر حينها.»
«يعني ذلك أن جميع متعلقاتها والحقائب التي كانت فيها قد اختفَت معها.»
«أجل.»
«لكنها عادت إلى منزلها من دون أيِّ نوعٍ من المتعلقات، ولم تكن ترتدي سوى فستانٍ وحذاء.»
«لم أعرف ذلك إلا بعدَ الواقعة بكثير.»
«تريد منَّا أن نفهم بأنك ذهبتَ إلى المنزل فوجدتَه مرتبًا وخاليًا، ولا يُوجَد به أيُّ دليل على رحيلٍ مُتعجِّل.»
«أجل. هكذا وجدتُه.»
عندما استُدعِيَت ماري فرانسيس تشادويك لتُدلي بشهادتها انتشر في قاعة المحكمة ما يرقى لوصفه بالضجة، حتى قبل ظهورها. كان واضحًا أنها «الزوجة»؛ وهذا أمرٌ لم يتوقَّعْه أحدٌ من الحشد المصطفِّ خارج المحكمة، حتى الأكثر تفاؤلًا.
كانت فرانسيس تشادويك امرأةً طويلة لها طلةٌ جميلة؛ ذات شعر أشقرَ طبيعي ولها ملابسُ وملامح عارضة أزياء؛ لكن جسدها أصبح ممتلئًا بعض الشيء الآن، وإذا حكَم عليها أحدٌ من وجهها الحسن، فإنها لم تكن تُبالي كثيرًا.
قالت إنها متزوجة بالفعل من الشاهد السابق، وعاشت معه في إيلينج. ولم يُنجبا أطفالًا. وهي لا تزال تعمل في تجارة الملابس من حينٍ لآخَر. ليس لأنها في حاجةٍ إلى العمل، لكن من أجل اكتساب مصروفها الخاص ولأنها أحبَّت المجال. أجل، هي تتذكَّر ذَهاب زوجها إلى لاربورو ورحلته بعد ذلك إلى كوبنهاجن. وأنه وصل من كوبنهاجن متأخرًا بيومٍ عن اليوم الذي حدَّده، وقضى الليلةَ معها. وخلال الأسبوع التالي بدأت الشكوكُ تُساورها أن زوجها قد نشأ لدَيه اهتمامٌ في مكانٍ ما. وتأكد الشكُّ عندما أخبرتها صديقةٌ بأن زوجها لدَيه ضيفة حلَّت في منزلهما على النهر.
سأل كيفين: «هل تحدثتِ إلى زوجك بشأن هذا الأمر؟»
«لا. لم يكن ذلك ليُمثل أي حلٍّ. فهو يجذبهن كالذباب.»
«ماذا فعلتِ، إذن؟ أو خطَّطتِ كي تفعلي؟»
«الشيء الذي أفعله دائمًا مع الذباب.»
«ما ذلك الشيء؟»
«أسحقه.»
«وبهذا توجهتِ إلى المنزل من أجل سحق الذبابة التي هناك أيًّا كانت.»
«هكذا بالضبط.»
«وماذا وجدتِ في المنزل؟»
«ذهبتُ في ساعةٍ متأخِّرة من المساء على أمل أن أُمسِك ببارني هناك أيضًا …»
«بارني زوجُك؟»
أضافت على عجلٍ، لافتةً انتباه القاضي: «هكذا هو. أقصد، أجل.»
«ثم ماذا حدث؟»
«كان الباب مفتوحًا؛ لهذا دخلتُ على الفور وتوجهتُ إلى غرفة الجلوس. ثم جاء صوتُ امرأة مناديًا من غرفة النوم: «أهذا أنت يا بارني؟ لقد اشتقتُ إليك كثيرًا.» فدخلتُ ووجدتها مُستلقيةً على الفراش بملابس مُبتذلة اعتدتُ مشاهدتها في أفلام الرعب منذ نحو عشر سنوات. كانت متَّسخة، وفوجئتُ قليلًا من ذوق بارني. كانت تأكل شوكولاتة من صندوقٍ كبير بجانبها على الفراش. المنظر بأكمله كان يُشبه بشدةٍ فيلمًا لمصَّاصي الدماء لعام ألفٍ وتسعمائة وثلاثين.»
«من فضلك اقتصري في قصتك على المعلومات الأساسية يا سيدة تشادويك.»
«أجل. أعتذر. حسنًا، تبادلنا الكلام المعتاد …»
«المعتاد؟»
«أجل. كلام من قبيل ما الذي تفعلينه هنا. الزوجة المخدوعة والفتاة العشيقة، كما تعرف. لكن لسببٍ أو لآخر أزعجَتني بشدة. لا أعرف ما السبب. لم أكن قد أبديتُ اهتمامًا كبيرًا قطُّ في مناسباتٍ أخرى. أقصد، يدور بيننا جدالٌ هادئ من دون أن تحمِل أيٌّ منَّا مشاعرَ كُرهٍ تجاه الأخرى. لكن ثمة شيء كان في هذه العاهرة الصغيرة أصابني بالغثيان. لهذا …»
«من فضلك يا سيدة تشادويك!»
«لا بأس. أعتذر. لكنك أخبرتَني بأن أحكي بأسلوبي الخاص. حسنًا، وصل الوضعُ إلى نقطةٍ لم يكن بوُسعي احتمالُ هذه العا … أقصد، وصلتُ إلى مرحلةٍ أغضبَتني فيها لدرجةٍ تفوق احتمالي. فسحبتُها من السرير وصفعتُها على جانب الرأس. بدَت متفاجئةً كثيرًا لدرجةٍ مضحِكة. بدَت كما لو لم يضربها أحدٌ في حياتها. فقالت: «تضربينني أنا» بهذه الطريقة بالضبط؛ فقلت: «سيضربُك كثيرٌ من الناس من الآن فصاعدًا، يا حُلوَتي»، ثم صفعتُها صفعةً أخرى. حسنًا، من تلك اللحظة وحتى النهاية كان مجردَ شجار. أعترف بصراحةٍ تامة أن جميع التصرُّفات الغريبة كانت من جانبي. من ناحيةٍ لأني كنتُ الأكبرَ حجمًا وأعصابي تتَّقدُ غضبًا. مزَّقتُ ملابسها السخيفة، واستمر الشجار حتى تعثَّرَت في أحد خُفَّيْها لدرجةِ أنها استلقَتْ على الأرض وصار جسدُها راقدًا. انتظرتها حتى تنهض، لكنها لم تنهض، فظننتُ أنها قد فارقت الحياة. ذهبتُ إلى المرحاض لأُحضر قماشًا مبلَّلًا بماءٍ بارد ثم مسحتُ على وجهها. ثم ذهبتُ إلى المطبخ لأُعِدَّ بعض القهوة. كنتُ قد هدأتُ حينها وظننتُ أنْ سيَروقُها تناولُ شيء لمَّا تهدأ أيضًا. صببتُ القهوة ثم تركتها. وعندما عُدت إلى غرفة النوم وجدتُ أن الإغماء كان مجردَ تمثيل. فالصغيرة … الفتاة كانت قد هرَبَت. كان لدَيها الوقتُ لترتديَ ثيابها؛ لهذا فقد سلَّمتُ بأنها قد ارتدَت فستانها في عجالةٍ وهربَت.»
«وهل ذهبتِ أنت أيضًا؟»
«انتظرتُ ساعةً؛ ظنًّا منِّي أن بارني ربما سيأتي. زوجي. لكن جميع أغراض الفتاة كانت مُلقاة هنا وهناك؛ لهذا رميتُها كلها في حقيبتها ثم وضعتُها في الخِزانة تحت السُّلَّم المؤدي إلى العلية. ثم فتحتُ جميع النوافذ. لا بد أنها كانت تضع عطرَها بكمياتٍ كبيرة. ولمَّا لم يأتِ بارني انصرفتُ. لا بد أني لم ألحق به؛ لأنه ذهب بالفعل إلى هناك تلك الليلة. لكن بعد مرور يومَين أخبرتُه بما فعلته.»
«وما كان ردُّ فعله؟»
«قال إنه من المؤسِف أن والدتها لم تفعل الشيءَ نفسه منذ عشر سنوات.»
«لم يُساوره قلقٌ بخصوص ما حلَّ بها؟»
«لم يفعل. أنا كنتُ قلقة، نوعًا ما، إلى أن أخبرَني أن منزلها في إيلزبري فحسب. بإمكانها بسهولة تامة أن تحصل على توصيلةٍ إلى تلك المسافة.»
«لهذا سلَّم بتفكيره أنها قد عادت إلى منزلها.»
«أجل. قلتُ ألم يكن من الأفضل أن يتأكَّد. فرغم كل هذا، هي مجرد طفلة.»
«وماذا قال ردًّا على ذلك؟»
«قال: «فرانكي، يا حبيبتي، تلك «الطفلة» تعرف عن وسائل المحافظة على النفس أكثرَ مما تعرفه الحرباء».»
«وبهذا أخرجتِ الأمر من تفكيرك.»
«أجل.»
«لكن لا بد أن الأمر جال بخاطرك مرةً أخرى عند قراءة التقارير عن قضية منزل فرنتشايز؟»
«لا، لم يحدث ذلك.»
«ما السبب في ذلك؟»
«لسببٍ واحد، أني لم أعرف مطلقًا اسم الفتاة. بارني كان يُطلق عليها ليز. ولم أربط قطُّ بين فتاة المدرسة في عمر الخامسة عشرة التي خُطِفَت وضُربت في مكانٍ ما في منطقة ميدلاندز وفتاةِ بارني. أقصد، الفتاة التي كانت تأكل الشوكولاتة على فراشي.»
«لو كنتِ قد أدركتِ أن الفتاتَين هما الشخص نفسُه، فهل كنتِ ستُخبرين الشرطة بما عرَفتِه عنها؟»
«بالتأكيد.»
«هل كنتِ ستتردَّدين نظرًا إلى أنكِ أنتِ مَن أوسعتِها ضربًا؟»
«كلَّا. كنتُ سأُوسِعها ضربًا مرةً أخرى في الغد لو أُتيحت لي الفرصة.»
«سأوفِّر على صديقي المحنَّك سؤالًا وأسألكِ: هل تنوين الطلاق من زوجك؟»
«لا. بالتأكيد لا.»
«هل شهادتك وشهادته مؤامرةٌ عامة محبوكة بإتقان؟»
«كلَّا. لم أكن لأحتاجَ إلى مؤامرة. لكن لا نية لي في الطلاق من بارني. فهو رجلٌ ظريف، ومُعِيل جيد. ما الذي تحتاج إليه في زوج أكثرَ من ذلك؟»
سمع روبرت كيفين يُغمغم قائلًا: «ليس لي أن أعرف.» ثم بنبرة صوته المعتادةِ طلب منها التأكيدَ على أن تلك الفتاة التي كانت تتحدَّث بشأنها هي نفسُها الفتاة التي أدْلَت بشهادتها؛ الفتاة التي كانت تجلس في تلك اللحظة داخلَ المحكمة. وبذلك شكَرها ثم جلس.
لكن مايلز أليسون لم يُجرِ أي محاولة لاستجواب الشاهدة. فهَمَّ كيفين للنداء على شاهده التالي. لكن رئيس المحلَّفين سبقه قبل أن يتكلم.
قال رئيس المحلَّفين إن هيئة المحلفين أرادت أن تُعلِم سيادة القاضي بأنه قد صار لدَيها كافةُ الأدلة التي تحتاج إليها.
سأل القاضي: «مَن الشاهدُ الذي كنتَ على وشك النداء عليه يا سيد ماكديرموت؟»
«إنه صاحب الفندق في كوبنهاجن يا سيدي. حتى يتحدَّث عن إقامتهما هناك طيلة المدَّة المعنيَّة.»
استدار القاضي إلى رئيس المحلَّفين مُستفسرًا.
تشاور رئيس المحلَّفين في الأمر مع هيئة المحلَّفين.
«لا يا سيدي؛ لا نظنُّ أنه ضروريٌّ، مع مراعاة أن أمر الاستماع إلى الشاهد قابلٌ للتعديل، من جانب سيادتكم.»
«إذا كنتم مُقتنِعين بأنكم قد سمعتم ما يكفي للتوصُّل إلى حكمٍ صائب — وأنا نفسي لا أرى أن أيَّ شهادةٍ أخرى قد توضِّح الأمر إلى حدٍّ كبير — فليكن الأمر على ما هو عليه. هل ترغبون في سماع محامي الدفاع؟»
«لا يا سيادة القاضي، شكرًا لك. لقد وصلنا إلى قرارنا بالفعل.»
«في تلك الحالة، أيُّ تلخيصٍ من جانبي سيُصبح إسهابًا بدرجةٍ واضحة. هل ترغبون في التداول منفردين؟»
«لا يا سيدي. فنحن مُجمِعون على رأيٍ واحد.»