هابرا كادابرا
وربما يجب هنا أن نفرق بين «السحر» المقصود به ألعاب الخفة، والذي يعتمد في جزء منه على حيلة ذكية وسرعة الأداء والإبهار؛ والسحر الذي يعتمد على النبوءات والشعوذة واستخدام عظام الموتى، والتنبُّؤ بالموت، وتحضير الأرواح، واستخدام التعويذات الشريرة، كما في عدد من الأفلام المأخوذة عن قصص لستيفن كينج. وإذا غضضنا الطرف عن هذه الأفلام الأخيرة التي تتناول السحر من منطلق مغامراتي بحت، وسعيًا لاقتناص مزيد من المشاهدين في شباك التذاكر، وهي كثيرة مثل أفلام «هاري بوتر»، بأجزائها المتتالية، والتي أصبح بعضها من أكثر الأفلام تحقيقًا للأرباح في التاريخ، وفيلم «ملك الخواتم» بأجزائه الثلاثة، ثم ثلاثية «الهوبيت»، وعشرات الأفلام الأخرى، التي تتعامل مع السحر باعتباره «تتبيلة» جيدة لفيلم يحطم الإيرادات، فضلًا عن الأفلام التي تستخدم السحر — لا سيما السحر الأسود — كمدخل جيد لصناعة فيلم رعب معروف الحبكة مسبقًا؛ إذا تغاضينا عن كل هذا، فإننا نجد الأفلام التي تتناول عالم السحرة — لاعبي الخفة — قليلة العدد بشكل ملحوظ.
لكن الجميل في فيلم وودي آلان الأخير ليس أنه يتناول عالم السحرة فحسب، بل إنه يغوص في العلاقات الإنسانية المتشابكة بينهم، طارحًا أسئلته الأزلية — التي لا يمل من تقديمها في كل أفلامه — عن الحب والكراهية والخيانة والأرواح والآلهة، ساخرًا في الوقت ذاته من الألعاب الروحانية. نحن لسنا أمام سحرة مبهرين كما قدمتهم الأفلام الأخرى، بل أمام أشخاص ضعفاء يقهرهم الحُبُّ، فينقلب السحرُ على الساحر، ويصبح الساحر الحقيقي في الفيلم هو «الحب» الذي يحوِّل كولين فيرث من كاشفٍ للمتآمرين إلى متواطئ معهم.
وعلى الرغم من الخفة التي يتميز بها فيلم «أُوز العظيم القوي»، الذي صدر عام ٢٠١٣ في نسخته الجديدة، بعد أن قُدِّم مرتين من قبل، فإن ما لا يمكن إنكاره هو انحيازه للعلم، على خلفية القصة الرومانسية الخفيفة التي يقدمها، وكأن الفيلم بأكمله تحية لمن ساهموا في أشياء جعلتنا نؤمن بالعلم لا بقوة الخداع. فنحن أمام ساحر فاشل، تنتظره مدينة خيالية لينقذها من الأشرار، كالعادة. ولأنه لا يملك السحر، يقرِّر أن يستعين بالعلم الذي يتحول إلى سحر بسبب جهل أهل المدينة بهذه التقنيات العلمية.
في كل هذه الأفلام — سواء كنا نسعى لمعرفة الخدعة أو نعرفها بالفعل — لا نرى الساحر مجرد مقدِّم حيل، ولا يتوقف الأمر عندما يهتف «هابرا كادابرا»، بل نراه شخصًا ذكيًّا لماحًا يقول لك: «أنت الآن تراني؛ فحاول أن تعرف كيف سأخدعك.» يؤكد لك أن لا شيء مما نراه حقيقي، لكن ما يحدث ليس أكثر من مجرد خدعة تنتصر للعلم وللذكاء الإنساني في النهاية. كما أن هذه الأفلام تهتم بإظهار الوجوه الإنسانية لهؤلاء السحرة، الصراعات بينهم على فكرة جديدة. لكن الأهم أنها تظهر لنا أن هناك سحرًا مختلفًا نتلمسه في كل فيلم؛ وهو سحر الإنسان نفسه، ومشاعره، وانحيازاته، سحر الحب — كما قدَّمه وودي آلان في فيلمه الأخير — الذي انتصر على السحر الحقيقي، وعلى الخداع أيضًا.
وعلى الرغم من قلة هذه الأفلام، فإنها تُثبت لمن يشاهدها أن ثمة سِحرًا آخر، لا يخبو ولا نصل إلى منتهاه، بل نسعى إلى الخدعة مرة تلو المرة ونحن سعداء بها؛ هو سحر السينما الذي يمكن أن نلمسه في أفلام لم تتحدث عن السحر لكنها قدَّمته؛ مثل فيلمَي «هوجو» لِمارتن سكورسيزي، و«باريس منتصف الليل» لِوودي آلان، وربما هذا ما حَرَصَت كل هذه الأفلام على تأكيده.