عيون مفتوحة على اتساعها
الآن، بعد ٨ سنوات من عدد «تايم» ذاك، يمكن القول إن هذه كانت أكبر كذبة صحافية شهدها العالم، ﻓ «أنت» لم تكن فاعلًا، بل صرت مفعولًا به بجدارة، بعد أن سقطتَ في فخ زمن المعلوماتية، الذي يسجل كل ما تفعله ويؤرشفه ويستخدمه إذا اقتضت الحاجة سلاحًا ضدك، وليس غريبًا أن نعرف أن مكتبة الكونغرس تؤرشف كل يوم جميع التدوينات على موقع تويتر، غثها وسمينها.
هذه دوامة لا يجدي التحذير منها، لا مخرج منها، فمَن يَخرج منها فسيخرج من النظام العالمي الجديد في النهاية؛ فالكثيرون يعرفون بالثغرات الأمنية في موقع فيس بوك، لكن لم يتوقف أحد عن التعاطي معه، الجميع يسمع بالاتهامات ﻟ «أبل» بتسريب بيانات عملائها للمخابرات، لكن لم يتوقف أحد عن شراء «آي فون» و«آي باد». لقد تحول الأمر إلى إدمان، وخوف من الخروج من السباق.
الإجابة عن هذا السؤال يقدمها العصر الراهن بعد أن اعتبر البعض أنفسهم يتجاوزون دور الآلهة، بعد أن صارت أجهزة استخبارات ودول ومنظمات وشركات عابرة للقارات، تسعى للسيطرة على العالم، وبعد أن استغنت عن عمل الجواسيس والاستطلاعات السرية بامتلاك المعلومات عن طريق التكنولوجيا.
يظن الكثيرون أنهم لا يَعْنون أجهزة الاستخبارات في شيء، لكن الحقيقة أنهم جزء من منظومة تكوِّن رأيًا عامًّا، تكوِّن صورة واضحة لجزء كبير من مكان، أنهم تفصيلة ضمن تفاصيل كثيرة إذا تجاورت أصبحت الصورة كاملة.
«أنت» لم تعد منذ الآن تملك جهازك المحمول ولا حسابك على تويتر وإنستغرام، بل صار هو من يملكك؛ لأن جهاز الأندرويد يعرف أين ذهبت من خرائط غوغل، وحسابك في إنستغرام يعرف الصور التي التقطتها ومن هم أصدقاؤك، وحسابك على فيس بوك يعرف أي الصفحات تفضل ويسجل آراءك السياسية وتفضيلاتك حتى في المطاعم، وحسابك على تويتر يعرف حالتك المزاجية، وحسابك على لنكدإن يعرف تاريخك الوظيفي، وحسابك على «جي ميل» يعرف مراسلاتك السرية، وصفحتك على غوغل تعرف عن أي الأشياء تبحث وماذا تخبئ، وحسابك على غوغل درايف يملك مستنداتك السرية، وهاتفك يملك قائمة اتصالاتك، بل إن بعض تطبيقات الهاتف تقيس حالتك الصحية، وحتى متصفحك على كمبيوترك الخاص يعرف كل ما تفعله على كمبيوترك، وأنت لا تستطيع الفكاك من كل هذا، لا تستطيع التخلي عن هاتفك لساعة واحدة، فماذا يملك إذن من يملك كل هذا؟ يملكك.
الكمبيوتر الذي كان مرسومًا على غلاف المجلة الأمريكية نهاية ٢٠٠٦، لم يلبث أن تعددت شاشاته، ليصبح «لاب توب»، و«تابلت»، و«تليفون محمول»، و«جهاز ألعاب أون لاين»، و«تليفزيون متصل بالإنترنت»، وأخيرًا «غوغل غلاس»، وما زلنا في انتظار «غير ووتش»، وغيرها ممن يجمع كل حركات وسكنات من يستخدمها.
لم يعد من يستخدم هذا الكمبيوتر هو شخصية العام، بعد أن سقط في عبودية زمن المعلومات، وأصبح مجرد رقم في منظومة كبيرة، تتعامل مع الملايين، تجمع البيانات، وتحلل، تقوم بعمل الجواسيس القدامى، لكن هذه المرة من مكان بعيد، من خلف الكمبيوتر الضخم، حيث الصوت العميق القادم من «الأخ الكبير»، الآمر الناهي الساخر العالم ببواطن الأمور، المفتوحة عيناه على اتساعهما، شخصية العام، وكل عام.