الفاعل المستتر!
كانت «ريما» صائبة في تفكيرها … فقد كان هذا ما يقصده «أحمد» وفهمه «بيتر».
فرغم أنه كان يقصد الاطمئنان على الديسك … إلا أنه أيضًا كان يوجه انتباه رجال العصابة عن منزل «بيتر» … فالديسك لا يزال بالمنزل كما فهم «أحمد» … ولكن بمكان ما، لم ولن يصل إليه رجال العصابة … لأن إخفاء ديسك ليس صعبًا … أما لماذا شبَّهَه بالقمر … فهذا لأن القمر عندما يترك مداره … فإنه لا يبتعد عنه ما دام لم يهبط على الأرض بعد.
وبالطبع هو يقصد هنا القمر الصناعي.
وقضى الشياطين ليلتهم في إعداد ملف العملية … وتحديد مَن سيسافر منهم فيها.
وفي صباح اليوم التالي قاموا بالاتصال برقم «صفر» … وعرضوا عليه الخطة … فطلب منهم الانتظار حتى المساء وسيعطيهم رأيه كاملًا.
وكانوا يعرفون أن قرار السفر نهائي … فقضوا اليوم في إعداد أنفسهم له.
وفي الثامنة مساء … اتصل بهم رقم «صفر» وأبلغهم أنه قام بتعديل في خطة العمل الخارجي … أما بقية التقرير … فهو موافق عليه.
وطلب منهم سرعة تجهيز أنفسهم … فميعاد السفر هو الغد في الصباح الباكر كما حدَّدوه هم.
وقبل ميعاد نومهم بدقائق اتصل بهم «بيتر» على الشبكة وأخبرهم أن رجال البوليس حضروا إلى منزله دون أن يبلغهم … وأنهم تحدثوا معه كثيرًا … وقاموا بمعاينة الشقة كلها بدقة وكأنهم كانوا يبحثون عن شيء.
وارتاب «أحمد» فيما حدث، فقال له يسأله: هل رأيت بطاقاتهم الشخصية؟
بيتر: نعم … ولكنك تعرف أنه من السهل تزويرها.
أحمد: أي إنك تشك في أنهم من رجال البوليس؟
بيتر: نعم.
أحمد: إذَن رجال المخابرات ما زالوا يشعرون أن الديسك عندك؟
بيتر: كان من الممكن أن يقتلوني وينتهي الأمر.
أحمد: لا يمكنهم فعل ذلك إلا بعد الحصول على الديسك.
بيتر: معك حق.
أحمد: لا تخشَ شيئًا، فالشمس سوف تشرق غدًا.
بيتر: أهلًا بكم.
وبمجرد أن انتهى لقاء «بيتر» … خلد «أحمد» إلى النوم … ولم يستيقظ إلا في السادسة صباحًا.
وفي السادسة والنصف كانت غرفة الطعام تستقبل الشياطين جميعًا وبينهم الفريق المسافر.
وفي السابعة إلا الربع … خرجت سيارات الشياطين من المقر الفرعي بالهرم … قاصدة ميدان الرماية … ومنه إلى الطريق الدائري … إلى كوبري ٦ أكتوبر.
وفي تمام السابعة والربع … كان مكتب شركة «مصر للطيران» يستقبل الشياطين الخمسة في صالة السفر … فحصلوا منه على جوازات سفرهم … وبها تأشيرة دخولهم «إنجلترا» … ومرفقًا بها تذاكر السفر.
واصطحبهم مندوب من أمن المطار إلى مهبط الطائرات … حيث كان ينتظرهم أتوبيس الشركة … الذي حملهم إلى سلم الطائرة … فصعدوه قفزًا في خفة ونشاط … وخلال خمس دقائق كانوا قد استقروا على مقاعدهم.
ولم تمضِ خمس دقائق أخرى … إلا وسمعوا صوت قائد الطائرة يحييهم … ويطلب منهم ربط الأحزمة … ويتمنَّى لهم رحلة سعيدة.
وهدرت المحركات … وعلا هديرها … وتحركت الطائرة على الممر … وازدادت سرعتها تدريجيًّا … إلى أن مالت إلى أعلى … وشقَّت طريقها إلى السحاب.
وعندما استوت فوق المجال الجوي المصري … ظهرت صحراء «مصر» لأعين الشياطين فقال «أحمد» الذي كان جالسًا بجوار «إلهام»: أترين يا «إلهام» هذه الصحراء؟
إلهام: إنها تبدو وكأنها كل أرض مصر.
أحمد: أتصدقين أن كل هذه الصحراء منذ آلاف السنين كانت جنَّات خضراء وغابات ومستنقعات؟
إلهام: نعم … وعندما عمَّ الجفاف هذه المنطقة وندرت الأمطار … ارتحل أهلها للعيش حول مجرى النيل.
أحمد: ومن يومها والإنسان المصري ملازم للنيل ولم يبرحه.
إلهام: ولم يفكِّر في تخضير الصحراء إلا في هذه الأيام.
وكان «عثمان» يجلس خلفهما منصتًا لما يقولانه … فعقَّب قائلًا ﻟ «أحمد»: أتصدق أنهم يبنون سدودًا حول منبع النهر بمساعدة مَن لا يحبون لنا الخير؟
أحمد: ولكن لا تصدق أننا سنسمح لأحد … ولو كانت أعظم دولة على الأرض … أن يمس شريان الحياة على أرض وادي النيل سواء في «مصر» أو في «السودان» … أو في أي قطر عربي.
كانت «إلهام» تتابع حديثهما الحماسي بشغف وفرحة … وما إن انتهيا حتى سألته قائلة: تُرى ما سبب إسقاط الطائرة «البوينج» في المحيط يا «أحمد»؟
أحمد: وما سبب اختطاف الطائرة المصرية في «تركيا» بقلم جاف؟
فقال: «بو عمير» مندهشًا … وقد كان يجلس بجوار «عثمان»: قلم جاف؟
أحمد: نعم … بعد القبض على المختطف وتفتيشه لم يجدوا معه أسلحة … وصرح بأنه هدَّد قائد الطائرة بقلم جاف.
عثمان: وأين كان أمن الطائرة؟
أحمد: لديهم قلم يدافعون به عن أنفسهم.
ضحك الشياطين … فمالت عليهم «زبيدة» التي كانت تجلس بالصف المجاور لهم وقالت: من الممكن أن يكون هناك قصور كما في كل مكان في العالم … ولكن هذا لا ينفي أننا لا نسافر إلا على طائرات الشركة … فنحن لا نحس بالأمان إلا معها.
أحمد: لهذا … فنحن جميعًا نشعر أن سقوط «البوينج ۷٦۷» على سواحل أمريكا، وراءه فاعل مستتر.
ولم يكَد يُكمل جملته إلا وسمع مَن يقول له: مَن ذلك الفاعل؟
ونظر إلى مصدر الصوت … فوجد المضيفة تدفع عربة المشروبات … فقال لها: ألم أقُل إنه مُستتر؟
فقالت المضيفة بصوت هامس: لم يعُد مستترًا.
فأطال لها «أحمد» النظر مندهشًا وهي تقدِّم له الشاي … ولم يشعر إلا ﺑ «إلهام» وهي تدفعه في ذراعه فالتفتَ إليها … فقالت له: إنها زميلتنا.