الصديقان

المنظر: مكتب أنيق يليق بمدير أو رئيس مجلس إدارة شركة أو مصلحة حكومية. فاخر ووثير، في الخلف باب مكتوب عليه «المعمل»، وإلى اليمين باب يؤدي إلى السكرتير والشارع، وإلى أقصى اليسار شُرفة ضخمة نَلمح منها مآذن القاهرة وقِمَم البيوت العالية وسماءً صافية.
الزمن: الحاضر.
الشخصيات:  
  • عبده: في الأربعين تقريبًا.
  • فتحي: نفس العمر.
  • منى: في الثلاثين.

عندما يُفتح الستار نرى عبده جالسًا إلى مكتبه، ثم ينهض بعصبية ظاهرة وخطوات آلية ويتجوَّل في الغرفة، يُعيد ترتيب بعض الزجاجات على الرفوف في دولاب أدوية واضح، يُخرج زجاجة ويتأملها ثم يضعها على حافة المكتب. يُخرج دورقًا فيه عصير ليمون ومحكم الإغلاق. يفتحه ويضعه على صينية ويُخرج كوبًا واحدًا يضعه إلى جواره ثم يضع الصينية بما عليها على رفٍّ قريب. يزيل بطاقةً من الدورق ويبتعد ليُلقي نظرةً على الصينية ثم يعود إلى المكتب فيدقُّ جرسًا ولكنه لا يتلقَّى إجابة. يُدير قرص التليفون ويسمع، ولكنه يُعيد السماعة في ضِيق. يضرب رقمًا آخَر ويُعيد السماعة … لا رد … فجأةً يقرِّر إعادة الزجاجة إلى مكانها في الدولاب … ثم يسمع أصوات إغلاق باب، فيجري إلى جهاز التخاطُب الداخلي مع السكرتارية ويضغط زرًّا ويبدأ الحديث.

عبده (في لهجة عصبية وبتعنيف) : حمد الله بالسلامة يا هانم! الساعة بقت حداشر! دي مواعيد عمل دي ولا مواعيد غرامية؟ (يسمع همهمة في الجهاز) مفهوم مفهوم! كل يوم فيه عذر جديد … مش مهم … اسمعي … الغي كل مواعيد النهارده … كلها … أيوه! ما حدش يهوِّب ناحية المكتب ولا المعمل، فاهمة؟! أول ما تيجي المدام خليها تخش على طول … والدكتور … آ… نسيت أقول لك الدكتور فتحي عبد ربه … (يسمع همهمة في الجهاز) هو ميعادهم فات في الحقيقة، بس كل حاجة تانية تتأجل، وقبل ما تمشي اديني خبر.

(يغلق الجهاز ويسير في الغرفة في قلق، ثم يتجه إلى الشرفة ويتأمل إحدى النباتات.)

كل حاجة ممكن تتأجل النهارده … عشر سنين؟ حداشر سنة؟ حداشر؟ (ينظر إلى الساعة) الساعة بقت حداشر صحيح! يا ترى إيه اللي حصل؟

(يفتح الجريدة ثم يغلقها ويضعها على المنضدة وفجأةً تدخل منى.)

منى (داخلة في عجلة) : خير يا عبده؟
عبده : أهلًا منى … اتفضلي!
منى : هيه … إيه الموضوع الهام والخطير اللي عايزني فيه؟
عبده : مفاجأة!
منى : موش فاهمة!
عبده : موش فاهمة إيه؟ مفاجأة بقول لك.
منى (بنفاد صبر) : واحنا فيه في حياتنا مفاجآت؟ أرجوك يا عبده اتكلم!
عبده : منى! انتي بقى لك قد إيه ما جيتيش المكتب؟
منى : يووه! (تزفر في ضِيق) وده وقته برضه؟
عبده : من يوم ما اتجوزنا؟
منى : لا، جيت بعد كده!
عبده : مرة أو مرتين.
منى : كتير.
عبده : لا، انتي استقلتي من يوم ما اتجوزنا ومن يوميها موش عاجبك المكتب ولا المعمل.
منى (في رقة) : أرجوك يا عبده … أنا مش فاضية … أرجوك!
عبده : المفاجأة اللي عندي بقى … من بتوع زمان.
منى (تبدو عليها السعادة والدهشة) : صحيح؟
عبده : صدقيني!
منى (تفكر وتقول بهمس ودلال) : ألماظ؟
عبده : أغلى وأحسن!
منى : حتكون إيه؟ غُلب حماري.
عبده : أخطر وأهم خبر سمعتيه في حياتك!
منى (في دلال شديد) : خاص بالبيت؟ فيلَّا في …
عبده (مقاطعًا وهو يهرع إلى الدولاب) : شوفي (يتردد ويقف) انتي صحيح مستعدة للمفاجأة؟
منى : عبده كفاية بقى … (في دلال) دوختني!
عبده : تقدري تستحملي؟
منى : أغمَّض عيني؟!
عبده : ما فيش داعي! اتفضلي يا ستي! (في تؤدة كمَن يُفضي بأهم خبر في القرن العشرين) الدوا الجديد نجح!
منى (في ذهول) : أفندم!
عبده : الدوا الجديد … بتاع الدم اللي كلمتك عليه.
منى (منفجرة) : انت جايبني هنا، وخليتني أطُخ المشوار ده كله، وألغي تلات مواعيد مهمة، عشان تكلمني عن دوا؟ انت فاكرني منى بتاعة زمان يا سي عبده؟ ما عندكش تقدير؟ ما فيش نظر؟
عبده (يقدِّم إليها الزجاجة) : أهه … شوفي!
منى : انت اتجننت يا عبده؟ (فجأةً تتبين أنه مرهق وأنه في وضع جدير بالشفقة، تلين وتتغير لهجتها إلى رقة) يا حبيبي يا مسكين! أنا مقدرة تعبك وسهر الليالي، معلهش … حصل خير … خد (تُعطيه قرصًا من حقيبة يدها) خد ده … حيهديك شوية.
عبده (في لهجة استسلام ويأس) : الدوا ده حيبدأ صفحة جديدة في تاريخ الطب، كنت عايزك تكوني أول واحدة تشوف التركيبة بتاعته (في يأس) زي زمان!
منى (تنظر في الساعة) : أنا اتأخرت قوي يا عبده.
عبده : أرجوكي استني شوية!
منى : انت عارف مشاغلي كويس.
عبده : معلهش … (يبتعد ويقول في لهجة ماكرة وهو يرمقها بطرف عينه) هو فتحي زمانه جاي.
منى : فتحي مين؟
عبده : وهو احنا عندنا كام فتحي؟
منى (في اضطراب) : الدكتور؟
وإيه اللي حيجيبه دلوقت؟ هو … هو … مش عايش بره؟!
عبده : بعت له مخصوص عشان ييجي، وصل امبارح باليل وزمانه جاي دلوقت.
منى : ليه؟ قصدي ليه لأ … قصدي جاي لوحده ولَّا …؟ (صمت.)

(منى يتغير سلوكها إلى عصبية ظاهرة ويتهدَّج صوتها ويبدو بوضوح أنها بالغة الاضطراب.)

عبده : عندك مانع؟
منى (بعصبية ظاهرة) : وما قلتليش ليه قبل كده؟ امبارح … أول امبارح!
عبده : أديني قلتلك، ممكن تتفضلي بقى!
منى : أتفضل إيه؟
عبده (في مكر) : قصدي إن كنتي عايزة تمشي يعني!
منى (تمثِّل الرقة ولكن سلوكها لا يزال عصبيًّا) : أمشي؟ أمشي فين؟ (تبتسم) إنت موش كنت حاتكلمني عن الدوا؟
عبده (فاهمًا أنها تريد الانتظار لترى فتحي) : يا منى يا حبيبتي!
منى : اتكلم!
عبده : أبدًا، زي مانتي عارفة … التركيبة الأساسية ما اتغيرتش … نفس تركيبة السم القديمة، السم اللي …
منى (صارخة) : كفاية … عارفة!
عبده : لكن أنا بقى أضفت عامل الزمن، أضفت مواد بتتفاعل مع السم وتحوله لعلاج بعد فتره زمنية معيَّنة.
منى (كأنما لنفسها) : هو فتحي جاي إمتى؟
عبده (مستمرًّا) : وده اللي ما خطرش لفتحي أبدًا …
منى : لازم نزل في لوكاندة بقى بعد ما باع البيت!
عبده : أمنيتي الوحيدة دلوقت إني أشوف وش فتحي لما يقرا التركيبة، أبص في عينيه وانسى الدنيا كلها. منى … منى يا حبيبتي أنا عشت السنين دي كلها في عذاب … عذاب طويل وعميق … كنت باشوف نفسي مجرد منفذ … واحد بينفذ أفكار فتحي … معادلاته وتركيباته واختراعاته … عمري ما قدرت أركب تركيبة خاصة بي أنا … تركيبة تُنشر في المجلات العلمية وتحتها اسم الدكتور عبده عبد الباسط … تركيبة مستحيل يكون فكَّر فيها حد!

(فترة صمت.)

تفتكري حينهار لما يشوفها؟ ولَّا حيفرح ويطير م الفرح؟ (مغيِّرًا اللهجة) فتحي كان رأيه إن عنصر الزمن يَصعب تخطيه … وقال لي في سويسرا فاكرة يا مني؟ قبل ما نتجوز! قال لي إن أمنيته يعمل حاجة تتعارض فيها الأزمنة. فاكرة رحلتنا لشركة سيبا والأيام الحلوة اللي قضيناها بين الجبال والبحيرات؟

(صمت.)

خلاص، الحلم انتهى، القزازة أهي، إديني لحظة واحدة وانا أوريكي ازاي وصلت للمعادلة.

(يخرج من الباب الخلفي «المعمل».)

منى : دا كابوس موش حلم! فتحي يرجع مصر؟ ليه؟ عشان الدوا صحيح؟ يا ترى كبر قوي وشعره ابيض؟ لسه محتفظ باﻟ… باﻟ…؟ قطعًا! فتحي بيحاسب على نفسه ومنظم حياته كويس. (تضحك) عشر سنين! كبرنا وعقلنا! عنصر الزمن! أما نُكتة!

(تتحسس وجهها في خوف ثم تُخرج مرآة تنظر فيها وتضع بعض المساحيق سريعًا.)

لأ مش نُكتة! لأ … موش هزار.

(يدخل فتحي من أقصى اليمين.)

(تتسمر في مكانها حين تراه.)

منى : فتحي!
فتحي (بهدوء) : إزيك يا منى؟!
منى : فتحي … حمد الله بالسلامة!
فتحي : الله يسلمك … فين عبده؟!
منى (في حرج شديد) : إزي الصحة؟
فتحي : الحمد لله، هو عبده موش هنا؟
منى (في نفس الحرج) : أهلًا وسهلًا … كلنا كويسين … انت … انت جيت لوحدك؟
فتحي : في الحقيقة … آ…
منى : أصلها مفاجأة يعني.
فتحي : انتي ما كنتيش عارفة إني جاي دلوقت؟
منى : آه … لأ!
فتحي : أنا كنت متصور إن عبده قال لك، وبصراحة كنت منتظر أشوفك النهارده (مترددًا) بس موش دلوقت يمكن.
منى : ما كنتش عايز تشوفني؟
فتحي : انتي عارفة اني كنت عايز!
منى : عشر سنين ولا جواب ولا تليفون ولا …؟
فتحي : إزاي بقى؟
منى : لي أقصد!
فتحي : أنا دايمًا أكتب واتكلم … اسألي عبده!
منى (في حيرة) : كنت بتكتب صحيح؟ والجوابات كات بتضيع مثلًا؟
فتحي : يمكن … بس كان عبده بيرد عليَّ!
منى : موش ممكن، أنا باشوف كل جواباته … لا لا لا، إنت كذاب (في دلال) موش ممكن تكون لسه فاكرني بعد السنين دي كلها، ع العموم الجوابات موش مهمة … تكتب ما تكتبش موش مهم!
المهم انك قدامي دلوقت (في حيرة) وانا … بعد السنين دي كلها.
فتحي (يحس بالحرج فيحاول تغيير الحديث) : هو عبده راح فين؟
منى : هنا.
فتحي : هنا فين؟
منى : ما اعرفش، أجيب لك لمون؟ طول عمرك تحب اللمون!
فتحي (يضحك) : انتي فاكرة؟
منى : أهه … في الدولاب، زي ما يكون حد محضره مخصوص، عصير طبيعي وحتة سكر واحدة!
فتحي : ما تتعبيش نفسك.
منى : دا جاهز!

(تُقدِّم له شراب الليمون.)

فتحي : مِرْسي قوي … طعمه بقى غريب عليَّ!
منى : مُر شوية، ما بقتش تحبه؟
فتحي (يشرب) : بالعكس! ما بقيتش ألاقيه!
منى : ما فيش لمون في بلاد برَّة؟
فتحي : فيه طبعًا كتير، بس أصله زي ما تقولي بيفكرني بحاجات بحاول أنساها.
منى (في سعادة وترقب) : بيفكرك بإيه؟
فتحي : ما لوش لزوم بقى!
منى (تقترب منه وتركز على وجهه) : نسيتني خلاص يا فتحي؟
فتحي (في إحراج شديد) : منى، أرجوكي!
منى : كانت سحابة صيف وراحت؟! صيف ورا صيف ورا صيف ورا صيف … عشر سنين! (مستغرقة في نفس الإحساس) إزاي الواحد ممكن يفوق فجأة ما يلاقيش الحلم بتاعه؟ يلاقيه انتهى … هرب!
فتحي : ما كنش حلم يا منى!
منى (في إثارة) : كان حقيقة يا فتحي؟! كنت بتحبني صحيح؟
فتحي : «كنت؟»
منى : كنت ولسه، وحتفضل على طول تحبني، قول … قول لي يا فتحي!
فتحي (في حرج رهيب) : لزومه إيه بس يا منى؟ إحنا …
منى : لا، ما كبرناش، لسه صغيرين، ولسه بنمشي ع النيل ولسه بنشرب لمون … (فجأة) فتحي حبيبي … ليه سبتنا السنين دي كلها؟
فتحي : موش أنا اللي سبتكو.
منى : انت هربت!
فتحي : موش انا اللي هربت!
منى : انت هاجرت.
فتحي : انتي اتجوزتي عبده … اللي بيحبك … وبتحبيه.

(صمت، تدور حول نفسها ثم تقف بعيدًا عنه ثم تخفض بصرها وتهمس.)

منى : دا صحيح!
فتحي : عشر سنين، عشر سنين بينا … بحر واسع كبير.
منى : وفي لحظة بقينا سوا … (في انفعال مفاجئ) فتحي … ما تسيبناش، إحنا بنحبك وعايزينك. فتحي … إحنا …
فتحي (مقاطعًا) : إحنا؟ إنتو مين؟ إنتي يا منى؟ ولَّا انتو؟ أنا كمان يا منى بحبكم، باعبدكم! قبل ما حبيتك يا منى حبيت عبده … حبيته صحيح … علاقتنا ما كانتش صداقة وما كانش ممكن تبقى صداقة … الصداقة دي حجة البليد … (يضحك) حجة اللي ما يقدرش يحب!
منى : عارفة اللي بينكو.
فتحي : موش ممكن … وعمرك ما حتعرفي … إحنا لما حبينا بعض حُبنا كان نبع صافي، نور ماعرفش بييجي منين ولا بيروح فين، شمس كبيرة بتنور الكون كله، ووسط الشمس دي … في المركز بالضبط كان عبده!
منى : إنت بتقول الكلام ده ليه؟
فتحي (يهدأ) : صحيح! مالوش لزوم!

(يتجول في المكتب، يرى الجرس، يعبث بالأوراق، ثم يعود لمواجهتها فيرى في عينَيها نظرات دهشة، كأنما لم تكن تتوقع منه الانفعال. يجلس ثم يقف، ثم يركِّز نظره عليها، ويواجهها في دفء.)

منى : أنا زعلتك يا فتحي؟
فتحي : موش ممكن … إنتي صغيرة يا منى، كان نفسي تعرفي الكلام ده من زمان … كان نفسي تفهمي إنك يوم ما حبيتيني كنتي بتحبي فيَّ عبده … عبده اللي عايش جواي!
منى : أنا حبيتك انت يا فتحي!
فتحي (كريشندو) : في اللحظة اللي حبتيني فيها كان عبده جواي، عايش جواي وما اقدرش اتخلص منه … (حائرًا) أشرح لك ازاي؟ ليه موش عايزة تفهميني؟
منى : ليه انت موش عايز تفهمني؟ (انفعال شديد) أنا حبيتك انت يا فتحي! صدقني … اتعذبت وسهرت وانهرت وكنت حانتحر عشانك … كنت باشوف الدنيا بعينيك … باقرا بلسانك … بافكر بعقلك، كنت الحياة بالنسبة لي (تبكي) ولسه زي زمان.
فتحي : عشان خاطري ما تعيطيش … امسحي دموعك! (يربت على كتفها ويمسح دموعها) أنا كنت زيك بالضبط … كنت فاكر إن حُبنا عالَم كبير … عالَم مستقل من النور والأمل … لحد اليوم اياه، يمكن ما انتيش فاكراه، لكن دي الحقيقة … يوم ما طلعنا الجبل في سويسرا … فاكرة يا منى؟
منى (في ذهول) : فاكرة يا فتحي.
فتحي : اعترفتي لي بحبك يومها … ومشينا احنا التلاتة بعد الغروب زي ما نكون ماشيين في السحاب، وفجأة التفت ولقيت الدموع في عينيكي، ماكَنِتْش دموع فرح ولا كانت دموع حزن … كانت دموع طبيعية صافية زي دموع السما من حوالينا، كنتي خايفة على عبده وماسكة في دراعه زي ما يكون أمل حيضيع منك … كنتي بتحضنيه وانتي موش دارية … كان فيه حاجة جواكي بتقول إن عبده هو ابني الصغير اللي محتاج لي … وموش ممكن أبتعد عنه … كان قلبك بيتلوَّى م الخوف … وفجأة … بصيتي للسفح البعيد وارتعشتْ إيديكي وكل جسمك.

(صمت.)

لا … ماكُنتيش خايفة م السفح ولا الوادي ولا الضلمة … كنتي خايفة م اللحظة المحتومة … اللحظة اللي ممكن تبعدك عن عبده!

(صمت.)

ساعتها … زي ما تكون السحابة اللي مشيت عليها وعشت فيها راحت عن عيني … بصيت لك وعرفت انك طول الوقت كنتي بتحبي عبده … عبده اللي أنا شايله جواي، ولمَّا شُفتيه كان فات الأوان واعترفتيلي أنا بحبك … وساعتها كمان قررت ما اضحِّيش بعبده وبيكي عشان سعادة وهمية … لكن فضلت أحبك!
منى : ولسه بتحبني؟
فتحي : عشان بحب عبده.
منى : وانا؟
فتحي : المشكلة يا منى إنه كان لازم عبده يحبك لإني حبيتك، وكان لازم تحبيني انتي لأنك بتحبي عبده!
منى : إنت بتقول ألغاز.
فتحي : وعشان كده قررت أكسر الدايرة اللعينة اللي جمعتنا واهاجر.
منى : لكن أنا بحبك يا فتحي … صدقني … بحبك صحيح!
فتحي : وعبده؟
منى : ما له عبده؟
فتحي : عبده اللي جواي!
منى : عارفة … (في ثقةٍ وتحدٍّ) عارفة كل حاجة … وما فيش داعي تعمل مسرحية كبيرة عريضة من عبده … لانتو أول أصدقاء بيحبوا بعض ولا آخِر أصدقاء حيحبوا بعض … (في دفء) وتأكَّدْ إن عمري ما صدقت الكلام اللي كان بيتقال عنكو في الشركة … طول عمري واثقة انه ما فيش حاجة بينكو.
فتحي (ينخرط في الضحك) : حلوة ما فيش حاجة دي! علاقة غير طبيعية يعني؟ طبعًا لا! ومع ذلك فبرضه علاقتنا غير طبيعية! يا ريت تقدري تسمعيني ولو مرة يا منى … أنا وعبده عمرنا ما افترقنا عن بعض … من الابتدائي للجامعة … حتى بعد التخرُّج كان لازم نشتغل في حتة واحدة … في شركة أدوية واحدة ومعمل أبحاث واحد … ما كانش ممكن ننفصل! ما فيش فكرة خطرت لي إلَّا وكانت مهرجان من السعادة عندي وعنده … ما فيش معادلة جديدة ولا تركيبة عبقرية إلا عِشناها سوا واحتفلنا بيها أيام وليالي.
منى : فاهمة يا فتحي!
فتحي : موش ممكن … أنا نفسي مش فاهم العلاقة لحد الوقت … لكن يوم ماجات البعثة (في حماس ورهبة) كنا زي ما نكون دخلنا معبد يوناني قديم … صالة كبيرة طولها كيلو … وعرضها كيلو … وسقفها عالي للسما. والهمسة فيها لها صدى مخيف … حسيت بوحشة وارتباك … التفت حولي ما لقيتش عبده.
منى : اتخلَّى عنك؟
فتحي : كان المرشح الأول للبعثة، وأصر إنه يتنازل لي … القوانين واللوايح والدنيا كلها كات ضده … فِضل يحارب لحد ما نجح.
منى : «نجح» بتقول؟
فتحي : نجح في إنه يخليني أنا أنجح … شاف نجاحي ونجاحه فيَّ، ضحَّى بالبعثة عشاني أنا!
منى : ومع ذلك أول ما رجعت م البعثة … هاجرت!
فتحي (يضحك) : انتي عارفة ان الوظيفة بره كات جاية له هو؟
منى : ضحَّى بيها كمان عشانك؟
فتحي : كافح كفاح المستميت عشان يخليني أنا أسافر!

(صمت.)

منى : موش عارفة دا ممكن يغير إيه في الموضوع!
فتحي : ما فيش حاجة لازم تتغير (في هدوء تام) أنا سعيد اللي قلتلك الكلام ده دلوقت يا منى … مين عارف بكرة مخبي لنا إيه! حُبنا ما كانش حلم … بس فيه حقايق زي الأحلام.
منى : ولازم ننساها؟
فتحي : ما اعرفش!
منى : لازم أنسى أنا … زي انت ما نسيت؟
فتحي : لازم تحاولي!
منى (ثائرة) : كداب … كداب … كداب … إنت عمرك ما نسيت منى! وعمرك ما حتنساها!

(تهجم عليه وتضربه بقبضتها في دلال ثم تحتضنه وتُقبِّله قُبلة طويلة يشاركها فيها أول الأمر، ثم … أثناء مسح دموعها، يدخل عبده من الخلف.)

عبده (متجاهلًا ما يرى) : فتحي حبيبي! إزيك يا راجل … وصلت إمتى؟
فتحي : عبده حبيبي!
عبده : إيه التأخير ده يا عم؟ أنا باستناك م الصبح!
فتحي : لا أبدًا … دنا (في حرج) أنا أصلي …
عبده : طبعا ياعم لازم تزور زوزو ومجدي وكل الحبايب.
فتحي (نفس الحرج) : بالعكس … دنا …
عبده : الله! انت ماحدش قدِّم لك حاجة ولَّا إيه؟
فتحي : مِرْسِي قوي … شربت لمون!
عبده : تحب حاجة تانية؟
منى (تتظاهر بأن شيئًا لم يحدث) : أنا قدمت له اللمون اللي في الدورق!
عبده (ينتبه إلى وجودها) : انتي لسه هنا يا منى؟
منى (تنظر إليهما في غضب ثم تتجه إلى باب الخروج وتخرج) : باي باي!
عبده : ودلوقت بقى أوريك الانتصار الكبير … حضَّرْت عشر قزايز على الأقل.
فتحي : طول عمرك سريع!
عبده : الأهم من ده التركيبة!
فتحي : وطول عمرك عفريت في الرياضة!
عبده : قول لي الأول … أخبار بلاد بره إيه؟ عادل كويس وسُها؟ ياترى استريحت هناك؟
فتحي : الحمد لله … كلنا كويسين!
عبده : والشركة؟ لازم منغنغينك ياعم!
فتحي : يعني … ماشية!
عبده : ماشية بس؟ دي لازم بتجري (يضحك).
فتحي : دا الدوا اللي قلتلي عليه في آخِر جواب؟
عبده (فجأةً يفقد الحماس ويفتر عزمه، ويبتعد، ينظر إلى فتحي، يضع يدَيه حول رأسه ثم يتقدم من فتحي في تردُّد قبل أن يتكلم) : شوف يا فتحي … اسمع، الحكاية موش حكاية دوا.
فتحي (في حيرة) : موش فاهم!
عبده (صارخًا) : حتفهم ازاي بس؟!
فتحي : سلامتك يا عبده، انت كويس؟!

(صمت مشوب بتوتُّر رهيب يدور أثناءه عبده على المسرح كأنه هو ثور مربوط في ساقية، ثم يقف فجأةً أمام فتحي كأنما لينازله.)

عبده : أنا بَعَت لك تيجي عشان أقتلك!

(صمت.)

فتحي : عشان إيه؟!
عبده (في تُؤدة وتأنٍّ) : عشان أضع حد للعلاقة الغريبة دي اللي استمرت سنين وسنين … ومش ممكن تستمر بعد كده … واحد مننا لازم يموت!
فتحي (مضطربًا بعض الشيء) : أؤكد لك انِّي عمري ما خنتك مع منى … الموضوع وما فيه …
عبده : أنا مابتكلمش على منى.
فتحي : من ناحيتي أنا …
عبده : ما تقاطعنيش أرجوك.
فتحي : انت أعصابك …
عبده : أعصابي كويسة … أرجوك اسمعني … الكلام اللي بقوله لك فكرت فيه أيام وشهور وسنين … إحنا أصدقاء من إمتى … تقدر تقول لي؟
فتحي : طول عمرنا.
عبده : أصدقاء؟
فتحي : حبايب.
عبده : أكتر من حبايب؟
فتحي : يعني إيه؟
عبده : يعني حبايب أكتر من اللازم مثلًا؟
فتحي : إزاي بقى؟
عبده : يعني (صمت) أعداء؟
فتحي : لا لا لا … عبده … إنت قطعًا موش طبيعي النهارده.
عبده (في هدوء غير متوقع كأنما هو استسلام للقدر) : أنا عمري ما كنت طبيعي زي النهارده … عمري ما قدرت أتحكم في أعصابي واتمالك نفسي زي النهارده.
فتحي : تتمالك نفسك على إيه؟ المسألة فيها سوء تفاهم … مُنى كانت بتعيط وانا …
عبده : عارف … سمعت اللي قلتوه.
فتحي : سمعت؟
عبده : وشفت.
فتحي : أنا أؤكد لك …
عبده : وأنا مصدقك … منى دي مسألة جانبية … عَرَض من أعراض المرض … موش المرض نفسه.
فتحي : مرض إيه يا عبده؟ انت بتقول إيه بس؟
عبده : المرض يا فتحي … المرض هو احنا … العلاقة اللي اندفعنا فيها بحماس أعمى … بجنون مالوش مبرر وعمره ما كان له مبرر … أرجوك … اسمعني!
فتحي : يا عبده انت بتخرف.
عبده (فجأةً) : تقدر تنكر إنك حاسس بالذنب من ناحيتي؟
فتحي : حاسس بالذنب إزاي؟
عبده : يعني حاسس مثلًا إني كنت أنبل منك … وانِّي ضحيت عشانك بحاجات معيَّنة ما قدرتش انت — أو ما رضتش — تديني تمن لها؟
فتحي : يا عبده إحنا حبايب … ولا يمكن بين اﻟ…
عبده : إحساسك بالذنب الحقيقي … إحساسك بإني نبيل … بإني وإني وإني … (يضحك) إحساس غير طبيعي! وما دام متصور إن المسألة خاصة بمنى أبدأ بيها. (صمت) اللحظة الوحيدة اللي حسيت بإنك نبيل وبتضحي عشاني كانت في سويسرا … تمام؟
فتحي : أنا ما ضحيتش بالمعنى المفهوم … انتو طول عمركو لبعض.
عبده : صحيح؟ خليني أفكرك، إحنا لما رحنا سويسرا كان حلمنا إيه؟ نتجوز؟ نحب؟ أبدًا … كنا عايزين نجيب عَقد توريد يثبت إننا هنا … في الشركة العربية للأدوية … نقدر ننافس بلاد بره، منى جات معانا ليه؟
فتحي : مش منى بس.
عبده : الإداريين والبنات جم معانا ليه؟ ما تقوليش لزوم الإدارة، أنا وانت وغيرنا كنا عايزينهم يتفسحوا ويغطوا على عملية العقد.
فتحي : لا لا لا … دا تزييف للحقيقة.
عبده (مستمرًّا ومتجاهلًا إياه) : ومنى بالذات جات معانا ليه؟ كنا صحيح عايزين سكرتيرة؟
فتحي : طبعًا!
عبده : فتحي حبيبي … كفاية كدب! إحنا خدناها عشان نشوف مين فينا يقدر ياكلها.
فتحي (صارخًا) : عبده! أنا ما اسمحلكش.
عبده (في خجل) : معلهش … كلمة طلعت أوت!
فتحي : أنا ما بانكرش إنه كان فيه بينا كلنا استلطاف … وفعلًا رشحناها — إلى حد ما يعني — إلى درجة معيَّنة.
عبده : جميل! وبعدين اكتشفت انها بتحبك أو انك بتحبها … حاجة كده!
فتحي : انت عارف انها كانت بتحبك انت.
عبده : موش بالضبط!
فتحي : دي الحقيقة … يوم الجبل!
عبده : يوم الجبل الجميل اللي عمال تشعر عليه كان وهم … انت عارف ليه حطت إيدها في إيدي وحضنتني واحنا نازلين؟ عارف ليه سابتك ورمت نفسها عليَّ؟ فاكر حصل إيه ليلتها؟
فتحي : فاكر … قضينا الصبحية في التلج واتغدينا في كشك الحارس والمغرب …
عبده : لا، قبل المغرب، العصر … كنا فين ساعة العصر؟
فتحي : كنا مع بعض طبعًا.
عبده : لا … أنا كنت معاها لوحدنا. (في لهجة التأكيد) لوحدنا خالص!
فتحي : مش فاكر دي.
عبده : طبعًا … لإنك نمت تلاث ساعات في أوتيل بيانكو … دي كانت البداية والنهاية، ما حسيتش بيها إلا واحنا مروحين … فكرت في اللي عملته وانكشف لي الطريق الطويل اللي قطعناه سوا … لكن … آه … ما قلتلكش عملنا إيه؟ بعد الغدا على طول شفت الحقيقة لأول مرة … عرفت انكو بتحبوا بعض حب حقيقي لا يمكن يموت … نظراتكم … كلامكم … سلوككم … كل حاجة بينكو كانت بتقول إن منى خلاص … بقت بتاعتك!
فتحي : أنا متأسف، لازم أقاطعك، لازم أوضح.
عبده : كل حاجة واضحة يا فتحي … المسألة ما كانش فيها شك … حسيت اني خلاص …

(صمت، يدور حول نفسه، ثم يقترب من مقدمة المسرح ويتحدث كأنه يخاطب نفسه.)

ما كانش إحساس بالهزيمة، ولا بالغيرة، أبدًا … كنت باحس لأول مرة في حياتي بإني ضعيف، بإني — ما تستغربش — وحيد!

(صمت.) (يتجه إلى فتحي ويركز بصره عليه.)

إحنا اشتركنا طول عمرنا في كل حاجة … عمرنا ما حسينا بإن فيه حاجة ممكن تفصل بينا … منى كانت الحاجة … الرمز … اللي خلاني أحس اني واقف لوحدي باتفرج عليكو … زي ما قلتلك … ما كانتش غيرة إطلاقًا … لا كنت غاير منها إنها حتاخدك … ولا غاير منك انك حتاخدها … لسبب بسيط … لإني كنت عارف انك موش ممكن ترتبط بيها رسمي!
فتحي : إنت برجلتني خالص يا عبده … حكاية قديمة بالشكل ده.
عبده : ومع ذلك حية في ذهني وفي قلبي … وفي حياتي! طبعًا … دي حياتي نفسها!
فتحي : وبعدين؟
عبده : خلاص.
فتحي (متردِّدًا) : كنت بتقول عملتوا إيه … يعني … بعد الضهر؟
عبده : خطبتها!
فتحي : موش معقول!
عبده (يضحك في مرارة) : سلاح جبان! لكن ما كانش عندي غيره! كنت عارف إن منى ما تقدرش تقاوم إغراء الجواز مني أو منك … (صمت) وكنت عارف انك موش ممكن تحاربني بنفس السلاح! (يضحك) إحنا عارفين بعض كويس … أكتر م اللازم يمكن!
فتحي : وافرض … افرض … (في قلق شديد) كل ده مالوش علاقة بصداقتنا!
عبده : قصدك بحبنا!
فتحي : أرجوك يا عبده … اهدا شوية!
عبده : قلت لك أنا هادي جدًّا … عملية منى دي كات مجرد زي ما تقول فتحت عيني ع الحقيقة … واحنا نازلين ع الجبل وهي حاضناني كان عندي إحساس غريب بالوحشة … نوع من الوحدة اللي بتولده الخيانة … حسيت إن بيني وبينك لأول مرة سر كبير … وادي فاتح بُقه وممكن يبلع الكون كله … لأول مرة كان فيه حاجة ما قدرش أقول لك عليها … ولأول مرة ان فيه واحدة … منى … اللي انت حبيتها وحبتك … كانت مستعدة ترميك عشان تتجوز … العلاقة اللي بينا … إحنا التلاتة كات وصلت للنقطة الحرجة … نقطة البداية والنهاية … أو بداية النهاية … وعشان كده لازم تموت يا فتحي!
فتحي (في رعب) : يا عبده كفاية الكلام ده … خلينا نرجع للدوا.
عبده : إنت ليه موش عايز تواجه الموت بشجاعة؟
فتحي : موت إيه بس اللي بتتكلم عليه بالطريقة دي؟

(ينهض ويتأمل خارج المكتب وينظر إلى الأبواب.)

عبده : اقعد استريح … أنا موش حاقتلك بسكينة ولا مسدس!
(يضحك) بالدوا!
فتحي (يضحك ضحكة صفراء ليُذهب عن نفسه الخوف) : موت معنوي؟! هاهاها!
عبده : لا … وموت جسدي كمان … اطمن … الموت المعنوي أنا مته من زمان … مته لما عشت سنين معاك ألعب دور الرفيق الذكي الشاطر وانا عارف إني في الحقيقة مجرد منفِّذ.
فتحي (يستجمع شجاعته ويقوم ليتحدث وهو يفحص مخارج المكتب بطرف عينه) : لا لا لا … اسمح لي بقى … إنت طول عمرك بارع وعبقري، وانا دايمًا … طول عمري … معجب بذكائك ومهارتك، طول عمرك … الناس عارفة وتشهد … طول عمرك … وانا (يجف حلقه).

(يسيطر عليه الرعب إلى درجة تحشرج صوته واختناقه وعدم وضوح الكلمات.)

أنا دايمًا … باتغنَّى … بأمجادك!
عبده : خلصت الخطبة؟
فتحي : خطبة إيه؟ (ينهار تمامًا) أنا … باتكلم … جد!
عبده : موش عيب إن الإنسان يكون ضعيف … موش عيب إنه ما يكونش عبقري العيب إنه يخبي ضعفه بضعف أكبر … يعني يحتمي بواحد قوي.
فتحي : قصدك … أنا؟
عبده : أنا عشت في الضعف ده سنين وسنين … عايز أصدق اني على شيء وموش قادر … لإنك انت كنت على شيء أكبر … ويوم ما خطبت منى … قررت إني أنهي الخداع ده.
فتحي (عاد إليه بعض الاطمئنان نتيجة لتغيُّر أنغام كلمات عبده) : دا كان من زمان يا عبده … من زمان قوي … (يضطر نفسه إلى الضحك) كنا عيال بقى و… وكبرنا!
عبده (مستمرًّا دون التفات إليه) : بعدتك عن طريقي بكل وسيلة ممكنة … عطيتك البعثة.
فتحي : أنا ما قدرش أنكر.
عبده : ولما رجعت كافحت عشان أبعدك تاني … ودِّيتك برَّه (ثائرًا) انت ليه موش عايز تفهم … كان لازم أقف لوحدي … كان لازم أثبت اني أقدر أعمل حاجة … (صارخًا) لوحدي! (في هدوء) ولو حاجة صغيرة!
فتحي : واديك نجحت … تركيبة الدوا نجحت … موش كده؟
عبده (في تشفٍّ) : غصب عنك!
فتحي : الحمد لله … مبروك … ألف مبروك!

(يضحك محاولًا إزالة التوتر والعودة إلى الحالة الطبيعية.)

موش توريني التركيبة بقى؟ خلينا نتكلم في المفيد أمال … يلَّا يا عبده خلينا نفرح!
عبده : سهرت ليالي … دبحت نفسي … كنت باكلم نفسي في الشارع لحد ما وصلت للدوا الجديد.
فتحي : أهو كده الكلام … مش تقول لي موت … وحياة (يضحك).
عبده (شاردًا) : موت إيه؟
فتحي : يعني! (في ذُعر) أقول لك الحق انت خوفتني فعلًا!
عبده : آ… موتك انت يعني؟!
فتحي : كان هزار … (يضحك) هزار تقيل!
عبده : لا أبدًا.
فتحي : أبدًا إزاي؟!
عبده : انت موش شربت اللمون؟
فتحي (كأنما لدغه عقرب) : اللمون اللي منى … يا نهار مش فايت!
عبده : مفعوله ياخد ساعة!
فتحي : وانا أقول طعمه غريب ليه؟!
عبده : المهم اني دلوقت أقدر أوريك التركيبة.
فتحي : يا عبده (في شبه بكاء) ما فيش حاجة مضادة؟ ما عندكش حاجة …؟
عبده : خلاص … لازم أعترف لك … العذاب بتاعي يا فتحي يا صاحبي كان لازم ينتهي، كان لازم أتخلص من وجود فتحي اللي كان راكبني زي العفريت، رحت البعثة وبرضه كنت معاي … رحت بلاد بره وبرضه وراي وقدامي وفي كل مكان … وحتى في التركيبة دي! (ينهار) ما حدش سامعنا ولازم اعترف لك … التركيبة دي … هي اللي انت عملتها بالضبط!

(صمت.)

فتحي (في ذهول) : مش فاهم!
عبده (في انهيار) : انت بتواجه إنسان مهزوم … إنسان ما قدرش ينجح بعد الكفاح … بعد الجحيم اللي عاشه سنين وسنين … ما قدرش يعمل تركيبة واحدة جديدة … وحتى التركيبة اللي عملها وخرج بيها ع الدنيا طلعت تركيبة صاحبه.
فتحي (في ذهول) : ما عدتش فاهم حاجة أبدًا.
عبده : وعشان كده لازم تبعد من طريقي … تخرج من حياتي … لازم الناس تقول دوا عبده … وتركيبة عبده … موش تنفيذ ولا بيع ولا توزيع عبده! فاهم؟ (في إصرار) يعني أنا باسرق تركيبتك … وبادَّعي إن أنا غيرتها … إن انا أضفت لها عنصر الزمن! (يضحك) وما فيش حد في الدنيا يعرف الحقيقة غيرنا … وبعد … (ينظر في ساعته) ١٥ دقيقة … ما حدش حيكون عارف الحقيقة … إلا انا بس!
فتحي (في ذهول وقد بدأت علامات الألم تظهر على وجهه) : موش ممكن، موش ممكن … دا كابوس مخيف!
عبده : كان كابوس مخيف … وما عادش … ما عادش ممكن يرجع تاني بعد النهارده … كان لازم تخرج من حياتي … ومن حياة منى … من حياتنا احنا الاتنين.
فتحي (الألم يزداد والكلمات تخرج بصعوبة) : أنا مظلوم في منى.
عبده : الموضوع ما عادش فيه ظالم ولا مظلوم … تعرف يا فتحي إن انا ومنى ما نقدرش نتكلم على حد غيرك؟! تعرف انها لما بتحلم بتنادي على فتحي؟ تعرف إني لما بابوسها بتدور من غير ما تشعر عالحسنة اللي في رقبتك انت؟!
فتحي : موش معقول … موش معقول!
عبده : طبعًا موش معقول! وعلشان كده لازم ينتهي.
(يقدم إليه ورقة) آدي التركيبة الجديدة … فاكرها؟! هي اللي حضَّرتها لي قبل ما تسافر بيومين وقلت لي موش حتنفع … (يضحك) أهي نفعت! اتفضل … اتفرج.
فتحي (يمسك الورقة بأيدٍ مرتعشة، يقرأ، يطوي الورقة ويتجه إلى عبده في ذهول ثم يضحك ضحكة صفراء هستيرية قبل أن يتحدث) : هي دي التركيبة اللي قتلتني عشانها؟
عبده : انت عارف انتصاري حجمه إيه؟ جربتها بنجاح على الفيران والكلاب … ونجحت على كل كائن حي … (في همس) وجربتها على ناس ما يعرفوش السر … ونجحت!
فتحي : الله يرحمهم!
عبده : بالعكس … دول أصحاء وزي البمب!
فتحي : ثلاثة أشهر!
عبده : إنت بتخرف تقول إيه؟
فتحي : اسمعني يا عبده لحظة! (في حماس يخالطه الألم) أنا بقى لي سنين باشتغل ع التركيبة دي نفسها … يمكن توارد خواطر … ويمكن لأننا بنفكر زي بعض (في ألم شديد) أنا حاموت بعد دقايق … لكن لازم أقول لك آخِر أبحاثي في الموضوع ده … التركيبة دي قاتلة ولا يمكن تشفي حد أبدًا.
عبده : أنا جربتها بقول لك … جربتها بنجاح!
فتحي : بس احنا مش فيران ولا قطط.
عبده : والناس؟!
فتحي : حيموتوا بعد ثلاثة أشهر.
عبده : مستحيل!
فتحي : عنصر الزمن اللي بتحكي عنه عكسي … يعني التركيبة تشفي في لحظة وتقتل على مهلها … السم اللي فيها ما بيتكونش إلا بعنصر الزمن … (صارخًا) ليه ما كتبتليش عنها؟! ليه ما قلتليش يا عبده؟!
عبده : إنت مجنون!
فتحي : اقرأ العدد ٣٢ من المجلة الطبية العربية! (منهارًا) أنا برضه قتلت ناس بيه … ويمكن حاخد جزائي النهارده! (في دفء العاطفة) أنا موش عايز أسيب لك شبح يا عبده … أرجوك … اقرأ المقال بتاعي في المجلة الطبية وعيد النظر … انت اتسرعت … اتسرعت قوي … (يعتصره الألم) مين يقدر يعرف معنى حياته ومماته؟! مين يقدر يعرف معنى حبه وكراهيته … (في ألم شديد) كل ده من الحب ولَّا …؟
عبده (ينقض عليه ويحتضنه ويُقبِّله بعنف) : من الحب، الحب … موش ممكن يكون غير حب!
فتحي : عبده … يا أعز صديق لي.
عبده : فتحي … يا أحب إنسان … يا أجمل إنسان!

(يتعانقان، تدخل منى فجأةً.)

منى : أنا خلصت مواعيدي وجيت، موش مفاجأة حلوة؟! شوف يا فتحي انت لازم تتغدي معانا النهارده.
فتحي (يتمالك نفسه) : طبعًا طبعًا.
منى : لازم تمسك فيه يا عبده … اوعى تخليه يهرب زي عوايده!
عبده (مردِّدًا في وجوم) : موش ممكن يهرب.
منى : قد إيه كنت باحلم باللحظة دي … كلنا سوا من جديد … حنخرج بعد الغدا طبعًا نروح المقطم … موش كده يا عبده؟ وعارف … عاملة لكم حتة مفاجأة لا يمكن تتصورها … موش حاقولكم عليها طبعًا! أمال هي مفاجأة ليه؟ وبعد العصر حنمشي في الجبل لوحدنا … احنا التلاتة … تمام زي سويسرا … إحنا التلاتة … نمسك إيدينا في إيدين بعض … وننزل الوادي الغويط … (تضحك) وادي الموت! أما حتة اسم! حقهم يسموه وادي الحياة! إيه رأيك يا فتحي؟

(صمت، يبدو فتحي كمَن أغفى واستغرق في نوم عميق، ينظر إليه وإليها وتنحدر الدموع على خدَّيه.)

خلاص … (تهمس لعبده) موش حنخليه يسافر المرة دي … ما فيش قوة في الأرض تقدر تفرقنا عن بعض بعد النهارده!
(ستار سريع.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤