البحيرة
المنظر: منزل مصري
مرتَّب ونظيف، الصالة تشغل وسط المسرح وحوله أبواب
وقطاعات من غرف النوم والشرفة والمطبخ، خزانة كُتب في
الخلفية ودولاب مغلق. إلى أقصى اليمين باب يؤدي إلى
الشارع.
الوقت: صباح يوم من أيام الصيف.
(عندما تُرفع الستار يدخل حنفي من
أقصى اليسار خارجًا من غرفة النوم ويصفِّر لحنًا
جادًّا. منظره سعيد رغم ملامحه الجادة. سمين وفي
الأربعين تقريبًا. يتجول بعينَيه في الشقة ويتقدم من
الأنتريه فيزيل ما يتصور أنه تراب من مسند الأريكة.
يدخل إلى المطبخ ويخرج حاملًا صينية عليها طقم شاي وكوب
واحد يضعها على مائدة في الوسط. يُحضر قلمًا وورقة
ويبدأ الحديث.)
حنفي
:
مش بطَّال … كل حاجة رجعت زي ما كانت … كانوا
فاكرينِّي كروديا (يتمطَّى) لكن أهُم خدوا درس مش
حينسوه! عشان ما حدش ييجي تاني ويلخبط لي
مشروعاتي.
(يرن جرس تليفون مكتوم
فيهرع إلى الدولاب فيفتحه ويُخرج التليفون
ويبدأ الحديث.)
ألوه … أهلًا … إزيك يا فوزي؟ لا … نقدر
نتكلم بحرية … آ… مشيوا كلهم أصلك مش واخد بالك
… دول ناس من اياهم … قرايبي صحيح لكن م النوع
اللي دايمًا أحكيلك عنه … أيوه أيوه … تصدق إن
من ساعة ما مشيوا وانا عمَّال أفكر في رواية
جديدة! عنهم طبعًا … مجموعة من الناس ما فيش
حاجة في حياتهم إلا الفلوس والجواز والعيال
واﻟ… إيه؟ أبدًا … ميراث إيه؟! دا كلهم فدانين
موزعين على ييجي خمسين نفر … ودا اللي خلاني
أتنازل لهم عن نصيبي واطرَّأهم … آه تمام … كان
لازم استعمل الحزم … طبعًا … عارف لو طاوعتهم
كان زماني النهارده في مصر أو زمانهم معاي هنا
… وساعتها يا صاحبي بقى … خلاص! أبقى انتهيت …
طبعًا … ما أنا فاهمهم … أول ما ارضى أتحرك من
بيتي وأسايرهم ألاقي نفسي رسيت من غير ما أشعر
على شط بحيرة اليأس … (يضحك) أتجوز وأخلف وأحوِّش عشان
أربِّي العيال وأقلق عليهم وانت عارف الباقي …
لأ لأ ما تخافش عليَّ. أصل مش ممكن يدمر
الإنسان إلا المرأة … إيه؟ آه … هي اللي اخترعت
بحيرة اليأس … تغري الرجل وتجذبه وتصور له حياة
زي الجنة وبعدين يلاقي نفسه عبد لها … عبد
بقولك … عايش في خيمة جميلة على شط البحيرة
وحواليه آلاف العيال واﻟ… لأ لأ … والله مش
مبالغة … (يضحك) لسه … باقول لك لسه ما شربتش
الشاي! طيب بس اديني فرصة … ساعة كده؟ ولَّا
اسمع … ما تيجي انت … آ… دلوقت … أصل مش معقول
نناقش الموضوع ع التليفون … وهو كذلك … منتظرك
… باي باي.
(يضع السماعة ويعيد
التليفون إلى مكانه، يعود إلى المنضدة.)
طب وليه ما ادخلش التجربة الأخيرة دي في
الكتاب اللي في إيدي ده، يعني ممكن … ممكن
أخليها فصل مستقل … أخلق شخصية راجل مؤمن
برسالة معيَّنة صمم على مقاطعة الجنس الآخَر …
وأبيِّن الأسباب والدوافع … واكتب عن الهنا
والسعادة اللي عايش فيها وعمله المنتظم وذكائه،
إلى آخره … واركز على الهدف اللي رسمه لحياته …
ولازم يكون طبعًا هدف عظيم … يعني مش ضروري
يكون مدرس زيي ولا حاجة … ممكن أخليه ناظر …
(يضحك)
الناظر يمكن يزعل … (جادًّا) بالعكس ممكن يفرح بتمجيد
صورته في الكتاب … وفي الحالة دي يبقى الهدف
خدمة البشرية جمعاء عن طريق التعليم … وفي وسط
العملية دي أطلَّع له واحدة من تحت الأرض تلخبط
له حياته … تقلبها رأسًا على عقب … واحدة هدفها
تودِّيه البحيرة … بس … هو كده … وهنا بقى …
يبدأ الصراع.
(يجلس ويمسك الورقة ويبدأ
في التخطيط السريع.)
ويمكن أخليها قصة منفصلة … طب النقط الأساسية
قبل ما تطير من دماغي.
(يكتب ثم يجري إلى المطبخ
فيحضر إبريق الشاي الذي يغلي ويصب الشاي ويضع
فيه السكر.)
آه … الصراع! بين هناء الزواج اللي بتمثله
المرأة وبين الحرية الحقيقية اللي ربنا عطاها
لكل إنسان … حرية الخلق والإبداع … بين هناء
…
(يرفع كوب الشاي إلى فمه
ولكنه ينزعج كأنما لسعه عقرب ويضعه
ثانيًا.)
إيه ده؟ أحمر شفايف؟ مش معقول! (يتأمل الكوب جيدًا)
أحمر شفايف ما فيهاش كلام … لكن دانا غاسل
الكبايات وماسحهم ومنشفهم بنفسي! (ينظر إلى الكوب ثانيًا
بتفحُّص) وخاصة الكوباية دي! البيت
فيه عفاريت!
(يجلس منهارًا على الكرسي
ويضع رأسه بين يدَيه ويحاول أن يلم شتات
نفسه.)
أحاول أفتكر من تاني … إيه يا حنفي اللي حصل
امبارح بالضبط؟ جم الجماعة واتغدوا … قالوا
إنهم وصلوا من مصر تعبانين وعايزين يستريحوا …
خليتهم يستريحوا هنا في الصالة وما يهوبوش
ناحية أود البيت التانية … صح! ما هم كانوا
عايزين يشمشموا هنا وهناك … عايزين يعرفوا
بالضبط أنا عايش إزاي وباعمل إيه! ناس حشريين …
وبعدين؟! آه … وبعدين شربوا الشاي وعلى الساعة
تمانية كانوا في المحطة واتوكلوا جميعًا …
والحمد لله … ما حدش جه ناحية البيت من ساعتها،
والنهارده الجمعة أجازة حاخصصه للكتابة.
(يسمع أصواتًا غريبة
من غرفة النوم.)
إيه ده؟ إيه الصوت ده؟ دا مش عفريت … دا
حرامي!
(يلتقط سكين فتح خطابات
ويتلصص ويسترق الخُطى بجوار الحائط عندما يفتح
باب غرفة النوم وتدخل هناء — في الأربعين — في
قميص نوم.)
(يشهق شهقة كبيرة
لمرآها.)
هناء
:
صباح الخير! (تتثاءب.)
(حنفي يظل مبهوتًا وفاتحًا فاه
دون حركة.)
هناء
(تتجول في الصالة بحُرية
مزعجة)
:
صباح الخير يا حنفي باقول … (تحاول أن تتمطَّى كأنما
لتنفض عن نفسها كسل النوم) الواحدة
عضمها اتكسر م الخشب.
حنفي
(مستردًّا أنفاسه)
:
ممكن أعرف حضرتك مين؟
هناء
(تضحك)
:
ما انتش عارفني صحيح؟
حنفي
(متردِّدًا)
:
الوش مش غريب عليَّ.
هناء
:
يا خبر يا حنفي! معقول تنسى أختك؟
حنفي
(صارخًا)
:
أختي؟
هناء
(ضاحكة)
:
أختك في الرضاعة!
حنفي
:
أنا ما ليش اخوات لا في الرضاعة ولا في أي
حاجة.
(محاولًا اتخاذ
موقف بالغ الحزم) انتي مين بالضبط …
وإيه الى جابك هنا وعايزة إيه مني؟ انطقي!
اتكلمي وإلَّا …
هناء
:
وإلَّا طلبت البوليس؟ اتفضل اطلبه … حتلاقي
التليفون مقفول عليه في دولاب الكتب!
حنفي
:
كدهه؟
هناء
:
انت غيرت مطرحه؟
حنفي
:
يعني بتتحديني حضرتك؟
هناء
:
أنا بحاول أساعدك؟
حنفي
:
تساعديني على إيه؟ أنا كل اللي عايز أعرفه
انتي مين وإيه اللي جابك هنا؟!
هناء
:
ما قلتلك!
حنفي
:
وأنا قلتلك ما ليش اخوات بنات!
هناء
:
يعني مُصِر انك تتحدى؟
حنفي
:
أنا عايز اعرف انتي مين! (تتحول اللهجة إلى
لِين) وأظن دا من حقي يعني.
هناء
(تعجبها اللهجة
الجديدة)
:
كلام معقول.
حنفي
:
اتفضلي!
هناء
:
عايز تعرف اسمي؟
حنفي
:
إذا كان ممكن … لو سمحتي!
هناء
:
اسمي هناء.
حنفي
:
هناء؟
هناء
:
اللي حصل!
حنفي
:
وبتقولي إنك أختي؟
هناء
:
مش مهمة دي.
حنفي
:
لا … مش مهمة ازاي؟ دي أهم حاجة … لازم أعرف
… أنا راجل ليَّا سُمعتي ومركزي وإذا كنتي أختي
صحيح يبقى لازم أعرف!
هناء
:
بس عشان السمعة والمركز؟
حنفي
:
وكمان لازم أعرف إزاي حضرتك … سعادتك …
سيادتك … دخلتي بيتي وطلعتي م الأودة
دي!
هناء
:
حاضر … مدام مصمم … المسألة بسيطة … أنا
قريبتك من بعيد … تفاصيل القرابة مزعجة وحتاخد
وقت واحنا ما عندناش وقت.
حنفي
(محاولًا الاعتراض)
:
بس انا …
هناء
(في لهجة حازمة)
:
أقدر أثبت لك كل حاجة بعدين … المهم دلوقت
أريح بالك من ناحية علاقتنا … لما الله يرحمه
رامز بك اتوفى بعتت لي أختي تلغراف عشان أحضر
عملية توزيع الميراث … (ضاحكة) وانت عارف
اللي فيها بقى.
حنفي
(في شك)
:
والله مش قوي يا ست هناء!
هناء
(برقة)
:
تؤ تؤ تؤ … بلاش ست هناء أرجوك، حاول كده
تناديني هناء … هناء حاف … (مستمرة) لمَّا رامز
بك اتوفى حضرت التوزيع وتنازلت لهم عن نصيبي،
وبعدين اتفقت معاهم على إننا نيجي كلنا نزورك
ونقعد يومين معاك … (مغيرة لهجتها) ما رضيتش أقول لهم
طبعًا إن انا قررت أقعد هنا على طول وانِّي
درست أحوالك وعرفت كل حاجة عنك من يوم ما سبت
مصر!
حنفي
(بسخرية)
:
حضرتك … سيادتك قررتي تقعدي فين بالضبط على
طول؟
هناء
:
هنا، معاك.
حنفي
:
في البلد الصغيرة دي؟! وحتلاقي شقة
منين؟
هناء
:
ألاقي شقة يعني إيه؟ وهي الشقة دي عيبها
إيه؟
حنفي
:
شقتي أنا؟ دي؟
هناء
:
مش بطالة أبدًا … بحري وغربي، بعيدة شوية عن
اﻟ…
حنفي
(مقاطعًا بحدة)
:
بحري إيه وغربي إيه؟ عايزة تسكني معاي هنا
إزاي؟
هناء
:
مش دلوقت … ما تخافش … لمَّا نتجوز.
حنفي
(مصعوقًا)
:
لمَّا إيه؟
هناء
(تضحك)
:
ممكن تهدِّي أعصابك شوية؟! ممكن نقعد سوا
ونشرب الشاي في هدوء؟!
حنفي
(منفجرًا)
:
أجيب الهدوء منين؟ والله عال! (يضرب كفًّا بكف)
واحدة تطب على غفلة وتقول قريبتك وبعدين عايزة
أجَّوزك وعايزاني أشرب الشاي في هدوء!
هناء
:
أنا قلت عايزة أجَّوزك؟
حنفي
:
لأ أنا!
هناء
:
أنا قلت لما نتجوز!
حنفي
(ساخرًا)
:
آه … قولي كده!
هناء
:
في الحقيقة بقى كان لازم أقول لما انت
تتجوزني!
حنفي
(ساخرًا)
:
طبعًا طبعًا … الفرق كبير خالص!
هناء
:
الفرق مش كبير ما دام بنحب بعض. (في رقة) أرجوك
افهمني يا حنفي … بلاش نظرات الاستغراب دي …
دلوقت تعرف قد إيه أنا بحبك لما تسمع حكايتي …
وحتعرف قد إيه انت بتحبني لما تسمَّعني
حكايتك.
حنفي
:
كلام جميل، ممكن بقى …
(طرق شديد على الباب.)
(يبدو على حنفي الاضطراب الشديد
ولكن هناء تشير إلى المطبخ بثقة.)
هناء
:
طلع له القزايز يا حنفي.
حنفي
(مرتبكًا)
:
القزايز؟! قزايز إيه؟
هناء
:
قزايز الكوكا كولا طبعًا … أهُم قدامك ورا
الباب.
حنفي
(في ذهول)
:
مين؟ فين؟
هناء
:
مش سامعني؟! دا عم عبده البواب … إنت نسيت؟
النهارده الجمعة!
حنفي
(يفيق قليلًا)
:
آ… صحيح … طيب ممكن انتي …
(يشير إليها أن تختبئ.)
هناء
:
ما تخافش … مش حيشوفني! (تدخل غرفة
النوم.)
(يُخرج حنفي الزجاجات
ويعود.)
حنفي
:
الله! هي راحت فين؟ هناء … هناء!
(تخرج وقد ارتدت ثوبًا أكثر
حشمة.)
انتي رحتي فين؟ آ… خارجة؟
هناء
(تضحك)
:
خارجة إيه؟ كنت بغيَّر بس … مش معقول فوزي
يشوفني بقميص النوم!
حنفي
:
وايه اللي يخليه يشوفك؟
هناء
:
هو مش فوزي جاي دلوقت؟!
حنفي
:
وعايزاه يشوفك ليه؟
هناء
:
اسمع يا حنفي … فيه حاجات كتير لازم نتفق
عليها، أولًا لازم نغير السرير الصغير اللي في
أودة النوم ده … أنا ضهري كان حينكسر من خشب
الأرضية.
(تلمح بوادر ثورة عليه
فتحاول تهدئته.)
خليك معاي لحظة، طبعًا مش معقول عايزني أنام
ع الأرض … ومش ممكن انت ترضى تنام ع الأرض
وتسيب لي السرير … يعني بجد ليلة امبارح كات
ليلة يعلم بيها ربنا!
حنفي
:
قصدك … تقولي … إنك … كنتي … بايتة … في نفس
الأودة معاي ليلة امبارح؟
هناء
:
والله إن ما كنتش مصدق …
حنفي
:
والله أنا ما شفتكيش ولا حسيت بيكي ولا
…
هناء
:
حتشوفني إزاي وانت أول ما دخلت غطيت نفسك
باللحاف من فوق لتحت … ورحت غاطس في
النوم؟!
حنفي
:
يا نهار اسود ومهبب!
هناء
:
اسود ليه كفى الله الشر؟ دي حاجة طبيعية
جدًّا.
حنفي
:
انتي بتتكلمي جد؟ عايزة تقولي إنك كنتي نايمة
فعلًا معاي وماحسيتش بيكي؟!
هناء
:
تفتكر إن ده ذنبي؟!
حنفي
:
احنا في ذنبي وذنبك؟ مستحيل اللي بتقوليه
ده!
هناء
:
ده أولًا، ثانيًا بقى احنا ما عندناش وقت
ولازم ننتهي من كل التفاصيل قبل ما يوصل
فوزي.
حنفي
(مغيِّرًا لهجته كمَن اعتزم
أمرًا جادًّا)
:
اسمعي يا هناء، إذا كنتي عايزة فلوس أنا تحت
أمرك، أي حاجة … عايزة كام؟
هناء
(تضحك)
:
أنا … عايزة فلوس؟! أهي دي نُكتة
الموسم!
حنفي
:
أنا بتكلم جد!
هناء
:
مش ممكن، مستحيل تكون اتغيرت للدرجة
دي!
حنفي
:
عايزة قد إيه؟
هناء
:
يا حنفي أنا بحبك!
حنفي
:
مفهوم … مفهوم!
هناء
:
وعايزة أتجوزك، وعندي فلوس تكفينا طول العمر،
فلوس أكتر من كل اللي مَر عليك في البنك، ومن
كل اللي حلمت بيه في البنك.
حنفي
:
آ… قولي كده … عايزة تشتريني بالفلوس! هو ده
السبب في لهجة الثقة الغريبة اللي بتتكلمي بيها
… لهجة التحدي والوقاحة!
هناء
(صارخةً)
:
أنا ما اسمحلكش!
حنفي
(صارخًا)
:
أمال تسميها إيه؟ لا يا فندم أنا ما ابعشي
نفسي بالفلوس، وعمري ما بعت نفسي بالفلوس، يمكن
تكوني عارفة أصدقائي ويمكن كمان تفاصيل حياتي،
لكن أؤكد لك إن فيه حاجات كتير ما تعرفيهاش عني
ومش ممكن تعرفيها، أنا يا هانم سبت حياة حافلة
في مصر، حياة كان ممكن أتمرَّغ فيها في الفلوس
وفضَّلت أعيش هنا من أجل رسالة سامية … من أجل
هدف عظيم!
هناء
:
بحيرة اليأس؟
حنفي
:
هربًا من بحيرة اليأس! أنا ما اعرفش عنك
حاجة، وموش عايز أعرف حاجة … كفاية انك امرأة،
ويبدو إن معاكي فلوس كمان، يعني الشر بعينه …
الشيطان اللي انا هربت منه … (مغيِّرًا لهجته إلى
سخرية) كلامك عن الحب كان ممكن يهزني
لو كنت صغير أو مغمض، والحقيقة برضه إنك جميلة
وجذابة وعندك جرأة طول عمري باحلم بيها، لكن …
فات الأوان يا هانم، أنا كبرت واتعلمت، وموش
ممكن أرجع للضعف بتاع زمان.
هناء
(تصفق له)
:
برافو … برافو!
حنفي
:
اتريقي على كيفك، بس تأكدي إن اللي هربت منه
موش ممكن أرجع له!
هناء
:
لسه بتحبها يا حنفي … (في ألم حقيقي) يا
حبيبي؟
حنفي
:
بحبها؟
هناء
(في رقة)
:
تعالى جنبي!
حنفي
:
بحب مين؟!
هناء
:
سناء!
حنفي
:
انتي … انتي … بتقولي إيه؟
هناء
:
أهي دي الوحيدة اللي كان ممكن تفرقنا.
حنفي
:
انتي بتقولي ألغاز!
هناء
:
أنا عارفة بقول إيه، وانت عارف أنا باقول
إيه، اللي انت ما تعرفوش بقى هو إن أنا عشت
معاك قصتك، وقصة هروبك، وقصة رسوك على شط
البحيرة!
حنفي
:
أنا هربت من البحيرة.
هناء
:
ورسيت
عليها! اللي انت تصورته قارب نجاة … قارب يوصل
للشط التاني، كان في الحقيقة قارب انتحار …
قارب متثبت ع الشط … مربوط بحبل متين رغم وجوده
في المية … لما تحس إنه بيتهز اوعى تتصور إنه
بيتحرك! دا بيعلى ويوطى بس مع موج الشط.
حنفي
:
مش فاهم حاجة أبدًا!
هناء
:
ما فيش داعي للخداع أكتر من كده!
حنفي
:
صدقيني أنا مش باخدعك.
هناء
:
عارفة إنك مش بتخدعني، انت خدعت نفسك سنين
وسنين لحد ما صدقت الخدعة!
حنفي
:
أنا عمري ما خدعت نفسي!
هناء
(تضحك)
:
ممكن يا حبيبي تشرب الشاي بقى؟
حنفي
:
مش عايز شاي ولا زفت!
هناء
:
يمكن أعصابك مش حتهدى إلَّا إذا طمنتك وقلت
لك أنا ماشية، أنا حامشي، وموش حارجع
أبدًا!
حنفي
(مترددًا)
:
ما اقصدش يا هناء!
هناء
:
معلهش، دا رد فعل طبيعي.
حنفي
(قابضًا على كوب
الشاي)
:
أنا قصدي …
هناء
:
لكن قبل ما امشي لازم أقول لك ليه أنا حبيتك
وحافضل أحبك على طول!
(صمت.)
لمَّا حنفي عبد الباسط كان طفل صغير … كانت
عنده أحلام جميلة … حياته في الواقع كانت حلم
طويل … بالليل كان بيحلم أحلامنا العادية
وبالنهار كان يحلم وهو ماشي … وهو في المدرسة …
وهو راجع م المدرسة … التلامذة كلهم يرجعوا
البيت الساعة أربعة وهو يرجع … عارف الساعة
كام؟!
حنفي
(يلين قليلًا)
:
أصل السكة كانت طويلة!
هناء
:
لأ، سكته هو بس! كان ياخد السكة الزراعية
رايح جاي لحد الشمس ما تغيب وبعدين يروَّح …
ولما كبر ودخل الجامعة ما كانش يقدر ينام قبل
الفجر … القراية بالنسبة له كانت تأليف … كل
كلمة يقراها كانت عالم كبير … عالم بيشترك هو
في خلقه.
حنفي
:
كلية التجارة كُتبها كبيرة.
هناء
:
برضه لأ! ما كانش يسهر يقرا الكتب المقررة،
كان بيقرا أي حاجة إلا المقرر.
حنفي
:
وكان بينجح برضه؟
هناء
:
كان بينجح، ما اعرفش إزاي! المهم إن الحلم
الطويل ده بقى أكبر منه، وكان لازم يتقل
عليه.
حنفي
:
يتقل عليه إزاي؟
هناء
(تضحك)
:
ما اعرفش!
حنفي
:
أنا عارف عايزة تقولي إيه بالضبط، كلنا لنا
أحلام وكلنا بنِصِّدِم بالواقع.
هناء
:
لكن هو بقى ما قدرش يشوف الواقع أبدًا، أنا
حاسألك سؤال بسيط جدًّا، تقدر تقول لي فين سناء
دلوقت؟
حنفي
:
ما اعرفش!
هناء
:
لأ تعرف.
حنفي
:
قلتلك ما اعرفش، أرجوكي يا هناء، صدقيني
بقى!
هناء
:
انت موش ملاحظ اني شبه سناء؟
حنفي
:
إطلاقًا!
هناء
(بدلال)
:
بذمتك!
حنفي
(يتأملها جيدًا)
:
ما فيش أي شبه!
هناء
(بدلال)
:
طب وعشان خاطري؟
حنفي
:
يمكن في الطول واﻟ… القوام يعني، لكن الوش لا
لا لأ.
هناء
:
طب وإذا قلتلك إني سناء؟
حنفي
(صارخًا)
:
أنا عارف انتي عايزة إيه! عايزة تدمري
السعادة اللي أنا عايش فيها … عايزة تنتقمي من
قصة حب قديمة راحت وطواها الزمن!
هناء
:
حلوة طواها الزمن!
حنفي
:
أيوه طواها الزمن، خلصت … خلاص!
هناء
:
يعني خرجت من حياتك للأبد؟!
حنفي
:
للأبد … وأبد الآبدين كمان … خلاص!
(يدور حول نفسه
مُفكِّرًا.)
انتي إيه اللي عرَّفك الكلام ده؟! انتي شخصية
في منتهى الغرابة! بقى كنتي عايزاني لسه أفضل
عايش قصة حب بقى لها سنين وسنين؟! وبعدين حب
إيه ده اللي كان بينا؟! دي كانت عايزاني أرسى
على شط البحيرة … ما كاتشي بتحبني قد ما كانت
عايزة تتجوزني!
هناء
:
وجواباتها؟
حنفي
:
آ… (متلعثمًا) آ… جواباتها كانت جميلة،
جواباتنا احنا الاتنين في الحقيقة.
هناء
:
جواباتك انت كانت حزينة … كانت بترسم صورة
غريبة لواحدة مالهاش وجود … واحدة إنت رسمتها
وألِّفتها وقررت انها لازم تخرج من
حياتك.
حنفي
:
موش أنا اللي قررت.
هناء
:
المشكلة يا حنفي انك عمرك ما كنت بترد على
جواباتها بالمعنى المفهوم … كنت في كل جواب
تقول كلام جميل ما يوصَّلش إلا لنتيجة واحدة …
لنهاية حزينة … كان كلام جميل لكن جماله في
حزنه … في شاعريته … في عدم ارتباطه بالواقع!
وعدم ارتباطه بأي عاطفة … يا خسارة! ضاعت سناء
وضاع معاها الحب!
حنفي
:
كان حب جميل!
هناء
:
بالنسبة لك طبعًا كان جميل، وجماله إنه كان
لازم ينتهي لإنك قررت من الأول إنه ينتهي،
وعشان كده أصريت انك تعمل علاقة مع سناء خيالية
مرتبطة بحلم مستحيل!
حنفي
:
سناء كانت نفسها مستحيلة!
هناء
:
بالعكس، سناء كانت بنت عادية جدًّا، زيي
كده!
حنفي
(يضحك)
:
إلا زيك دي … انتي طلعتيلي منين؟!
هناء
:
حبها كان جريء وقوي، لو كنت قبلته … لو كنت
واجهته على الأقل … يمكن كنت قدرت تبعد عن شط
اليأس، شط الاستقرار اللي انت عايش فيه هنا …
تتفاخر بالعزلة وأحلامك الخدَّاعة … يعني
باختصار الشاب اللي كان بيقرا وغاوي تجارة،
اللي كان عايز يعمل مصنع خوص … مصنع برانيط
يشغل فيه البنات بقرش للبرنيطة وقرشين للسَّبَت
… اللي عايز يبيَّض الخوص بالكلور … نفس الشاب
ده خَلق واحدة مالهاش وجود اسمها سناء … وقرر
بينه وبين نفسه إنه يحبها حب يائس … زي حلمه
اليائس!
حنفي
(يصفق)
:
برافو! خلصتي خطبتك؟
هناء
(في حزن)
:
خلاص … سلامو عليكم!
حنفي
:
على فين؟
هناء
:
أروح مطرح ما جيت … يا خسارة! كان عندي أمل …
أمل صغير انك تشوف الحقيقة، وتعرف إن كل شيء
انتهى من يوم ما سبت البنك … من يوم ما قررت
تستقيل وتهرب وتشتغل بالتدريس … باي
باي!
حنفي
(منزعجًا)
:
انتي رايحة فين؟! استني!
هناء
:
ما فيش فايدة يا حنفي.
حنفي
:
أنا عندي أهداف تانية … اقعدي بس وانا أحكي
لك … أنا ما عدتش باحلم بمصنع خوص ولا حاجة،
اسمعي بس … أنا بقيت أديب!
هناء
(تضحك)
:
بجد؟! ده أجمل خبر سمعته في حياتي، بس يعني
موش لازم الأديب يكتب؟!
حنفي
:
طبعًا، ما انا …
هناء
:
ما انت إيه؟ من امتى كنت كاتب ولا تعرف تكتب؟
من إمتى احترفت الأدب؟ انت بقالك سنين عايش في
البلد دي وبتحلم … بتحلم بأي حاجة، موضوع الحلم
بيتغير لكن الحلم واحد … تمام زي حلم أيام
الدراسة … وحلم أيام البنك … الزمن بالنسبة لك
بقى لعبة كبيرة … الأيام بتمر يوم ورا يوم وانت
قاعد تخطط وتحلم، وتخلق في شخصيات مالهاش وجود
… زي فوزي!
حنفي
:
فوزي مالوش وجود؟!
هناء
(تضحك)
:
نفس الحكاية يا حنفي … فوزي الحقيقي حاجة
وفوزي اللي في خيالك حاجة تانية خالص!
حنفي
:
دلوقت ييجي وتشوفيه.
هناء
(تضحك)
:
ييجي إمتى يا حنفي؟! إنت عارف كويس قوي إن
فوزي مش جاي!
حنفي
:
إزاي بقى؟
هناء
:
فوزي اللي حييجي بعد … (تنظر إلى الساعة)
بعد عشر دقايق كاتب بسيط في المدرسة، إنسان
غلبان مالوش في الدنيا إلا الشغل
والبيت.
حنفي
:
حرام عليكي يا هناء!
هناء
:
أما فوزي صديقك اللي انت خلقته فدا حاجة
تانية خالص، راجل أديب وذوَّاقة ومؤلف
كبير!
(يطرق الباب بشدة.)
حنفي
:
أهُه وصل!
هناء
:
دي الجرايد … (تضحك) خدها من تحت الباب وانت
ساكت!
(يسحب الصحف ويتأمل
فيها.)
سيبها دلوقت … أنا ما عنديش وقت ولازم
أمشي!
حنفي
:
طب بس نكمل الحكاية!
هناء
:
حكاية إيه؟
حنفي
:
إنتي رايحة على فين؟
هناء
:
ودا يهمك في إيه؟!
حنفي
:
يعني مستعجلة ليه؟
هناء
:
يا حبيبي يا حنفي … عايزني أقعد معاك شوية؟
مش خايف أم سميرة تشوفني ولَّا تسمعني؟
حنفي
:
أم سميرة دخلها إيه؟
هناء
:
دخلها إيه إزاي بقى؟ هي مش بتيجي بعد
الصَّلَا؟
حنفي
(محرجًا)
:
النهارده … أصله …
هناء
(تضحك)
:
معلهش، ده ضعف بشري محتوم!
حنفي
:
خَلَقْتها دي كمان؟
هناء
:
لأ، انت يوم ماتخليت عن سناء …
حنفي
(صارخًا)
:
يادي سناء … هو ما فيش عندك غير سناء؟
هناء
(في رقة)
:
فيه … فيه كتير.
حنفي
:
ولمَّا أنا كلي ضعف وخيبة كده … إزاي
حبيتيني؟
هناء
:
أنا ما قولتش انت خيبة … بالعكس!
حنفي
:
بعد كل ده ومش خيبة؟
هناء
:
فيه أخيب منك.
حنفي
(ساخرًا)
:
بجد؟
هناء
:
أنا.
حنفي
:
انتي؟ دانتي أجرأ وأذكى واحدة شوفتها في
حياتي!
هناء
:
شوفت بقى ازاي … لازم تخلق من هناء اللي
قدامك هناء تانية مالهاش وجود.
حنفي
:
أنا عمري ما حسيت في حياتي بالضعف اللي شعرت
بيه النهارده.
هناء
:
بالضعف بتقول؟
حنفي
:
الضعف البشري اللي قررت ألغيه من حياتي إلى
الأبد … كلامك عن سناء مش صحيح.
هناء
:
حنفي!
حنفي
:
ومع ذلك فيه نغمة صدق … نغمة عشت سنين عشان
أسمعها ولازم أعترف انها هزيتني هز … انتي
بتقولي اني حبيت صورة سناء … صورة خلقتها
وتمسكت بيها ولمَّا تعارضت مع الواقع … (يضرب يدًا بيد)
خلاص … اللي انت ما تعرفيهوش بقى … واللي أنا
نفسي ما عرفتوش إلَّا دلوقت … هو إني عمري ما
حبيت سناء.
هناء
:
صورتها؟
حنفي
:
لا الأصل ولا الصورة … أنا حبيت نفسي فيها …
حبيت الطاقة الكبيرة اللي اتهيألي إنها حتفجرها
في أعماقي … ولما هربت … لما غيرت مجرى حياتي
كلها ما كنتش بهرب من سناء … ما كنتش باتخلَّى
عنها زي ما انتي فاكرة، أنا كنت باهرب من
الخدعة الكبيرة اللي عشت فيها سنين!
هناء
:
ودخلت في خدعة تانية … مالهاش نهاية المرة
دي!
حنفي
:
بالعكس.
هناء
:
قادر تشوف نهايتها.
حنفي
:
انتي مش قادرة تشوفيها؟
هناء
:
أنا شايفة ساحل ممتد وأمواج وقارب
مربوط.
حنفي
:
مبقاش مربوط خلاص.
هناء
:
نزل بحيرة اليأس!
حنفي
:
بحيرة الأمل.
هناء
:
رجعنا للخداع.
حنفي
:
مش ممكن يبقى فيه خداع معاكي، انتي امرأة
نادرة … ممكن تكوني أختي في الرضاعة
صحيح؟
هناء
:
ممكن؟
حنفي
:
ممكن … لكن مش محتمل!
هناء
:
عشان فارق السن؟
حنفي
:
ما اقصدش!
هناء
:
عشان تقدر تتجوزني؟
حنفي
(يضحك)
:
يا ريت!
هناء
:
وممكن أكون قريبتك من بعيد زي ما
بقول؟
حنفي
:
وممكن ما تكونيش قريبتي خالص … مش مهم … مش
مهم، مش مهم أبدًا. المهم إن انا لقيتك!
هناء
:
أنا اللي لقيتك.
حنفي
:
المهم إن الماضي الطويل بدأ يتزحزح زي
الكابوس من على نفسي … بدأت أحس اني اقدر أتنفس
من جديد … لأول مرة يا هناء باشوف … وباشوف
قدامي المرأة المثالية.
هناء
:
اللي قدرت تفهمك؟
حنفي
:
اللي فاهمة كل حاجة.
هناء
:
وانت فاهمها؟!
حنفي
:
طبعًا.
هناء
:
انت عارف أنا مين صحيح؟
حنفي
:
أنا بحبك يا هناء!
هناء
:
بتحبني أنا؟ ولَّا بتحب حنفي اللي انا
صوَّرته؟!
حنفي
:
بحبك طبعًا؛ انتي ربنا بعتك عشان تنقذيني من
بحيرة اليأس … أنا حاسس اني لو اتجوزتك … لو
رضيتي تقفي جنبي وتحبيني زي ما بحبك حاقدر أحقق
كل مشروعاتي … حاقدر أنطلق وأوصل لآخِر آفاق
البحر.
هناء
:
وتسيب البحيرة لمين؟!
حنفي
:
مش مهم بقى!
هناء
:
يعني عايز ترجع للبنك؟
حنفي
(منزعجًا)
:
ليه؟
هناء
:
إنت مش بتقول …؟
حنفي
:
أنا جبت سيرة البنك؟
هناء
:
انت مش عايز …؟
حنفي
:
أنا عندي مشروعات خطيرة … غير مشروع الخوص
والبرانيط … أنا عندي مشروعات تانية
خالص.
هناء
:
غريب الإنسان وغريب ذهن الإنسان … يبقى شايف
الحقيقة … شايف الواقع وحاسس بيه ومصمم انه
يتجاهل وجوده.
(صمت.)
آدي احنا أهُه … شايفني قدامك … واحدة بتقول
لك يا حبيبي وبتذكر أحلام الماضي وبتبص
للمستقبل … واحدة مُصِرَّة انها تقف جنبك
وتتمنى تعيش معاك وتحبك … ومع ذلك لا يمكن
تحاول تعرف أي شيء عنها … وتصر على مشروعاتك
الخيالية … المشروعات (تضحك) اللي حتفضل زي سناء وزي
الكتابة وزي حياتك كلها … حلم كبير!
حنفي
:
يا هناء الواقع لازم يتبني على حلم … من غير
حلم ما نقدرشي نغير الواقع!
هناء
:
ومن غير واقع حتفضل أحلامنا أوهام زي طواحين
الهوا اللي حاربها دون كيشوت … افتكر معاي …
انت لمَّا كنت بتحلم بالمصنع كان فيه خوص في
البلد … كان فيه بنات مش لاقيين شغل … كان ممكن
البنت تاخد قرش وقرشين … كان فيه كلور!
حنفي
:
كل حاجة موجودة.
هناء
:
طبعًا … بس لا بالكميات المناسبة ولا
بالتكاليف اللي نقدر عليها … الحلم كان أصله
واقع اتحول إلى ذكرى، إلى ماضي جميل، والماضي
مش ممكن يعمل مستقبل.
حنفي
:
أنا مش ممكن أتخلى عن …
هناء
:
طبعًا … لأن ده قانون شط البحيرة.
حنفي
:
أنا أبعد ما أكون عن البحيرة … وبعدين ما
تنسيش انتي دلوقت واقفة جنبي … بحبك
وبتحبيني!
هناء
:
مرة واحدة كدة؟!
حنفي
:
هناء، حبيبتي، قصدك إيه؟
هناء
:
الحب شيء رائع بس ممكن يا ترى ينزل علينا م
السما كده زي المن والسلوى؟!
حنفي
(منفعلًا)
:
أنا حاسس بيه … بيهزني هز من جوَّه.
هناء
:
اللي هزتك هي نغمة الصدق.
حنفي
:
لا.
هناء
:
إنت لسه قايل كده دلوقت!
حنفي
:
لكن أنا بحبك، أنا حاسس انك عارفاني أكتر ما
اعرف نفسي، انك عشتي معاي طول العمر.
هناء
(تضحك)
:
مش كله يعني!
حنفي
:
أنا حاسس انك طالعة من جواي، عايشة جواي،
مفاجأتك لي كانت
أكبر
مني!
هناء
:
عشان لخبطت لك نظريتك؟
حنفي
:
بالعكس … نظرية البحيرة صح مية في المية …
وبعدين انتي ما قلتيش أي حاجة أنا ما
اعرفهاش!
هناء
(فجأةً)
:
ممكن أكون خيال يا حنفي؟
حنفي
:
أفندم؟
هناء
:
ممكن أكون شخصية انت ألِّفتها؟
حنفي
(يضحك)
:
لا لا لأ … كله إلا دي … (يقترب منها) دانتي
حقيقة … واقع … لحم ودم … وحاجة إكسرا
كمان!
(يحاول الإمساك بها وتراوغه
وتفلت منه … ويزداد حماسة وهو يردِّد.)
واقع ممتاز، حقيقة من لحم ودم!
هناء
(في دلال)
:
حنفي … وبعدين؟!
حنفي
:
هناء … أرجوكي!
هناء
:
ابعد عني.
حنفي
:
عايز أقول لك حاجة.
هناء
:
حاجة إيه؟!
حنفي
:
كلمة في ودنك.
هناء
:
دمك تقيل.
حنفي
:
مش ممكن تفلتي مني!
(يدق الباب بعنف فيتسمر في
مكانه.)
مين ده؟
هناء
:
حيكون مين؟ فوزي طبعًا … افتح له!
(تجري إلى غرفة النوم …
تخرج.)
حنفي
:
لحظة واحدة!
(يفتح الباب … يدخل
فوزي.)
أهلًا يا فوزي … اتفضل … أهلًا أهلًا … جيت
في وقتك … أما عندي حتة مفاجأة لك!
(فوزي لا يرد، فقط يسير
مندهشًا.)
اتفضل … تعالى … تتصور اني رجعت أحب تاني زي
المراهقين! واحدة قريبتي من بعيد … بتقول انها
أختي في الرضاعة … بتهزر طبعًا … أما حتة بنت
ياد … استنى لحظة وانت تشوفها. (مناديًا) هناء …
هناء … (إلى
فوزي) حاجة ما حصلتش، جمال ومال وجرأة
وذكاء … (مناديًا) … هناء … هناء، تعالي ما
تكسفيش … دا فوزي صاحبي … (إلى فوزي) اقعد يا
فوزي … اتفضل … حتلاحظ إن فيه كباية شاي زيادة
عليها أحمر شفايف (يضحك) كبايتها!
فوزي
(لا يرى شيئًا)
:
فين؟
حنفي
:
أهيه قدامك … (ينظر
بعينَيه بحثًا، لا يرى شيئًا) لازم
غسلتها، لازم (يتردد) راحت فين؟ (مناديًا) هناء …
هناء!
فوزي
:
انت شارب حاجة ع الصبح؟
حنفي
:
شارب إيه؟ دلوقت حتشوف.
(يهرع إلى غرفة النوم
يفتحها وينظر داخلها في قلق.)
هناء … هناء! انتي رحتي فين؟ الله! هناء …
هناء!
فوزي
(متصفِّحًا الأوراق على
المنضدة)
:
هي هناء دي مش بطلة القصة بتاعتك؟
حنفي
(مذعورًا)
:
قصة إيه يا أخي … هناء دي حبيبتي … هناء،
هناء، مش ممكن تكون خرجت، دي كانت لسه معاي
دلوقت!
فوزي
:
خرجت منين؟
حنفي
:
ما اعرفش!
فوزي
:
ودخلت ازاي؟
حنفي
:
ما اعرفش!
فوزي
:
انت رجعت للتأليف تاني؟!
حنفي
(منهارًا)
:
تأليف إيه يا أخي؟ (في صوتٍ باكٍ) والله العظيم كات هنا
دلوقت! بقى لي ساعة باتكلم معاها!
فوزي
:
مفهوم … مفهوم!
حنفي
:
مفهوم إيه انت كمان، انت فاكرني
مجنون؟!
فوزي
:
أبدًا، بس يلَّا وحياتك عشان نخلص الحلقة …
البطل بتاعنا كان عنده إيمان كامل بِحُرية
الرجل وإصرار على عدم السماح للمرأة بتدمير
حياته وإلقائه على شط بحيرة اليأس.
حنفي
(في انهيار تام)
:
ولذلك قرَّر ألا يرتبط بامرأة ما طول عمره؛
إذ إن المرأة هي التي تستطيع وحدها أن تبعده عن
شط بحيرة اليأس، وأن تضعه في قارب
الأمل.
فوزي
:
إزاي بس؟! دا عكس اﻟ…
حنفي
:
وفضَّل أن يحيا بعيدًا عن الحياة … قانعًا
بما يصوِّره له خياله من لحظات النعيم … لحظات
يتصور فيها أنه وجد ضالة عمره وهو (فجأةً)
فوزي.
فوزي
:
أفندم!
حنفي
:
انت فاكر نفسك أديب؟
فوزي
:
وبعدين بقى؟
حنفي
:
انت كاتب غلبان وكحيان في المدرسة.
فوزي
:
أنا زعلتك في حاجة؟
حنفي
:
أبدًا … بس حبيت أقول لك … لازم نواجه
الحقيقة بقى ولو مرة واحدة.
فوزي
:
وحضرتك؟!
حنفي
:
أنا؟ آه … أنا لا أديب ولا لي في العملية دي
خالص، من إمتى كنت كاتب؟ من إمتى احترفت
الأدب؟
فوزي
:
يعني مش حنكمل الحلقة؟
حنفي
:
لأ … إزاي … يلَّا بينا، وإن ما كناش حنكتب …
حنعمل ايه؟
فوزي
:
«لحظات يتصوَّر فيها أنه وجد ضالة عمره» …
كنت بتقول …
حنفي
(صارخًا)
:
ومع ذلك … هناء كانت هنا دلوقت!
بلحمها ودمها!
(ستار سريع.)